هل دار في خلدك تساؤل عن ماهية تكنولوجيا النانو Nanotechnology وماذا تعني على وجه الدقة؟ إن تكنولوجيا النانو هي إحدى العلوم التي تعمل في جوهرها على المستوى الجزيئي وتعتبر أحد العلوم الحديثة جداً التي ظهرت إلى الوجود من جراء تمكن العلماء مؤخراً من التحكم بالمادة Matter (الذرات والجزيئيات) الأمر الذي يجعل إنتاج أشياء جديدة غير معهودة من قبل مثل الجزيئات التي توجّه نحو الفيروسات أمراً ممكناً في المستقبل. ولا يوجد أدنى شك من أن تأثير تكنولوجيا النانو التي تعمل عند مستوى واحد من المليار من المتر سوف يكون هائلا على عدد كبير من الصناعات وأنها سوف تغير نمط حياتنا تماماً!
وتكنولوجيا النانو مثلها مثل التكنولوجيا الإحيائية Biotechnology وتقنية المعلومات IT صناعة متنامية من المؤمل ان تغير العالم الذي نعيش فيه. في هذا السياق يذكر د. ريتشارد سمالي Richard Smalley الحاصل على جائزة نوبل (أن تكنولوجيا النانو سوف تعالج جذرياً كل أنواع الأضرار التي تسببت بها الثورة الصناعية). ولعل من أهم الأشياء البارزة التي يعوّل عليها العلماء في تعاطيهم مع هذا العلم أنهم سوف يجدون للمرة الأولى في متناول أيديهم أشياء تشبه في حجمها الأنواع الإحيائية التي يسعون لاكتشافها أو يعملون على التعامل معها. وكانت الكثير من أساليب الاكتشاف قبل ظهور تكنولوجيا النانو تشبه كثيراً عملية دق مسامير كبيرة باستخدام مطرقة ثقيلة ضخمة، أي أن العملية تعتمد في أساسها على شدة التركيز مع تيسر خيارات محدودة. إن القدرة على استخدام الجزيئات متناهية الصغر يؤدي إلى ضبط التفاعلات الحساسة بهدف تحسين ما تتصف به عملية الاكتشاف من حساسية ومقدرة كبيرة على الاختيار.
ولا ريب أن تمكن العلماء من بلوغ عالم الجزيئات متناهية الصغر يؤكد صدقية القول المأثور (الحجم مهم للغاية) لا سيما حين يتعلق الأمر بالنانو Nanometer لسببين أولهما أن بإمكان المادة وفق معايير النانو أن تتخذ في الغالب خصائص جديدة بسبب صغر حجمها كما ان المادة ذات اللون الباهت وفق المعيار الطبيعي يمكن أن تتحول إلى لون ساطع بعد التعامل معها وفق مقياس النانو Nanoscale؛ وثانيهما أن أهمية الحجم تبرز لدى تواؤم قطعتين مع بعضهما بشكل دقيق. فعلى سبيل المثال يمكن تصفية الماء إلى حد كبير من خلال مروره عبر غشاء تتخلف عنده العوالق الموجودة فيه. كما أن أنابيب النانو الكربونية تقدم أملاً كبيراً لتحقيق مثل هذا الأمر مما يجعل عملية الترشح ذات كفاءة عالية جدًا.
والفائدة الأخرى المتوخاة من تطبيق تكنولوجيا النانو تتمثل في التعاطي مع المشاكل بأنواعها من خلال عمل العلماء الجماعي لأن هذا العلم يعمل عند مفترق طرق علوم مثل الكيمياء والفيزياء وعلم الأحياء والعلوم المادية مما يتطلب تعاوناً وتنسيقاً من جانب علماء من حقول معرفية عديدة. وكان نتيجة ذلك تحقق تأثيرات مدهشة بعد تبلور حلول جديدة لمشاكل قديمة ومستعصية. فعلى سبيل المثال أدت مقدرة علماء الكيمياء على استحداث مواد متناغمة من الناحية الإحيائية إلى تجدد الأمل في التوصل إلى علاجات دوائية يتم بموجبها معالجة الأجزاء المصابة مع إمكانية استخدام جرعة دوائية صغيرة واحدة في كل مرة لتوفير علاج مثالي.
أضف إلى كل ذلك أن تكنولوجيا النانو موجودة بالفعل في وقتنا الحاضر فنحن نستخدمها يومياً رغم عدم إدراكنا لها من خلال استخدام منتجات تحتوي على تكنولوجيا تعتمد معيار الميكرون Micron (جزء من المليون من المتر) أو معيار النانو، منها على سبيل المثال لا الحصر: الهواتف النقالة وآلات الطباعة والاستنساخ التي تعتمد الحبر والأنظمة الخاصة بالأكياس الهوائية الوقائية في السيارات لأنها جميعاً تستخدم مركبات تعتمد على مثل هذا النمط من التكنولوجيا. وهناك ايضاً مواد تضاف إلى مواد أخرى بكميات صغيرة تعتمد النانو في الكثير من المنتجات مثل السلع الرياضية ومستحضرات التجميل.
وفي مجال الرعاية الصحية تستخدم الاختبارات الروتينية تكنولوجيا النانو لوضع علامات مميزة ساطعة على الخلايا الفردية كما أن الصناعات التي تستخدم رقاقات صغيرة جداً Chips غدت اليوم وسائل أساسية جداً لعلماء الكيمياء الإحيائية والاختصاصات المشابهة.
أثر ذلك يظل العالم بانتظار ما سوف تتمخض عنه الفترة القادمة من انجازات باهرة فرغم أن المنتجات التي تعتمد النانو لم تستفد كثيراً من السمات الخاصة التي تعمل وفق هذا المعيار فإن هناك أمثلة من خلال البحوث الجارية في وقتنا الحاضر تشي بمثل هذا التطور، فالتعامل مع جزيئات النانو ذات الصلة بعوامل النمو أدت إلى التوصل إلى أساليب مبتكرة لإصلاح الحبال الشوكية حتى في حالة الإصابة بها لفترات زمنية طويلة. وأدت البحوث العلمية الأخرى إلى إيجاد علاجات للخلايا أو الأورام السرطانية بشكل يفضي إلى تشخيصها بوقت مبكر ومن ثم أيجاد المعالجة اللاحقة بشكل فعال وبعيد عن اية مضاعفات.
ورغم أننا لا نتوقع إمكانية تخصيص قسم خاص في المجمعات التسويقية لمنتجات تكنولوجيا النانو فإن من المؤكد أن هذا العلم سوف يغير الكثير من مجريات الأمور في مجتمعنا البشري.
بقلم: البروفيسور جو شابتر Prof Joe Shapter
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.