إعداد مشرف وحدة التعليم الدامج في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية: دعاء عبد الله دريدي
بصفتي اختصاصية في التعليم الدامج، لاحظت عن كثب كيف يمكن للوصول الرقمي أن يُمكّن الأفراد ذوي الإعاقة أو يُقصيهم. في عالمنا الرقمي المتنامي، أصبح الوصول العادل إلى التكنولوجيا حقاً أساسياً وليس مجرد خيار. ومع ذلك، لا تزال الفجوة الرقمية أمام الأشخاص ذوي الإعاقة (Disability Digital Divide – DDD) تشكل تحدياً كبيراً، مما يحدّ من مشاركتهم في مجالات التعليم والتوظيف والحياة الاجتماعية. يستكشف هذا المقال أهمية الوصول الرقمي، وعلاقته بالمواطنة الرقمية، والتحديات الحالية، بالإضافة إلى الحلول المبتكرة لتحقيق الدمج الحقيقي.
فهم مفهوم الوصول الرقمي
يشير الوصول الرقمي إلى تصميم وتطوير المنصات والأدوات والمحتوى الرقمي بحيث يكون متاحاً لجميع المستخدمين، بما في ذلك الأشخاص من ذوي الإعاقة. وهذا يعني أن المواقع الإلكترونية، والتطبيقات، ومنصات التعلم الإلكتروني، والخدمات الرقمية يجب أن تكون متوافقة مع التقنيات المساعدة مثل برامج قراءة الشاشة، وبرامج التعرف على الصوت، وأجهزة الإدخال البديلة.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO, 2022)، يوجد أكثر من 1.3 مليار شخص حول العالم يواجهون نوعاً من الإعاقة. ومع ذلك، لا يزال الكثير منهم يجابه مجموعة من العوائق الكبيرة عند استخدام المنصات الرقمية. يتحقق الوصول الرقمي الحقيقي عندما تكون البيئات الرقمية قابلة للإدراك، وقابلة للتشغيل، ومفهومة، وقوية، وفقاً لمعايير إرشادات الوصول إلى محتوى الويب (WCAG) التي وضعها اتحاد شبكة الويب العالمية (W3C, 2023).
الوصول الرقمي كركيزة للمواطنة الرقمية
تشير المواطنة الرقمية إلى الاستخدام المسؤول والأخلاقي للتكنولوجيا، مما يضمن أن يتمتع جميع الأفراد بفرص متساوية للوصول إلى العالم الرقمي والمشاركة فيه والاستفادة منه.
على سبيل المثال، في قطاع التعليم، لا تزال العديد من منصات التعلم عبر الإنترنت غير متاحة للطلاب ذوي الإعاقة، مما يحدّ من قدرتهم على المشاركة في التعلم عن بُعد أو الهجين. ووفقًا لتقرير صادر عن اليونسكو (2023)، فإن أكثر من 90٪ من المحتوى التعليمي العالمي لا يفي بالمعايير الأساسية للوصول الرقمي، مما يشكل عقبة رئيسية أمام الطلاب ذوي الإعاقات البصرية والسمعية والإدراكية.
يتطلب المجتمع الرقمي الشامل دمج إمكانية الوصول في استراتيجيات التحول الرقمي منذ البداية، بدلاً من اعتباره أمراً ثانوياً أو تحسيناً لاحقاً.
التحديات الرئيسية في تحقيق الوصول الرقمي
على الرغم من زيادة الوعي والتقدم التكنولوجي، لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام تحقيق الوصول الرقمي للأشخاص ذوي الإعاقة، منها:
- نقص الوعي والتدريب
- يفتقر العديد من مطوري الويب والمصممين وصانعي المحتوى إلى المعرفة بأفضل ممارسات الوصول الرقمي، مما يؤدي إلى منصات رقمية غير شاملة.
- لا تُدرج العديد من المؤسسات عمليات تدقيق الامتثال للمعايير في عملياتها الرقمية.
- ضعف تطبيق معايير الوصول الرقمي
- على الرغم من وجود أطر قانونية مثل قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة (ADA, 1990) وقانون الوصول الأوروبي (EAA, 2025)، إلا أن تنفيذها لا يزال غير متسق.
- لا تزال العديد من الشركات الخاصة غير ملتزمة بمعايير الوصول بسبب عدم وجود ضغوط تنظيمية كافية.
- التكلفة العالية للتقنيات المساعدة
- لا تزال الأدوات المتقدمة مثل شاشات برايل الإلكترونية، وأنظمة تتبع العين، وبرامج التعرف على الكلام بالذكاء الاصطناعي باهظة الثمن، مما يحدّ من توفرها للأفراد ذوي الدخل المنخفض.
- لا تزال برامج التمويل الحكومية والخاصة غير كافية لدعم توفير هذه التقنيات.
- عدم إمكانية الوصول إلى التقنيات الناشئة
- لا يتم تصميم الذكاء الاصطناعي (AI)، والواقع الافتراضي (VR)، والواقع المعزز (AR) دائماً مع مراعاة معايير الوصول الرقمي.
- قد تميز الأنظمة الذكية، مثل أدوات التوظيف المؤتمتة، ضد الباحثين عن عمل من الأشخاص ذوي الإعاقة بسبب التحيزات الخوارزمية (اليونسكو، 2023).
- الحواجز اللغوية والثقافية
- تم تصميم العديد من حلول الوصول الرقمي في المقام الأول للمتحدثين باللغة الإنجليزية، مما يهمل المستخدمين في المناطق غير الناطقة بالإنجليزية.
- تفتقر المنصات الرقمية العالمية لخدمات الترجمة إلى لغة الإشارة والتواصل البديل بلغات متعددة.
الحلول المبتكرة لمستقبل رقمي أكثر شمولًا
لردم الفجوة الرقمية أمام الأشخاص ذوي الإعاقة، يجب اعتماد حلول استباقية، ومبتكرة، وقابلة للتوسّع:
1. تطوير المنتجات الرقمية وفقاً لمبدأ “الوصول منذ البداية”
- يجب أن تدمج المنصات الرقمية معايير الوصول الرقمي في مرحلة التصميم وليس بعد الإطلاق.
- يجب على الشركات التقنية التعاون مع خبراء الوصول الرقمي والمستخدمين ذوي الإعاقة أثناء عملية التطوير.
- مثال: إطار التصميم الشامل من مايكروسوفت يضمن أن جميع المنتجات الجديدة تضع إمكانية الوصول كأولوية (Microsoft, 2023).
2. تعزيز القوانين والرقابة على الامتثال
- يجب على الحكومات تطبيق قوانين أكثر صرامة، وإلزام المؤسسات بتقديم تقارير دورية عن الامتثال لمعايير الوصول الرقمي.
- مثال: يفرض قانون الوصول الأوروبي (2025) على جميع الخدمات الرقمية العامة والخاصة الامتثال لمعايير الوصول.
3. جعل التقنيات المساعدة ميسورة التكلفة
- يمكن أن تساعد الأدوات مفتوحة المصدر في تقليل التكاليف وزيادة إمكانية الوصول.
- مثال: NVDA (NonVisual Desktop Access) هو قارئ شاشة مجاني ومفتوح المصدر، يوفر بديلاً عن البرامج باهظة الثمن مثل JAWS.
4. تعزيز الذكاء الاصطناعي من أجل الوصول الرقمي
- يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الوصول الرقمي من خلال:
- التعليق التلقائي للفيديوهات وترجمة لغة الإشارة في الوقت الفعلي (مثل: Google Live Transcribe).
- تخصيص الواجهات الرقمية وفقاً لاحتياجات المستخدمين من خلال التكيف التلقائي للخطوط والألوان وطرق التنقل.
- مثال: تطبيق Be My Eyes يستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة ضعاف البصر في التعرف على الأشياء.
الخاتمة: دعوة إلى العمل
تحقيق الوصول الرقمي الشامل ليس مجرد تحدٍ تقني، بل هو مسؤولية اجتماعية. يتطلب ردم الفجوة الرقمية تعاوناً بين الحكومات، وشركات التكنولوجيا، والمؤسسات التعليمية، ومنظمات المناصرة لضمان أن تصبح إمكانية الوصول الرقمي المعيار وليس الاستثناء.
كمتخصصة في التعليم الدامج، أومن بشدة أن العدالة الرقمية هي ركيزة أساسية للعدالة الاجتماعية. من خلال إعطاء الأولوية لإمكانية الوصول، لا نحسن فقط التجربة الرقمية للأشخاص ذوي الإعاقة، بل نبني عالماً يتمتع فيه الجميع بفرص متساوية للابتكار والتقدم.