أأرحل قبلك! قصيدة مؤثرة غير مسبوقة كتبها الشاعر عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس عام 1429هـ، وكانت بشهادة عدد من النقاد «قصيدة العام»، ليس لجودتها الفنية فقط، بل لما هو أهم وأجود من ذلك وهو موضوعها غير المسبوق وجدانياً في بيئة الشاعر، حتى أن الدبلوماسي والأديب الشاعر المرحوم غازي القصيبي قال يومها معلقاً عليها: «هذه ربما تكون أول وأجمل قصيدة رومانسية كتبها شاعر من صحراء نجد في زوجته، وهو على مشارف التسعين من عمره في بيئة ثقافية «نجدية» لا يكاد الإنسان يسامر زوجته داخل بيته، فكيف يفعل ذلك شعراً وأمام الملأ».
أما شاعرها ابن إدريس فيقول عنها: «حصل بيني وبين زوجتي أم عبدالعزيز توافق في المرض، كل منا صار عنده الضعف الصحي، ولا ندري من سيرحل أولاً، وخرجت القصيدة وكانت على مستوى جيد والحمد لله، ولهذا صار لها صدى عجيب».
أأرحل قبلك أم ترحلين
وتغرب شمسي أم تغربين
ويَنْبَتُّ ما بيننا من وجود
ونسلك درب الفراق الحزين
ويذبل ما شاقنا من ربيع
تؤرجه نفحة الياسمين
وتسكب سحب الأسى وابلاً
على مرقدٍ في الثرى مستكين
***
فإن كُنْتُ بادئ هذا الرحيل
فيا حزن رُوْحٍ براها الحنين
وإن كُنتِ من قد طواها المدى
فيا فجعة لفؤادي الطعين
لقد كُنتِ لي سعد هذا الوجود
ويا سعدنا بصلاح البنين
هُمُ الذخر دوماً بهذي الحياة
وهم كنزنا بامتداد السنين
***
سلكنا سويا طريق الحياة
وإن شابها كدرٌ بعض حين
لقد كُنتُ نعم الرفيق الوفيّ
وأنتِ كذاك الرفيق الأمين
لك الحمد يا رب أن صغتها
خدينة دينٍ وعقلٍ رصين
تسابقني في اصطناع الجميل
وتغبطني في انثيال اليمين
فيا زخَّة من سحاب رهيف
ويا نفحة من سنا المتقين
حياتي بدونك حرٌّ وقرٌّ
وأنت على صدق ذا تشهدين
وينفض سامرنا موغلا
رحيلاً إلى أكرم الأكرمين
سيرة ذاتية للشاعر عبد الله بن عبد العزيز بن إدريس
بقلم د. فاروق صالح باسلامة
عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس أديب وشاعر وصحافي، ولد سنة 1349 هـ في بلدة حرمة بمنطقة سدير وتلقى تعليمه في هذه البلدة ثم التحق بكلية الشريعة في الرياض ودرس فيها العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية كما درس على يد بعض علماء المنطقة، ثم انتدب مدرساً لعلوم الدين وقواعد اللغة العربية في المدرسة الفيصلية بالرياض، وكان قد نال شهادة الثانوية من معهد الرياض العلمي ثم أخذ شهادة كلية الشريعة وتوظف بوزارة المعارف إدارياً وتعليمياً وفنياً.
وابن إدريس أديب كاتب غزير الإنتاج مؤرخ للأدب حرر جريدة (الدعوة الأسبوعية) لمدة سبع سنين، وترأس النادي الأدبي بالرياض لبضع سنين، فإذا جمعنا عمله بين الصحافة والأدب لقينا ميزان ذلك على اعتدال، والصحافة تشغل الأدب والأدب يشغلها فيخرج إنتاج الأدباء والشعراء على هاتين الضفتين من نهر الأدب والشعر والفن والفكر، وقد نالت الجريدة التي حررها عبدالله بن إدريس نجاحاً وفلاحاً جيدين ومناسبة لتوجهه الأدبي والديني والعلمي والعملي، ولم يقفه ذلك عن الإنتاج الأدبي والشعري والتاريخي فله كتاب قيم عنوانه (شعراء نجد المعاصرون) كتبه مبكراً في الستينيات من القرن العشرين وهو كتاب = وثيقة لتاريخ الأدب والشعر في نجد استطاع به أن يجمع شعراء نجد المعاصرين في هذا الكتاب التاريخي الموثق بالمعلومات والآراء والرؤى كدراسة أدبية وفنية لهؤلاء الشعراء أمثال: عبدالله بن خميس وعبدالله بن بليهد وعبدالكريم الجهيمان وإبراهيم الدامغ، وهؤلاء هم شخصيات الشعر النجدي المعاصر الذين طرحوا على ساحة الأدب وضفافه دواوين شعرهم وقصائدهم، وكان لا بد لهذا الكتاب أن ينجح ويكتسح الساحة الأدبية والشعرية والنقدية. وهذا يريك مدى تاريخية الشعر في نجد هذا الصقع من البلاد العربية السعودية الذي زرع في كيانه أمثال الشعراء الذين تعتز بهم هذه البلاد المباركة وأدباء وكتاب وصحافيين وشعراء فنيين.
والأستاذ عبدالله بن إدريس أديب شاعر يقول الشعر وينظمه وله ديوان (في زورقي) أودع فيه قصائد شعرية وفنية أدبية، وقد جمع في هذا الديوان الشعر العمودي وشعر التفعيلة أبدع من خلاله الشاعر ابن إدريس ووقف في هذا الديوان على البيئة التي تربى فيها وقال في ذلك شعراً كثيراً، على أن أسلوب الرجل في كل من الشعر والنثر أسلوب بديع يأسرك على المضي قدماً في قراءة إنتاجه الأدبي الفني الجميل. كما أن له كتاب (عزف أقلام) يناقش من خلاله ويدرس في فصوله إنتاج الأدباء والشعراء والمثقفين فينقدهم ويناقشهم ويبين لهم نظرته فيما ألفوا وصنفوا وما قاله في كتبهم الأدبية ودواوينهم الشعرية ومؤلفاتهم النقدية والفنية كذلك.
ونخلص من كل ذلك إلى تصنيف فكر وشعر ونثر عبدالله بن إدريس في المحاور الآتية:
- إنه معلم وموظف في الدراسة والإدارة من خلال عمله في وزارة المعارف، وهذا يعطيك تصوراً جيداً عن الرجل.
- إنه خريج كلية الشريعة واللغة العربية، وهذا يعطينا صورة واضحة لالتزامه الفكري والأدبي والديني.
- إنه أديب وكاتب وشاعر مفن في ذلك كله كعبقري في عالم الأدب والفكر والشعر والفن والنثر.
- إنه ساهم في تاريخ حركة الشعر والأدب في المملكة العربية السعودية وتحديداً في منطقة نجد الكبرى.
هذه المحاور تدلنا على آفاق رحبة للأديب ابن إدريس أضف إلى ذلك خبرة صحفية في جريدة الدعوة الأسبوعية مؤسساً ومحرراً وكاتباً وموزعاً لها.
وهكذا يكون الأدب حينما يتمحور إلى نثر وشعر وفكر وفن تزينها ثقافة مثل ثقافة ابن إدريس العلمية والعملية والأدبية والدينية والفكرية.