إعداد إلياس طباع
يقال في العلوم الاجتماعية والفلسفية إن الإنسان له القدرة على البيان والتبيين ـ أي على الكلام الفصيح المقنع الساحر.
وصاحب لسان العرب الجاحظ ينتهي إلى هذه النتيجة عندما تعرض لمعنى كلمة بيان الواردة في أول سورة الرحمن: {الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان علمه البيان}، فالله سبحانه وتعالى خص الإنسان وحده بالبيان وميزه عما سواه بالقدرة على الدلالة والوضوح والتأمل.
ويمكن القول بصورة عامة إن الأبحاث البيانية انقسمت منذ قيامها إلى قسمين: الأول (يُعنى بتفسير الخطاب)، والثاني (يهتم بشروط إنتاج الخطاب).
وإذا أردنا القفز بالأبحاث البيانية واللغوية من مستوى تفسير الخطاب والرسالة اللغوية إلى مستوى التعميم والتصنيف العلمي ووضع النظرية في مجال تفسير الرسالة وشروط إنتاجها نكون قد أولينا الاهتمام بالبيان والتبيين كما فعل الجاحظ والشافعي وابن جني وغيرهم من عمالقة اللغة والبيان.
والجاحظ ـ بالذات ـ لم يكن مهتماً بفهم كلام العرب وحسب، بل كان مهتماً بـ (الإفهام)، إي إفهام السامع واقناعه وإلزام المجادل بحدوده. ومن هنا فالرسالة الكلامية التي تكون عادة بين مرسل ومستقبل كانت محل اهتمام الجاحظ بمضمونها وشروط إنتاجها، مثلما اهتم أيضاً بالسامع (المستقبل) كعنصر أساسي في العملية البيانية وخاصة في كتابيه (البيان والتبيين)، وقد وضع السامع وأحواله النفسية موضع الاعتبار الكامل، ولهذا لجأ إلى التنويع والترويح عن السامع وشده إليه، فالبيان عنده فن في القول له شروطه فلا بدَّ من الإرسال الجيد أولاً للوصول إلى الاستجابة المطلوبة ثانياً.
أهم شروط إنتاج الخطاب البياني أو الرسالة الكلامية عند الجاحظ
أولاً ـ البيان وطلاقة اللسان
ينطلق الجاحظ في كتابه ومنذ البداية من ذمه للـ (الحبسة) الكلامية و(عقدة اللسان) و(السلاطة والهذر)، وكأنه يريد أن يعرّف البيان بما ليس فيه وفقاً للمثل القائل: (وبضدها تتميز الأشياء)، فهو يربط منذ البداية بين البيان وطلاقة اللسان، وقد جاء في القرآن الكريم في الموضع حيث ورد على لسان موسى عليه السلام عندما بعثه سبحانه وتعالى إلى فرعون لإبلاغ الرسالة والإبانة عن حجته والإفصاح عن أدلته هذا الدعاء: {ربِّ اشرح لي صدري ويسّر أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي}. وهكذا تتضح العلاقة جلية بين البيان وسلامة اللسان والقدرة على الفهم والإفهام، فكلما كان اللسان أبين وأنصع كان أحسن وأفضل.
ثانياً ـ البيان وحسن اختيار الألفاظ
كما يتوقف البيان على سلامة النطق وطلاقة اللسان، يتوقف كذلك على جزالة اللفظ وحسن اختياره حتى يكون مناسباً للمقام مع تجنب الجمع بين الألفاظ المتنافرة حروفاً كانت أم كلمات. وفيما يتعلق بضرورة مراعاة التجانس بين أصوات الكلمة الواحدة وحروفها وبين الألفاظ في الوحدة الكلامية كالجملة من النثر والبيت من الشعر فإن الجاحظ يستشهد بعدة أقوال منها قول الأصمعي: (من ألفاظ العرب ألفاظ تتنافر لكونه بعض ألفاظه يتبرأ من بعض).
وهذا التباين والتنافر في الألفاظ مرجعه إلى الجمع بين حروف وأصوات تفسد البيان ولا يوجد بينها انسجام، ومن ذلك (الجيم مثلاً لا تقارب ولا تجانس الضاد والقاف والطاء والغين لا بتقديم ولا بتأخير) وكذلك (حرف الزاي لا يجانس الظاء والسين والضاد والذال لا بتقديم ولا تأخير).
وهكذا، فكما يتوقف البيان على سلامة الجهاز الصوتي من الآفات الفيزيولوجية التي تفسد النطق أو تعرقله، كذلك يتوقف على خلو الكلام من العيوب الراجعة إلى الجمع بين الحروف والأصوات غير المتجانسة وغير المنسجمة إضافة إلى ضرورة مراعاة مبدأ (لكل مقام مقال) والذي يقضي باختيار اللفظ المناسب للمعنى المطلوب والمنسجم مع السياق العام.
ثالثاً ـ البيان وكشف المعنى
لقد حلل الجاحظ العملية البيانية إلى مستويين متكاملين: (مستوى الألفاظ) و(مستوى الحروف)، والآن ينتقل إلى مستوى آخر وهو (مستوى الدلالة)؛ أي دلالة اللفظ على المعنى، ليلاحظ أن المعاني القائمة في صدور الناس مستورة خفية والذي يظهرها هو إخبارهم عنها بالكلام واستعماله لها وحسب (صواب الإشارة ودقة المدخل وحسن الاختيار يكون إظهار المعنى) على حد تعبير الجاحظ نفسه في البيان والتبيين، الجزء الأول، ص 55.
وهكذا، يبرز في تعريف الجاحظ للبيان وشروط إنتاجه أنه طلاقة اللسان وجزالة الألفاظ، والعملية البيانية تبدأ بالنطق ـ أي (الإرسال) ـ وهي تتوقف إلى حد كبير على جودة وسلامة هذا الإرسال من حيث الحروف والألفاظ والمعاني. فهو إذن عند (أبي عثمان = الجاحظ) ليس مجرد الفصاحة وجزالة الألفاظ بل أيضاً الكشف عن المعنى، والألفاظ بدون معان تبقى مهملة ولا توصف بالفصاحة. وذلك مثلما أن المعاني بدون ألفاظ تبقى محجوبة ومكنونة، ولكن أبا عثمان يرى أن تلقي المعاني ممكن بدون ألفاظ وعن طريق (الإشارة) أو غيرها، ورأى أن البيان يحصل سواء باللفظ أم بغيره، ويحصر الجاحظ وجوه البيان في خمسة هي: اللفظ ثم الإشارة ثم العقد ثم الخط ثم الحال.
والبيان باللفظ معروف، أما بالإشارة فيكون باليد أو الرأس، أو العينين أو الحاجب والثوب. والإشارة حسب قوله قد ترافق اللفظ وتساعده، وقد تقوم مقامه. والبيان بالخط هو الكتابة، أما البيان بالعقد أي بالحساب ولا تخفى أهميته على أحد فلولا الحساب لما استطاع الإنسان تقسيم الزمان إلى سنين وشهور وأيام ولا عرف كيف ينظم تجارته وأعماله. وأما طريقة الحال في البيان فهي طريقة الفهم عن طريق الاعتبار والنظر.
رابعاً ـ البيان والبلاغة
أي التوافق بين اللفظ والمعنى فهو يرى أن أي طريقة للتعبير عن الفكرة تعتبر مكوناً أساسياً من مكونات العملية البيانية وجزءاً رئيساً مؤثراً في منطقها الداخلي وجانبها الاستدلالي.
خامساً ـ البيان سلطة
كان أبو عثمان متكلماً إضافة لكونه أديباً وناقداً فهو يريد من الكلام أن يمارس تأثيراً وسلطة على السامع، وهنا ينظر إليه من زاوية وظيفته وهي القدرة على إظهار الغوامض من خلال استخدام الصنعة اللفظية والحجة المقنعة مع عدم الإثقال على السامع فهذه هي سلطة المتكلم على المتلقي والتي لا تقل تأثيراً عن سلطة الحاكم على المحكوم.
وهكذا نرى أن الوعي بأهمية وخصوصية البيان قد تتطورت كثيراً، ونحن قد بيّنا شروط إنتاج الخطاب البياني في الحقل المعرفي ليكون هناك تفاعل وتكامل بين البيان والبرهان، ومنهج ورؤية متواضعة مؤسِّسة للبنية المعرفية البيانية محققة للتوازن بين اللفظ والمعنى وشروط التواصل الصحيح كافة ومراتب الكلام السليم والفصيح جميعها إغناء للفكر وتحقيق للبيان.
المرجع المستفاد منه:
بنية العقل العربي، للمفكر محمد عابد الجابري.
الجنسية: سوري
الوظيفة:اختصاصي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
الحالة الاجتماعية:متزوج ويعول أربعة أبناء.
المؤهلات العلمية:
- حاصل على درجة الدراسات العليا في الفلسفة من جامعة دمشق بتقدير جيد جداً عام 1979.
- حاصل على درجة الليسانس في الدراسات الفلسفية والاجتماعية بتقدير جيد جداً من جامعة دمشق عام 1975.
- حاصل على دبلوم دار المعلمين من دمشق عام 1972.
- حاصل على دورة عملية في طريقة اللفظ المنغم من بروكسل في بلجيكا.
الخبرات العملية:
- أخصائي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مدرس من خارج الملاك بجامعة الإمارات العربية المتحدة بالعين.
- عضو بالاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم منذ عام 1980.
- أخصائي نطق في اتحاد جمعيات الصم بدمشق.
- مشرف على مركز حتا للمعوقين بدولة الإمارات العربية المتحدة عامي 2001 و 2002.
المشاركات والدورات:
- عضو مشارك بالندوة العلمية الرابعة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1994.
- عضو مشارك بالندوة العلمية السادسة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1998.
- مشارك في المؤتمرين السادس والثامن للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم 1991 و 1999.
- مشارك في ورشة توحيد لغة الإشارة بدبي عام 1998.
- مشارك في تنظيم وتخريج عدد من دورات المدرسين والمدرسات الجدد في مدرسة الأمل للصم.
- عضو مشارك في الندوة العلمية التربوية بمؤسسة راشد بن حميد بعجمان عام 2002.
- مشارك في عدد من المحاضرات التربوية والتخصصية.
- كاتب في مجلة المنال التي تصدرها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو مشارك في مؤتمر التأهيل الشامل بالمملكة العربية السعودية.
- عضو مشارك في الندوة العلمية الثامنة في الدوحة بقطر.