أصدرت إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم بوزارة تنمية المجتمع، مجموعة قصصية لأطفال من أصحاب الهمم من تأليف روحي عبدات الاختصاصي النفسي التربوي بالإدارة، وتمثل هذه المجموعة المكونة من (20) قصة، حكايات واقعية عن أطفال من أصحاب الهمم الملتحقين بمراكز التأهيل التابعة لوزارة تنمية المجتمع.
(المنال) وبالتنسيق مع الكاتب تقوم تباعاً بنشر هذه القصص على صفحاتها، وقد نشرت في العدد السابق قصتين هما: ضحكة تعلو الكرسي المتحرك، وفيصل الابتسامة التي لا تغيب، وننشر في هذا العدد 3 قصص هي: رحلة مستمرة في تطوير الذات، رائحة الإبداع في الهوية الوطنية وأنامل منهمكة وذوق رفيع.
رحلة مستمرة في تطوير الذات
ما يُميز عمار هو بشاشته التي يستقبل بها كل من رآه، يتكلم وجهه الباسم قبل أن تسمع صوته، هذا الانطباع الإيجابي الذي ترسمه ملامح عمار من الوهلة الأولى، كله منعكس على حياته الشخصية والعملية، فهو في البيت والحي المجاور التلميذ المؤدب المثالي ذو الأخلاق العالية، وهو في عمله أيضاً الموظف الملتزم بأداء واجباته اليومية، الذي يحافظ على أوقات الدوام، فقلَّما تجده متأخراً عن عمله، بل دائماً مؤدياً للمهام المكلف بها من مسؤوليهِ في مصنع الإسمنت برأس الخيمة.
هذا ما أكده أيضاً كل من عايش عمار في مركز رأس الخيمة لتأهيل أصحاب الهمم، من معلماتٍ ومشرفات بعد سنوات من التدريب الدؤوب في ورش التأهيل المهني قبل أن يتخرج من المركز، هذه السنوات أثبت فيها عمار نفسه، متغلباً على كل العقبات، مُصراً على أنه قادر على العمل، وعلى المشاركة والعطاء، هذا الإصرار الذي ترجمه عمار عبر ثلاث سنوات متواصلة من التدريب الخارجي في مؤسسات المجتمع المحلي والقطاع الخاص، مما أهَّلهُ لتولي مهام العمل الجديد.
يتلخص روتين عمار اليومي في الذهاب إلى العمل في وقت مبكر، ثم العودة إلى البيت والجلوس مع عائلته لتبادل الأحاديث والمشاركة في شؤون المنزل، بل وتحمُّل بعض المهام والمسؤوليات البسيطة في البيت، محافظاً على ارتياد المسجد المجاور لأداء صلاة الجماعةً، عدا عن قضاء وقت جميل مع العائلة والأصدقاء في أيام الإجازة.
أما طموحه، فهو لا يختلف كثيراً عن أي شاب في أوائل العشرينات من عمره، فالزواج والحياة العائلية الكريمة، هي من ضمن خططه المستقبلية التي يتطلع لها، والعمل المستقر الذي يضمن له حياة كريمة تلبي احتياجاته وأسرته، بل إن طموحه وتطلُّعه نحو الأفضل هما السبب في حرصه على تطوير ذاته لتولي مهام عمل جديدة أكثر تحدياً، لمَ لا، وهو يشعر أنه قادر على القيام بمهام أكثر من مجرد استقبال المراجعين، أو تصوير الأوراق وتوزيع المراسلات، لذلك فهو يسعى إلى تطوير مهاراته في الحاسب الآلي على أمل أن يكتشف ذاته في مهنة أفضل، ويوظف قدراته إلى أبعد قدر ممكن.
رائحة الإبداع في الهوية الوطنية
في ورشة التغذية بمركز رأس الخيمة لتأهيل أصحاب الهمم تجدها منهمكة بإعداد المنتجات المصنوعة من التمور بأنواعها المختلفة، تتذكر المكونات وتبحث عنها في أماكنها المخصصة لتخلطها كلاً بمقداره المحسوب، تُداعب أناملها المقاديرَ بمهارة بالغة، قبل أن تُخرجها إلى شكلها النهائي مغلفاً بعلبة جميلة، أضافت عليها بعض الإكسسوارات التي زادتها جاذبية ولباقة.
فاطمة ابنة الرابعة والعشرين من العمر، تحظى بقبول واسع بين زميلاتها ومعلماتها، هي قليلة الكلام لكنها كثيرة العمل، بمثابرتها على أداء المهام الموكلة إليها، بل والمبادرة إلى عمل المزيد، تختبئ خلف يديها البارعتين دافعية كبيرة للعمل والانتاج وإثبات الذات.
تستمر قدرات فاطمة بالظهور كلما سنحت لها الفرصة، لتمتد خارج أروقة المركز، عبر مشاركتها في الكثير من الأنشطة الرياضية والفنية واليدوية في مناسبات عدة أثارت إعجاب المحيطين، مؤكدة أن النظرة المتفائلة للقدرات من شأنها أن تصقلها وتطورها إلى أن تصل أهدافاً لم تكن بالحسبان.
وعلى الجانب الأسري من حياة فاطمة، تتجلى صورة أخرى من صور الابداع والتعاون، حين نجدها مشاركة في أعمال المنزل، معتمدة على ذاتها، مرتّبة ومنظمة في روتين حياتها اليومي، هذا الشكل من التنظيم هو الذي قاد الأسرة نحو التفكير في مشروع صغير لفاطمة يتم تدريبها على إدارته، بحيث يضمن لها توظيف مهاراتها وإدارة شؤون حياتها اليومية، ويُدرُّ لها دخلاً يُشعرها بالرضا الذاتي والاستقلالية.
في ورش التأهيل المهني للإناث تكاد تشم رائحة البخور المتصاعدة من المداخن التي أبدعتها أيادي الطالبات، وتتذوق أشكالاً من الحلويات المصنوعة من التمور، تتخيل نفسك في سوقٍ للتحف اليدوية والمنتجات التراثية التي تُضفي على المكان هويته الوطنية الاماراتية. فإذا سبق أن تذوقت “الرُّدينة” أو غيرها من المأكولات التراثية اللذيذة في مركز رأس الخيمة، فكن على يقين أنها من براعة فاطمة وزميلاتها في ورش التأهيل المهني.
أنامل منهمكة وذوق رفيع
تتنقل عائشة من ورشة إلى أخرى، فتارة تراها في ورشة التغذية، أو تراها منهمكة ببعض الأعمال في ورشة الأشغال اليدوية تارة أخرى، ليس لأنها تملُّ من البقاء في ورشة ما، ولكن هذه هي مطالب مدرباتها في الورش، اللواتي لمسن قدرات عائشة في فهم وإدراك المهام الموكولة لها، وحبها للعمل، بل وإتقانها بعض الأعمال في الورش بأقل قدر ممكن من التعليمات.
أمور كثيرة هي التي تُميز عائشة والتي لفتت إعجاب معلماتها بها، ومن أهمها تعاملها اللطيف مع زميلاتها وقدرتها على نسج علاقات اجتماعية مع المحيط بسهولة بالغة، إضافة إلى دافعيتها للاستفادة، ورغبتها في تعميم ما تعلَّمته في أماكن أخرى، لذلك يتم الاعتماد عليها دوماً في التسويق للمنتجات من خلال المعارض الخارجية، التي يشارك فيها المركز مع المدارس ومنافذ العرض الأخرى.
تُدرك عائشة مهارات عرض المنتج والتسويق له باحتراف، فهي المبادِرة إلى جذب انتباه الزائرين، ودعوتهم للاطلاع على منتجات قسم التأهيل، حين تبادرهم بابتسامة هادئة وترحب بهم، مما يجعلهم منجذبين لشرحها عن هذه المنتجات، مُصغين إليها وهي تحاول إقناعهم بجودة منتجاتها، وبالفعل؛ فلهذه المهارات تأثيرها بالزوار مما يرفع من إيرادات المبيعات. هذه المهارات التواصلية والاجتماعية هي جزء من البرنامج التأهيلي في المركز، حيث تكلَّف عائشة باستقبال الضيوف عند الاجتماعات والأنشطة والترحيب بهم، بل وتوجيههم نحو المكان المستهدف، بكل لباقة.
التغيير هو رغبتها الجامحة، فلطالما قدَّمت الكثير من المقترحات لتطوير منتجات القسم، تراها تصنع المنتج عدة مرات، إلا أنك تتفاجأ بالإضافات واللمسات الجديدة التي تضفيها عليه كل مرة، وهو ما ينمُّ عن ذوق رائع في الشكل والمضمون، ينسجم مع توجُّهات المشترين، وخياراتهم التي تسمعها منهم عائشة في المعارض.
ورش التأهيل ليست هي المكان الوحيد الذي ترى فيه عائشة، فقد تراها متنقلة بين أقسام المركز، تحمل بعض المراسلات لإيصالها إلى وُجهتها، وذلك نتاج حبها للمساعدة التي لمَستها معلماتها، مما يجعلها أكثر الطالبات المؤهلات لممارسة هذه المهام.
وكما أن لكلٍ شخص طُموح، فعائشة أيضاً لها طموحاتها الخاصة، التي تنسجم مع فِطرتها نحو مزيد من التمكين والاستقلال، فهي توّاقة لأن يكون لها مشروعها الخاص الذي تُديره وتُشرف عليه، بما يحقق لها من تطوير للذات ومشاركة مجتمعية، ترى هذا الأفق متحفزاً في عينيها التواقتين نحو مستقبل أفضل يليق بها وزميلاتها في قسم التأهيل المهني.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011