أصدرت إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم بوزارة تنمية المجتمع، مجموعة قصصية لأطفال من أصحاب الهمم من تأليف روحي عبدات الاختصاصي النفسي التربوي بالإدارة، وتمثل هذه المجموعة المكونة من (20) قصة، حكايات واقعية عن أطفال من أصحاب الهمم الملتحقين بمراكز التأهيل التابعة لوزارة تنمية المجتمع.
والهدف من هذه القصص ـ كما تقول الأستاذة وفاء حمد بن سليمان مدير إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم في الوزارة ـ هو تسليط مزيد من الضوء على الحياة النفسية والاجتماعية التي يعيشها أصحاب الهمم سواء في مراكز التأهيل أو حياتهم اليومية، وما يطرأ على حالهم من تغيرات من جراء عمليات التأهيل التي يتلقونها في المراكز وانعكاساتها على حياتهم المستقبلية، مضيفةً أنه من أهداف الإدارة بناء اتجاهات مجتمعية إيجابية عن الإعاقة وإيصال قصص الأطفال أصحاب الهمم إلى المجتمع بطريقة مناسبة، وأن يعيش القارئ رحلة الحياة اليومية المحفوفة بالتحديات التي يعيشها أصحاب الهمم وأسرهم، وأن أهم ما يميز هذه القصص هي إبرازها للنجاحات التي حققها الأطفال في مسيرتهم التعليمية والحياتية ودخول بعضهم عالم العمل.
وقد حرص الكاتب على إبراز أصحاب الهمم وقدراتهم وميولهم من عدة جوانب، فمن الناحية التعليمية تصور هذه القصص واقع الحياة التعليمية التي يعيشها أصحاب الهمم بين أقرانهم وفصولهم التعليمية، والخدمات العلاجية المقدمة لهم، وعلاقتهم مع معلماتهم والأنشطة التي يمارسونها داخل مراكز أصحاب الهمم وخارجها. وكذلك من ناحية قدراتهم النمائية التي تتطور يوماً بعد يوماً ورصد المهارات التي يكتسبونها بفعل الخدمات العلاجية المساندة، وتطور قدراتهم على الكلام والتواصل الشفوي مع الآخرين، ومهاراتهم الحركية في التنقل والاستقلالية.
وتطرقت القصص إلى دور المعلمات والمختصين في تحقيق الأهداف العلاجية والتربوية المنشودة، حينما تتوفر لديهم القناعة والثقة بقدرات هؤلاء الأطفال، وصبرهم وإصرارهم على إحداث تقدم ملموس في حياة هؤلاء الأطفال، والأثر الذي يحدثونه نتيجة تقدم مهارات الأطفال.
ومن جانب آخر تبرز القصص مدى العلاقة القوية بين التقدم الحاصل عند هؤلاء الأطفال وبين تعاون أسرهم مع مراكز التأهيل، وحرص الأسر على المتابعات اليومية سواء في نطاق المركز أو الأسرة والبيئة المحلية، وأن حصاد الكثير من المسابقات والجوائز التي حققها الأطفال كانت نتيجة جهود أسر متفهمة ومشجعة لأبنائها ومشاركة في عملية التأهيل.
وأوضحت ابن سليمان، أنه على الرغم من التطور الذي يحققه الأطفال في المراكز نتيجة التأهيل والتعاون بين المعلمات والأسر، إلا أننا كثيراً ما نغفل العامل النفسي والانفعالي الذي يعيشه الأطفال وأسرهم خلال مراحل التأهيل.
(المنال) وبالتنسيق مع الكاتب سوف تقوم تباعاً بنشر هذه القصص على صفحاتها.
ضحكة تعلو الكرسي المتحرك
سارة طفلة هادئة يغلب عليها طابع الصمت، إلا أن تعابير وجهها تتكلم، تتصفح الوجوه والمكان من حولها باهتمام وهي تجلس على كرسيها المتحرك، تمسح عيناها المكان في لمحة سريعة وكأنها تبحث عن شيء ما، ثم تعيد النظر في وجوه زملائها في الفصل، ومن تحت نظارتها الملونة الصغيرة يقع مرمى بصرها على معلمتها، فتبدأ بتوزيع ابتسامتها على كل من بالفصل، ليتلاشى احساسها بالوحدة وتدرك أنها في المكان الذي تحب.
على الرغم أن سارة لا تعبِّر عما بداخلها بشكل مفهوم للجميع، إلا أن لديها طريقتها الخاصة في التواصل عوضاً عن الكلام، فهي تشير تارة إلى ما تريد، وتصرخ تارة أخرى، فتعرف معلمتها حاجتها التي تريد من أجل تلبيتها لها، فتبادلها الطفلة الوادعة تنهيدة عميقة، كتعبير عفوي عن ارتياحها لما وصلت إليه.
وكغيرها من الطلبة، تنتابها مشاعر مختلفة، فهي تفرح وتحزن، وتتحمس لفعل شيء ما، وينتابها الملل في بعض المواقف أيضاً، لذلك؛ تنظر إلى باب الفصل، ثم تلتفت إلى معلمتها، وكأنها تستأذنها للخروج، وعندما تلمح ابتسامة معلمتها وموافقتها لها، تُحرك عجلات كرسيها نحو الباب الذي يعتبر منفسها للتغير وكسر الروتين، تدفع عجلاته بكل ما تمتلك من عزم، وبكل ما تحمل عيناها من إصرار، لتأخذ جولة في القسم، وكأنها تتفقد زملاءها في الفصول الأخرى، وكلما مَرَّت على أحد الفصول ألقت نظرة بداخله وابتسمت، إنها تعرف طريقها عبر الممر الممتد على طول القسم، تشعر من خلاله بالحياة والرغبة في الانطلاق إلى هدف تحبه.
تذهب إلى قاعة التلفاز، تتابع عيناها رسوماً تتراقص هنا وهناك، تبدي فرحتها بحركات رأسها عندما تسمع أنشودة أو موسيقى تطربها، تبتسم للتلفاز وكأنها تريد الحديث مع شخصياته الكرتونية، وعندما لا تحصل على الإجابة التي تريد، يشدها الملل للبحث عن طريق أخرى للترفيه، فتنتقل إلى قاعة أخرى أو إلى صفها من جديد، تضع نفسها في مواجهة مع المرآة المعلقة على الحائط، تتفحص نفسها، نظارتها الجميلة، شعرها المنسدل، كرسيها الذي سيطرت على تحركاته، تلتفت نحو معلمتها فتفاجئها بالكاميرا مصوبة نحوها، فتهيئ نفسها لصورة جميلة عبر ابتسامة جديدة تلتقطها العدسة بوضوح، يعلو صوت ضحكتها أكثر فأكثر، تضغط على عجلات كرسيها وكأنها تقول: “ها أنا ذا قد تحركت وحدي، أترونني؟؟ أستطيع الوصول إلى المكان الذي أريد..”.
فيصل.. الابتسامة التي لا تغيب
عندما تُطل على ورشة السيراميك في قسم التأهيل المهني بمركز دبي لتأهيل لأصحاب الهمم، ستجد من يستقبلك ويرحب بك، ليس فقط من قِبل معلم الورشة وإنما من أحد طلبتها، ينتابك شعور جميل حينما تسمع عبارات الترحيب باللهجة المحلية الإماراتية التي تمتزج بروح المودة والترحاب، كلمات بسيطة لكنها ذات معانٍ كبيرة هي ما تمكَّن فيصل من إتقانه من مهارات اجتماعية طيلة سنوات، لما تحملُه هذه المهارات من أهمية بالغة في التسويق والترويج لمنتجات القسم، يقدِّم فيصل نفسه بابتسامة عريضة مرسومة على محياه، ومُعرِّفاً بزملائه وبعمله الذي يحب.
يتصرف فيصل في ورشته كأنه مديرها، تساعده في ذلك شخصيته القيادية ومهاراته الاجتماعية، بعد الترحيب بك كضيف في ورشته، يجذبك بمهارة حديثه عن صناعة السيراميك من مواده الأولية، والأدوات التي يستعملها في إنجاز العمل، مضفياً على عباراته نوعاً من المودة واللطف، فيبقى انتباهك مشدوداً نحو ما سيعرضه عليك من نماذج لعمل طلبة القسم.
وأثناء تجوالك في أقسام الورشة، يُريك فيصل المراحل التي تمر بها صناعة لوحات السيراميك خطوة خطوة، حريصاً على ارتداء أدوات السلامة، من نظارة وقفازات، تنطلق يداه بتكسير قطع السيراميك إلى حبات صغيرة ملونة، فيقوم بإلصاقها بدقة في المزهرية، لتتحول هذه الجزيئات فيما بعد إلى شكل إبداعي جميل يتم تسويقه في إحدى المعارض التي ينظمها طلبة القسم.
يتكلم فيصل عن طموحه بالعمل في مهنة تناسب قدراته، فليس مهماً طبيعة العمل وإنما المهم أن يعمل في مهنة يشعر بذاته من خلالها، مهيئاً نفسه للالتزام بالعمل وقوانينه وتعليماته، بل والتطوع في أي مكان في البداية للحصول على مزيد من التدريب وصقل الذات، وإثبات القدرات.
ليس العمل داخل الورشة هو الشيء الوحيد الذي يزاوله فيصل، بل تراه بين يوم وآخر متنقلاً بين الأنشطة التعليمية والتربوية الأخرى كالرياضة والفن وتحفيظ القرآن، ولكل نشاط له نصيب من التميز والإبداع، حتى الحديقة الجميلة التي تراها من نافذة الورشة، قد حظيت بجزء من اهتمامه، حيث يحرص على ريّها في الوقت المحدد، والعناية بها لتنال إعجاب أعين الزائرين، فيقدم فيصل نفسه من جديد بكل فخر وإعجاب موضحاً أنها حديقته المدللة التي أصبحت جزءاً من حياته المهنية، والتي تمثل له الأمل في الحصول على مهنة، يوظف من خلالها قدراته على العناية بالنباتات وميوله للاهتمام بها.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011