إن تقبل الشخص المعاق واحترام حقوقه لهو السلوك المفتاحي من المجتمع أمام الطاقات الكامنة التي تظهر في ظل الظروف المجتمعية الإيجابية إلا أن رفضه والاستهزاء بقدراته كفيل بإحباط الكثير من المواهب والطاقات الإبداعية
تعتبر الموهبة مجموعة من السمات الكامنة لدى الإنسان والتي تؤهله للقيام بمجموعة من المهارات بمستوى متميز وإبداعي يختلف عن أقرانه، ولهذه الموهبة أبعاد وراثية يكتسبها الشخص عن والديه، إلا أن للجانب البيئي دوراً هاماً جداً في صقل هذه الموهبة وتنميتها والنبش في ثناياها لإخراجها إلى السطح. وعندما نقول الشخص نقصد به المعاق وغير المعاق، فهو يمتلك الموهبة والقدرات الإبداعية الكامنة بغض النظر عن جوانب القصور في قدراته الجسدية أو الحسية
لا شك أن هناك علاقة قوية بين الإبداع والإعاقة، حيث أن ردة فعل الشخص المعاق نحو إعاقته تكون على شكل إحدى احتمالين:
الأول إما أن يأخذ بالتقوقع على الذات والهروب من المجتمع، واليأس، وبذلك تكون قد انتصرت الإعاقة عليه، وجعلته سلبياً لا حيلة له، غير قادر على اكتشاف الذات والتعرف على القدرات.
والاحتمال الثاني أن يأخذ بالانطلاق نحو المجتمع والآخرين، تعبيراً عن عدم الاستسلام ومقاومة الإعاقة ومن ثم الانتصار عليها، حيث يبدأ باكتشاف الذات والقدرات التي يمتلكها وتنميتها، لتخرج على شكل إبداعي ينافس فيه الآخرين من أفراد المجتمع، وبذلك تكون قد شكلت له إعاقته دافعاً قوياً لإثبات الذات أمام الآخرين، وكأن لسان حاله يريد أن يقول: أنا هنا، موجود ولي قدرات وأستطيع المشاركة بعملية التنمية لمجتمعي، وأريد أن تكون لي بصماتي الواضحة في مختلف المجالات أسوة بالآخرين.
ولا يعني ذلك بالضرورة أن يكون كل معاق مبدعاً، بل إن الأشخاص المعاقين كسائر البشر تتراوح قدراتهم وفق التوزيع الطبيعي العام، وليس من المفيد تسويق المعاقين للمجتمع على الدوام بأنهم أناس موهوبون بالمطلق، ومختلفون، تسكنهم طاقات إبداعية صنعتها إعاقاتهم، لأننا بذلك قد ندخل في الخلط الذي كان سائداً في العصور السابقة عن المعاقين بوصفهم كائنات أسطورية غريبة الأطوار، وأبعد ما تكون عن سمات الطبيعة البشرية.
فالمعاق ليس شخصاً خارقاً (سوبر) في كل الأحوال، إلا أن الإعاقة والظروف التي عايشها قد تجعل منه في بعض الأحيان شخصاً قوياً قادراً على التحدي، وبالتالي تعويض النقص الجسدي أو الحسي على شكل مهارات أخرى فنية أو رياضية أو أدبية أو قيادية.
ومن أجل اكتشاف الموهبة عند المعاقين والتعرف عليها، والتي قد تكون أصعب من اكتشافها عند الأشخاص غير المعاقين، فإنه لا بد من تعريضهم للكثير من الخبرات وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن الذات في شتى المجالات الرياضية والفنية والأدبية، وملاحظة أي المجالات يبدعون فيها أكثر من أجل صقلها وتنميتها، مع أن بدايات ظهور الموهبة قد تكون عبارة عن مجرد أفكار عشوائية سخيفة قد لا تلاقي استحساناً من الآخرين، الأمر الذي قد يعرضها وأصحابها للإستهزاء وبالتالي تدفن في مهدها ولا تظهر على السطح، وهو الأمر الذي يتطلب الصبر على الشخص المعاق حتى تتبلور إبداعاته بشكل يكون فيه قادراً على المنافسة مع الآخرين.
وللوالدين دور كبير في الحفاظ على هذه الإبداعات وتنميتها، والاعتراف بأن الإبداع قد يكون في مجال واحد فقط أو أكثر وبالتالي فإن تحميل الطفل المعاق ما لا يحتمل وبناء توقعات عالية عليه، قد يؤدي إلى إحباطه، ناهيك عن أن الكمال غير موجود في الطبيعة البشرية التي لا بد أن تخطئ عدة مرات قبل أن تصيب وتتعلم من أخطائها، وتصل إلى مستوى العمل الإبداعي المتميز الذي تمخضت عنه التجربة والمحاولات المتعددة.
ومن أجل ضمان سير الإبداع عند الطفل المعاق بشكل متسلسل نحو القمة، لا بد من التعزيز المتواصل للأعمال الإبداعية مهما كانت قيمتها، وعرضها بصورتها الإيجابية على الآخرين، وإبداء الاهتمام بها، ويأتي ذلك عن طريق تبني هذه الأعمال من قبل المؤسسات الثقافية والتعليمية واحتضان المبدعين من المعاقين، حيث ينعكس هذا الاحتضان أولاً على المعاق نفسه، ويعطيه دافعاً قوياً نحو الاستمرار، وكذلك على المعاقين الآخرين الذين يتخذون زميلهم كنموذج إبداعي يحتذى به ويمكن الوصول إلى مستواه، وشطب المستحيل من قاموس الإعاقة التي تتحدى كل الإمكانات.
إن تقبل الشخص المعاق واحترام حقوقه، لهو السلوك المفتاحي من المجتمع أمام الطاقات الكامنة التي تظهر في ظل الظروف المجتمعية الإيجابية، إلا أن رفض المعاق والاستهزاء بقدراته لهو كفيل بإحباط الكثير من المواهب والطاقات الإبداعية، فدمج المعاق في مختلف مجالات المجتمع لهو كفيل بتفجر هذه الطاقات.
ويدور جدال في الأوساط التربوية حول مدى العلاقة بين أنواع الإعاقة وأشكال الإبداع، فالمعاقون سمعياً قد يميل عملهم الإبداعي نحو الجوانب التي تعتمد على الذاكرة البصرية نظراً لبراعتهم فيها، وبالتالي نرى براعتهم الفنية في الرسم والنحت والعمل على الحساب الآلي، وكل ما يدل على دقة الملاحظة والتمييز البصري، فيما يميل المعاقون بصرياً إلى الأعمال الإبداعية التي تعتمد على الطلاقة اللغوية، والكتابة والأدب، والخطابة، نظراً لأن حاجتهم وتدريبهم اليومي قد عزز من ذاكرتهم السمعية وحسهم الموسيقي، ودقة ملاحظتهم السمعية لنغمات الصوت ودرجاته، إلا أن الأمر لا يعني بالضرورة وفي كل الحالات أن نحصر إعاقات معينة في إبداعات معينة دون غيرها، فقد تنتصر قوة الإرادة والموهبة على القدرات الجسدية أو الحسية، لدرجة تبحث فيها الموهبة عن وسيلة تعويضية للتعبير عن إبداعاتها وبشتى السبل، فنرى المعاق مبتور اليدين الذي يعزف أو يرسم برجليه، عندما اختار الرجلين كوسيلة بديلة للتعبير عن موهبته الإبداعية التي كانت أقوى من كل القدرات الجسدية.
وفي النهاية فإن الإعاقة إذا ما سكنتها الموهبة، فإن التعبير عنها أمر لا تحده حدود ولا توقفه قدرات جسدية أو حسية، وذلك لا يتأتى إلا باحتضان هذه الموهبة وتشجيعها أولاً من قبل الأسرة، ومن ثم من قبل المؤسسات المجتمعية والتربوية والمجتمع بشكل عام عن طريق احتضانها وتبنيها، وهو أحد أهم أشكال الدمج المجتمعي للمعاقين.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011