مبادرة هيئة الشارقة للمتاحف لتسليط الضوء على أفضل الممارسات الفنية والثقافية للأشخاص ذوي الإعاقات في دول الخليج ومنطقتنا العربية خطوة حضارية تستحق الإشادة والدعم وقد أتت متسقة ومنسجمة مع المناخ الإيجابي الذي شهدته وتشهده دولة الإمارات العربية المتحدة خصوصاً بعد صدور القانون رقم 29 بشأن حقوق الأشخاص المعاقين والمصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الملحق بها وكل المبادرات والسياسات التي وضعت أهداف تمكين ودمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع ضمن استراتيجيتنا الوطنية الشاملة بما يكفل حق الأشخاص ذوي الإعاقة في ممارسة ومباشرة جميع جوانب حياتهم الفنية والثقافية والإبداعية أسوة بباقي فئات المجتمع من غير ذوي الإعاقة.
والجميل في هذه المبادرة أنها ليست طارئة أو غريبة عن مجتمعاتنا وليست إعلاناً لحسن النوايا أو رفعاً لسقف التوقعات في وقت يتسابق فيه الجميع لتقديم أفضل ما يستطيع للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يستحقون كل دعم ومساندة نظراً للتاريخ الطويل من التجاهل والإهمال الذي ميز العلاقة معهم قبل عقود خلت..
إن المتتبع لهذا النوع الفريد من الإبداع ـ سواء في صدق دوافعه ورهافة من يبدعونه، أو في غنى تجلياته ومخرجاته ـ يستطيع أن يلمس مدى عمق معانيه وجمالياته الفنية.. باعتبار أن الإبداع الذي يصدر عن صدق ومعاناة دون زيف أو تصنع قادر أكثر على ملامسة مشاعر المتلقي وتحريك مكامن الجمال والإحساس لديه ومن ثم إيصال الرسالة وإحداث التغيير المطلوب.
لقد كانت لنا في إمارة الشارقة تجارب تستحق التوقف عندها لأفضل الممارسات الفنية والثقافية والإبداعية أذكر منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ إقامة معرض لفنانين تشكيليين ومثّالين من ذوي الإعاقة في بينالي الشارقة الأول سنة 1993 وإنشاء جماعة الإمارات للفن الخاص سنة 1995 وجماعة الإبداع الفني سنة 2010 وما تلاهما من جمع خلاق تم في مارس 2016 بدمج هاتين الجماعتين في مركز الفن للجميع (فلج) الذي يهدف إلى تمكين المبدعين من ذوي الإعاقة وتبني المشاريع الإبداعية وتحقيق تنمية ثقافية مستدامة تتيح فرص حقيقة لدمجهم في الحراك الفني والثقافي داخل الدولة ومحيطها الإقليمي والدولي.
هذا بالإضافة إلى سلسلة ملتقيات المنال التي واظبنا على تنظيمها احتفالاً بدخول مجلة المنال التي صدر أول عدد منها في مايو 1987 عامها الجديد وحرصنا من خلالها على تسليط الضوء على إسهامات الأشخاص ذوي الإعاقة وإبداعاتهم في الحياة الثقافية والأدبية والفنية ومكانتهم في مجالات أخرى كالتلفزيون والسينما والمسرح والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المجالات الثقافية.
إنني إذ أتمنى النجاح لهذه البادرة الجديدة.. وهذا التتبع والرصد غير المسبوق لأفضل الممارسات فإنني آمل أن يكون إصداركم الكتابي الجديد منصة ينطلق من خلالها الفنانون والمبدعون والمثقفون من الأشخاص ذوي الإعاقة نحو المزيد من التعارف وتبادل الأفكار والتجارب.. وبالتالي زيادة الوعي والاقتناع بقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة وحقهم في المشاركة في كل نواحي ومجالات الحياة لا كجزء منعزل أو منفصل عنها بل كنوع من الغنى والتكامل بين مكونات المجتمع كله.
وهي مناسبة أغتنمها بسعادة لأشيد فيها بالتعاون والتجاوب الكبير الذي أبدته هيئة الشارقة للمتاحف بتعاونها المشهود مع مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في إطار مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بيننا وتوفيرها لكل التسهيلات اللازمة في جميع متاحف الشارقة لتيسير وصول الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان حسن استفادتهم من المعلومات.. هذه الممارسة المتقدمة التي آمل أن تحتذي بها جميع مؤسساتنا الفنية والثقافية وجميع معارضنا ومتاحفنا ومكتباتنا ومسارحنا ودور السينما والأماكن السياحية وسائر الأنشطة الثقافية والترويحية لضمان حق الأشخاص ذوي الإعاقة في المشاركة في الحياة الفنية والثقافية على قدم المساواة مع الآخرين وإتاحة الفرصة أمامهم لتنمية قدراتهم وإسهاماتهم بما يخدم مصالحهم ويثري حياة مجتمعاتهم ويغنيها تنوعاً وعطاء.
(*) نشرت الكلمة في مجلة المتاحف في الشرق الأوسط الصادرة عن هيئة الشارقة للمتاحف في ديسمبر 2018.