الصيام لغةً هو الإمساك والامتناع عن الشيء، أما شرعاً فهو التعبد لله تعالى بالإِمساك عن الطعام والشراب والجماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وللصيام فضل عظيم وثواب جزيل مضاعف، فقد أضاف الله الصيام إليه تشريفاً وتعظيماً، ففي الحديث القدسي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائةِ ضِعْفٍ. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصيام، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَـخُلُوفُ [الخلوف: تغير رائحة الفم] فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ». (متفق عليه).
والصيام هو تحقيق تقوى الله في الاستجابة لأمره والانقياد لشرعه، وتعويد النفس على الصبر، وتقوية الإرادة في التغلب على الشهوات، وتعويد الإنسان على الإحسان، والشفقة على المحتاجين والفقراء؛ لأنه إذا ذاق طعم الجوع فإن ذلك يرقق قلبه وشعوره نحو إخوانه المحتاجين وتحقيق راحة الجسم وعافيته في الصيام.
وينقسم الصيام الذي شرعه الله إلى صيام واجب وهو نوعان:
- صيام أوجبه الله ابتداء على العبد، وهو صيام رمضان، وهو ركن من أركان الإسلام، وصيام يكون العبد سبباً في إيجابه على نفسه: كصيام النذر، وصيام الكفارات.
- وصيام مستحب وهو كل صيام استحب الشارع فعله: كصيام الاثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام يوم عاشوراء، وصيام العشر الأوائل من ذي الحجة، وصيام يوم عرفة.
ويقسم الصوم إلى ستة أقسام هي:
الأول ـ فرض عين:
صوم رمضان أداء وقضاء، وصوم المنذور، وفدية الأذى في الإحرام، وجزاء الصيد، وصوم الكفارات بأنواعها مثل كفارة اليمين، والقتل، والظهار، والصيام، وغيرها.
الثاني ـ واجب:
قضاء ما أفسده من نفل، كذا إتمام النفل بعدما شرع فيه؛ لقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم).
وصوم الاعتكاف المنذور، فمن نذر أن يعتكف عشرة أيام وجب عليه أن يصومها، وهو في معتكفه
والاعتكاف: هو المكث في المسجد تقام فيه الجماعة بنية الاعتكاف.
الثالث ـ سنة:
صوم عاشوراء: (اليوم العاشر من محرم)، ويسن أن يصوم معه التاسع أو الحادي عشر.
الرابع ـ المندوب:
وهو كل صيام وعد على فعله بثواب.
أ – صوم ثلاثة أيام من كل شهر
ويندب: أن تكون الأيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر؛ سميت بذلك لتكامل ضوء الهلال، وشدة البياض.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام)، وقال صلى الله عليه وسلم: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر، صوم الشهر كله).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (بلغني أنك تصوم النهار، وتقوم الليل فلا تفعل؛ فإن لجسدك عليك حقاً، ولعينيك عليك حقاً وإن لزوجتك عليك حقاً، صم وأفطر صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر). قلت يا رسول الله: إن لي قوة، قال: (فصم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً) فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة. لأن صوم ثلاثة أيام من كل شهر كصوم الدهر كله. قال تعالى في كتابه الحكيم: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).
ب – صوم الاثنين والخميس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصوم الاثنين والخميس، فقيل يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس، فقال: (إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم، إلا مهتجرين، يقول دعهما حتى يصطلحا).
ج – صوم ست من شوال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
د – الصيام في شعبان:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم، حتى نقول: لا يفطر. ويفطر، حتى نقول: لا يصوم. وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان).
هـ – صوم يوم وإفطار يوم:
كصوم داود عليه السلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام ثلث الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يفطر يوماً، ويصوم يوماً).
و – صوم يوم عرفة لمن ليس بعرفة.
ز – صوم العشر الأول من ذي الحجة.
الخامس ـ النفل:
هو سوى ما تقدم، ويدخل فيه كل يوم أراد المسلم صيامه، ولم يرد في الشرع نهي عنه.
السادس ـ المكروه:
وهو قسمان:
أ – مكروه تنزيهاً:
- كصوم عاشوراء منفرداً عن التاسع أو الحادي عشر.
- وإفراد صوم يوم الجمعة: لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام؛ إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)، أي مع صوم يوم قبله، أو بعده.
- وإفراد يوم السبت: لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما أفترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة – أي قشر عنبة – أو عود شجرة فليمضغه).
- وإفراد أول يوم من أيام الربيع، وإفراد أول يوم من أيام فصل الخريف، وهذان اليومان عيدان عند الفرس؛ فإن وافقا عادته فلا بأس بصيامهما.
- وصوم الوصال وهو: أن يصل صوم الغد بما قبله من غير أن يتناول مفطراً وذلك إن لم يشق عليه، أو يضعفه.
- وصوم يوم الشك، إن ردد فيه النية بين الفرض أتنفل وهو يوم الثلاثين من شعبان إن غم هلال رمضان؛ إلا أن يوافق عادته، أو يصله بما قبله، أو يصومه نفلاً بدون تردد في النية، فإن ظهر أنه من رمضان أجزأ عن رمضان، بأي نية كانت إلا أن يكون مسافراً، ونواه عن واجب آخر.
- وصوم الدهر إن كان لا يضعفه لأنه يصير طبعاً، ومبنى العبادة على مخالفة العادة.
- وكره صوم يوم أو يومين من آخر شعبان، على قصد أن يكون من رمضان. أما إن صام عن شعبان فلا كراهية.
ب – مكروه تحريماً:
- صوم يومي العيدين: عيد الفطر وعيد النحر؛ للإعراض عن ضيافة الله، ومخالفة الأمر.
- وصوم أيام التشريق – الثاني والثالث والرابع من أيام عيد الأضحى – لورود النهي عنه.
- صوم الوصال: إن شق عليه وأضعفه، لغير النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم الوصال، قالوا: رأيناك تواصل يا رسول الله، فقال: (لست كأحدكم، أبيت عند ربي، يطعمني ويسقيني).
- صوم الدهر: إن كان يضعفه عن الفرائض والواجبات، والكسب الذي لا بد منه؛ فهو مكروه تحريماً، وإلا فتنزيهاً، لأنه يصير عادة له، ومبنى العبادة: على خلاف العادة.
- صوم المسافر إذا أجهده الصوم؛ قال عليه الصلاة والسلام: (صائم رمضان في السفر أي المترتب على صومه ضرر يؤدي إلى الهلاك – كالمفطر في الحضر).
الأعذار المبيحة للفطر
متى يباح الفطر؟
عرفت أن الصوم فرض عين على كل مسلم، بالغ، عاقل، من الرجال والنساء، ولكن الشريعة قد يسرت على من يضره الصوم، أو يشق عليه، فأباحت له الإفطار في حالات متعددة نوضحها فيما يلي:
أ – المرض: لقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً، أو على سفر، فعدة من أيام أخر). خفف الله تعالى على المريض بإباحة الفطر أيام المرض، مع قضائها في أيام الصحة؛ فلو كلف نفسه وصام، صح صومه.
والمراد: المرض الذي يضر مع الصوم، أو يزداد بالصوم، أو يتأخر به الشفاء، أو يحصل بالصوم مشقة شديدة لا تتحمل عادة، فيجوز في جميع ذلك الفطر، ثم القضاء، وكذلك: إذا غلب على ظن الصحيح أنه إذا صام سيحصل له مرض شديد بتجربة، أو إخبار طبيب مسلم، حاذق تقي؛ فيجوز له الفطر أيضاً، وعليه القضاء.
أما ظن الصحيح المبني على ضعف إرادة، وقلة عزيمة، وعظم وهم بأن جسمه لا يحتمل الصوم، وأنه سيحصل له مرض شديد بالصوم، فلا عبرة بظنه. بل عليه أن يصوم وعندما تنهار قوته، ويخشى حدوث مرض، أو هلاك، فهنا يفطر يومه ثم يقضيه.
ب – الزمان: ما يعترض بعض الأفراد من الأمراض المزمنة التي لا يرجى شفاؤها، كداء السل، وغيره، فهؤلاء يفطرون، ويدفعون فدية عن كل يوم نصف صاع من القمح، يعادل في موازين العصر الحاضر في بلادنا بألفي غرام تقريباً، ويجوز أن يستبدل بالقمح الثمن من العملة الدارجة، كما يجوز دفعها لفقير واحد، ومن لم يقدر على الفدية لفقره يستغفر الله تعالى، وذلك كله بشرط دوام المرض إلى الموت، أما إذا شفي فعليه القضاء.
ج – الشيخوخة: وهي العجز الذي يصيب الرجل أو المرأة، بسبب كبر السن، فيعجز عن الصوم إلا بمشقة، فيجوز له الفطر، على أن يدفع عن كل يوم يفطره فدية تعادل نصف صاع من القمح، أو ما يعادل ثمنه من الدراهم كما مر في الزمان، وذلك بشرط دوام العجز إلى الموت.
د – الحمل والإرضاع: الحامل والمرضع إذا خافتا ضرراً على نفسهما، أو على الولد أو على نفسهما والولد، فيجوز لهما الفطر، وعليهما القضاء عند القدرة بدون فدية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن المسافر: الصوم، وشطر الصلاة؛ وعن الحامل والمرضع، الصوم).
هـ – الحيض والنفاس: لا يصح الصوم من حائض ولا نفساء، بل يجب عليهما الفطر، والقضاء بعد انتهاء مدة الحيض والنفاس، وإنما حرم الصوم على الحائض والنفساء لحكم نذكر منها:
أن معظم النساء يصاب بوعكة عامة خلال الطمث – الحيض – وقد تحدث اضطرابات مرضية في مختلف أجهزة البدن، بالإضافة إلى ما تفقده المرأة أثناء الحيض من الدم، الذي يتوقف عليه قوام البدن. فالحائض تكاد أن تكون مريضة، بل هي مريضة في كثير من الأحيان.
أما النفساء: فقد أثقلت بالحمل، وأرهقت بالولادة، وها هي تقوم بحضانة وإرضاع وليدها، مما يتمثله جسمها من غذاء، بالإضافة إلى ما تفقده من الدم، فلا تقل حالتها عن الحائض، بل هي أكثر منها ضعفاً، وأشد حاجة إلى الفطر.
و – السفر: فلا يجب على المسافر أداء رمضان أثناء سفره؛ بل يجوز أن يفطر، ويقضيه بعد السفر، وإن كان الأفضل صيامه إن لم يجد مشقة.
والسفر الذي يباح معه الفطر يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:
أولاً – الشروع بالسفر قبل الفجر فإذا طلع الفجر عليه بعد نيته الصوم، وقبل شروعه بالسفر: فلا يجوز له الفطر ذلك اليوم، وإذا أفطر فعليه القضاء على الأصح.
وإن شرع بالسفر بأن جاوز عمران بلده قبل طلوع الفجر، جاز له أن يفطر ويقضيه.
وإذا حصل له مشقة شديدة في السفر أثناء النهار، أفطر في كل حال.
فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغمم، وصام الناس معه فقيل: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح ماء بعد العصر فشرب، والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم، وصام بعضهم، فبلغه أن أناساً صاموا، فقال: (أولئك العصاة).
ثانياً – السفر المبيح للفطر، هو السفر المبيح لقصر الصلاة، ومقداره (81) كيلو متراً.
ز – بعض الأحكام التي تتعلق بالأعذار المبيحة:
أولاً – المجاهد الذي يكون إزاء العدو، ويغلب على ظنه الضعف عن القتال بالصوم، فيجوز له الفطر، والقضاء.
ثانياً – من حصل له عطش شديد، أو جوع شديد، يخاف منه الهلاك، أو نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواس، وكان ذلك لا بأتعاب نفسه، فيجوز له الفطر والقضاء.
ثالثاً – أصحاب الأعمال الشاقة: كالحصاد، والخباز، والوقاد، ومن يعمل في المنجم، والحداد، وغيرهم ممن يماثلهم بمشقة العمل، وليس لهم عمل غير هذه الأعمال الشاقة ولا يوجد عندهم ما يقوتهم، ويكفيهم في أيام رمضان؛ فإن هؤلاء يبدؤون نهارهم صائمين، ثم إن حصل لهم عطش شديد، أو جوع يخاف منه الضرر، جاز لهم الفطر، فإن تحققوا الضرر وجب الفطر، قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما).
رابعاً – صائم النفل يجوز له الفطر بعذر الضيافة من الصباح حتى الزوال – قرب الظهر وأما بعده فلا يجوز إلا بدعوة أحد أبويه إلى الفطر إن خاف عقوقهما؛ ويجب عليه قضاء اليوم الذي أفطره من أتنفل، ولا يجوز له الفطر من غير عذر، قال تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم).
خامساً – إذا طرأ على المرأة حيض أو ولادة بطل صومها، ووجب عليها أن تفطر لأن الصوم لله والحيض دنس وأذى، (وإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً).
ولا ينبغي للحائض أن تظهر بالفطر أمام صغارها، كيلا يحاروا بأمرها، ويتطبعوا بصورة فطرها؛ فإذا انقطع حيضها أثناء اليوم بعد الفجر، وجب عليها إمساك بقيته حرمة للوقت، ثم قضاؤه وكذا المسافر إذا أقام، والمريض إذا برئ، والمجنون إذا أفاق، والصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، وكل من فسد صومه، ولو بعذر ثم زال العذر، وجب عليه الإمساك بقية اليوم، احتراماً لرمضان.
وعلى من أفطر بالعوارض المتقدمة أن يقضي ما أفطره، بعد زوال العارض. إلا الصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، فلا قضاء عليهم لعدم الخطاب عند طلوع الفجر.
ولا يشترط التتابع في القضاء ولكن المستحب التتابع، وعدم التأخر عن زمان القدرة، مانعة للخير، وبراءة للذمة.
سادساً – من مات قبل زوال العذر لا يجب عليه القضاء بكفارة ما أفطر.
صورة المسألة:
المثال الأول:
رجل مرض في رمضان، فأفطر لعجزه عن الصيام، ثم توفي قبل الشفاء، لا يلزمه شيء.
وإن زال العارض قضى ما قدر على قضائه، وإن لم يقض لزمه القضاء بقدر أيام الصحة وزوال العذر.
المثال الثاني:
رجل كان مسافراً فأفطر في سفره مدة أربعة أيام مثلاً، ثم عاد لبلده مساء أول يوم عيد الفطر، فأقام بعده مدة ثلاثة أيام ثم توفي؛ يوصي بفدية ثلاثة أيام فقط. وإن بقي حياً وجاء رمضان آخر ولم يقض ما عليه، أو لم ينته من قضاؤه، يقدم الأداء على القضاء، ولا فدية بالتأخير، ولو نواه عن القضاء لا يقع إلا عن الأداء.
ويتضح لك من كل ما تقدم أن الله تعالى ما جعل علينا في الدين من حرج وأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها.