(ما التفتّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتلُ دوني)
رسول الله صلى الله عليه وسلم
بفخر الحديث واعتزازه نتابع الحديث حول الصحابية الجليلة أمّ عمارة التي كان لها عظيم استهانة بالجراح، نظير مباركة في الجنة.
وفي ذلك حادثة يرويها لنا ابنها عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: شهدتُ أُحُداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا تفرّق الناس عنه دنوت منه أنا وأمي نذبُّ عنه، فقال: ابن أمّ عمارة؟ قلت: نعم. قال: اِرمِ. فرميت بين يديه رجلاً من المشركين بحجر وهو على فرسٍ فأصبتُ عينَ الفرس فاضطرب الفرس حتّى وقع هو وصاحبه، وجعلتُ أعلوه بالحجارة حتّى نضدتُ عليه منها وقراً، والنبيّ صلى الله عليه وسلم، ينظر يتبسّم، ونظر جرح أمّي على عاتقها، فقال: أمّك أمّك، اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل بيتٍ، مقامُ أمّك خير من مقام فلان وفلان، رحكم الله أهل البيت، ومقام ربيبك ـ يعني زوج أمّه ـ خير من مقام فلان وفلان، رحمكم الله أهل البيت.
قالت: ادعُ الله أن نرافقك في الجنّة.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنّة.
فقالت: ما أُبالي ما أصابني من الدّنيا.
رضي الله عنها، فهي التي قاتلت يوميذٍ وأبلت بلاءً حسناً، وجُرِحَتْ جراحاً عدّة بين طعنةٍ برمح أو ضربةٍ بسيف..
وهي التي شهدت المعارك والمواقع مجاهدة مثبّتة مصبّرة مداوية ساقية فقدت حبيباً ابنها في موقفٍ بطوليٍّ سطّرته السيرة بحروف من نور عندما عرض مُسيلمة لحبيب بن زيد المازني، وظفرَ به، وهو يقول: أتشهد أنَّ محمّداً رسول الله؟ فيقول: نعم! ثمّ يقول: أشهد أنّي رسول الله؟ فيأبى حبيب أن يشهد له، فقتله بتقطيعه عضواً عضواً.
لكن الدّم والأفاعيل لم تهدأ داخل أمّ عمارة، فكانت تكرّ وتفرّ، تثور وتغلي، تريد أن تثأر لحبيبها الذي ما برحت صورته تتمثّل أمامها، وتنتقم من مسيلمة في شخصه، كما سبق وأن ثأرت لابنها عبد الله في رجلٍ أردته قتيلاً في أُحُد، فكما أخذت ثأر ابنها عبد الله بجرحه من رجل في أحد بعد أن أردته قتيلاً.
فخرجت نسيبة مع المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في الرّدّة، فباشرت الحرب بنفسها حتّى شارك ابنها عبد الله بن زيد بن عاصم في قتل مسيلمة الكذّاب، ورجعتْ وبها جراحاتٌ عدّة بين طعنةٍ وضربة.. كما وقطعت يدها، وقد قدمت المدينة وبها الجراحة.
هذا وقد كانت تحتلّ مكانة رفيعة وعالية بين نساء عصرها، وعند خلفاء المؤمنين رضوان الله عليهم. فعندما كان أبو بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ خليفة كان يأتيها ويسأل عنها.
أمّا عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ أُتي بمروط فيها مرط جيّد، فبعث به إلى أمّ عمارة.
أما وهي البطلة المسلمة التي قال فيها سيّد البشريّة صلى الله عليه وسلم:
(ما التفتُّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني).