كثيراً ما يشير الناس في هذه الأيام، خاصة من جانب علماء النفس والتربويين، إلى التفكير المعرفي Cognitive Thinking. ورغم ما يحظى به هذا الموضوع من اهتمام فإنه ليس جديداً البتة. على أن الناس، في بعض الأحيان، يسيئون استخدام هذا المصطلح أو يسيئون فهمه مثلما هو الحال مع التعبيرات التي يتم ابتداعها أو استنباطها حديثاً. وهناك آخرون يستطردون قليلاً فيتحدثون عن السلوك المعرفي والمهارات المعرفية والتنافر المعرفي وما إلى ذلك. وحين نتأمل ما يعنيه التفكير المعرفي نشعر بالحاجة إلى الاهتمام الدقيق بمثل هذا التفكير إذا كان هدفنا العمل على تحسين نظامنا التربوي حيث يرى الكثيرون أن التفكير المعرفي هو الذي يتسبب في مشاكلنا التربوية لكنه في الوقت عينه يساعد في إيجاد الحلول المناسبة لها. دعنا الآن نستعرض بعض تعريفات التفكير المعرفي:
- التفكير المعرفي هو الحصول على المعرفة من خلال الفكر والخبرة والحواس. وتعني كلمة Consider ذات الأصل اللاتيني (التفكير بشكل عميق (… أي المعرفة أو الإدراك من خلال فهم شيء ما.
http://www.oxfordlearning.com/cognitive/Accessed on 2013/01/11.
- 2. كلمة Cognitive (معرفي) مفردة تكافئ في معناها كلمتي التفكير Thinking أو الأفكار Thoughts
http://asnwers.ask.com/Science/Psychology/what_is_cogitive_thinking. Accessed on 2013/01/11.
- 3. كلمة المعرفة أو الإدراك Cognition عبارة عن مجموعة من العمليات العقلية التي تشمل الانتباه والذاكرة والتحدث باللغة وفهمها والتعلّم والتفكير وحل المشاكل واتخاذ القرارات.
http://en.wikipedia.org/wiki/Cognition. Accessed on 2013/01/11.
ولا تقتصر أهمية التفكير المعرفي على اكتساب المعرفة الجديدة فحسب إنما الكيفية التي يفكر بها الناس حول المفاهيم وملاحظاتهم في هذا الشأن. وقد استخدم الناس التفكير المعرفي منذ الأزل لضمان عيشهم، أي للتكيف مع التغيير المطلوب، وهذا الذي يجعل هذا النمط من التفكير مهماً للغاية للمعلمين باعتباره أداة يمكن من خلالها جعل المتعلمين يتعاطون المعرفة التي يكتسبونها في المدرسة. وهذا الأمر ينطبق على المتعلمين الراشدين أيضاً رغم أن اهتمام هذه المقالة ينصب على الحاجة الماسة لتحقيق تعليم أفضل في المدرسة.
إن التفكير المعرفي يزود الأطفال بدافع داخلي لاكتشاف العالم، فالأطفال اليافعون على وجه الخصوص يتصفون بحب الاستطلاع للعالم من حولهم وغالبيتهم يحبذون اكتشاف أشياء وخبرات جديدة. ويستخدم الأطفال سائر حواسهم للوصول إلى اكتشافات جديدة وهذا يحفز المعلم المثابر على استثمار مثل هذا التوجه لديهم لضمان تعليم فعال ومثمر. وينبغي على المعلم في هذا الخصوص أن يوفر للأطفال المحفزات الممكنة لاكتساب خبرات مختلفة، فنحن نستخدم المهارات المعرفية حيثما سعينا لفهم أي شيء.
في أدناه الكيفية التي يتحقق بها مثل هذا الأمر:
- يقوم المعلم بتزويدك بمعلومات جديدة.
- تقوم بالتفكير حول تلك المعلومات.
- تقوم بالتحدث عن تلك المعلومات مستخدماً كلماتك الخاصة.
- تقوم بإبداء الملاحظة حول توافق هذه الملاحظات الجديدة مع الأشياء المألوفة لديك.
يتبين لنا من ذلك أن التفكير المعرفي يتضمن عمليتين رئيسيتين هما (1) استيعاب المعرفة الجديدة و (2) التكيّف وتعني تكيف العمليات الذهنية مع المعرفة الجديدة. وهاتان العمليتان تؤديان إلى التعلم. وفي إطار التفكير المعرفي تستخدم المعرفة لاكتساب الخبرة وكذلك البراعة في مهارة معينة. في هذا الشأن تصبح الخبرات الإيجابية والسلبية مهمة فالطفل الذي يشعر بالبهجة من جراء الحفاظ على توازنه لدى ركوب الدراجة للمرة الأولى يتعلم بالقدر ذاته من متعته الناجمة عن شعوره بالألم والإحراج حين يفقد توازنه ويسقط من الدراجة!
والمهارات المعرفية هي الحد الفاصل بين المتعلمين المتميزين والمتعلمين العاديين فبدون تطوير مثل هذه المهارات يتخلف الأطفال لأنهم غير قادرين على استيعاب المعلومات الجديدة في قاعة الدرس. والحقيقة المؤلمة هنا أن غالبية التلاميذ ينتقلون إلى المرحلة اللاحقة قبل التمكن من المهارات الأكاديمية الأساسية مثل القراءة والكتابة والرياضيات لكونهم لم يطوروا المهارات المعرفية بعد.
وتعتبر قدرة الطفل في التعبير عن نفسه / نفسها من خلال اللغة إحدى المهارات المعرفية المهمة التي يتعين على الطفل التمكن منها. وهذا يعني أن على الأطفال أن يطوروا نوعاً من التمثيل الرمزي. ومثل هذا الأمر يتحقق جزئياً من خلال تطوير المهارات الأخرى مثل الرسم والرقص وعرض الأزياء واستخدام الأرقام والغناء. وعلينا ألا نقلل من شأن القدرة على التقليد، فالأطفال يعمدون إلى تقليد الآخرين منذ عمر العامين وهم أيضا يقلدون الحيوانات الأليفة التي يربونها فضلاً عن تقليد الناس الراشدين. والأطفال يتعلمون من المثال الذي يقدمه الآخرون، كما أنهم يتعلمون أنماط السلوك السيء مثل نوبات النزق أو الغضب والعدوانية بسهولة مثلما يتعلمون السلوك الايجابي مثل المشاركة والأمانة. ولذا يصبح من المهم إيلاء الاهتمام للبيئة التي يعيش فيها الأطفال ويتربون.
ويضطر الأطفال الذين يتعرضون للجريمة وتعاطي المخدرات والعنف لقبول مثل هذا الأمر باعتباره شيئاً (طبيعياً)، وسوف يتجهون إلى تقليد ذلك وتبنيه بصفته طريقة للحياة. ولا شك أن إبداء الرأي عملية تتطور بشكل تدريجي، فمن غير المتوقع أن يعبّر طفل عمره سنتين بصدق مماثل لما يبديه طفل عمره 12 سنة! والأطفال في عمر سنتين إلى 7 سنوات يتصفون بالأنانية أي أنهم يودون تجربة العالم من حولهم من خلال وجهات نظرهم فحسب.
والأطفال في الفئة العمرية من 7 إلى 17 سنة يتسمون بالقدرة على التفكير المنطقي والتجريدي (النظري) فهم يفهمون الآن أن هناك أنواع مختلفة من الحيوانات وأن أم الطفل يمكن أن تكون أما لأطفال آخرين وأن الأشياء ذات الأشكال المختلفة ربما تمتلك الكتلة ذاتها الخ… لكنهم ما يزالون غير قادرين على التصنيف مثل تصنيف بعض أنواع الحيوانات المتماثلة وتصنيف الأشياء إلى حجوم معينة وغير ذلك. ويشير الباحثون إلى أن قدرة الأطفال على التصنيف تبدأ في الفئة العمرية من 7 إلى 17 سنة، اما في عمر 12 سنة فإن الأطفال يبلغون المرحلة العملياتية الشكلية بمعنى أنهم يطورون القدرة على التفكير التجريدي على نحو أفضل. وهم في هذه السن قادرون في العادة على حل مشكلة ما بحيث يضعون فرضية لها واختبارها بشكل منتظم. إن لمثل هذا الأمر مضامين واضحة بخصوص ما يتم تدريسه للتلاميذ في المدارس.
في الختام تعتبر القدرة على التعلم والاستفادة من المعلومات الجديدة حاسمة للتعليم الناجح الأمر الذي يؤكد مدى أهمية تطوير المهارات المعرفية. ويتعين علينا ان نضع في الحسبان أن النظريات التي يستند إليها التفكير المعرفي غالباً ما تعتمد على البحوث التي أجريت على الأطفال الذين ينتمون إلى جماعة ثقافية معينة مما يعني أنها لا يمكن أن تطبق على الأطفال الذين ينتمون إلى جماعات ثقافية أخرى. ونحتاج إلى إجراء المزيد من البحث الذي يتناول كلاً من الكيفية والمعدل الذي يتطور بموجبهما الأطفال من خلفيات ثقافية متنوعة. وهذا إلى حد ما موضوع حساس لكنه هام للغاية إذا رغبنا في تزويد أطفالنا بتعليم فعال جداً وعالي الجودة. وهذا يبين أيضاً السبب الكامن وراء تلقي التلاميذ الصغار تعليمهم الأولي بلغتهم الأم.
إن التعليم عملية معقدة إلى حد ما لأن هناك الكثير من المهارات المعرفية المتداخلة التي تسهم في عملية التعليم وكذلك تطبيق ما تعلمناه. وهناك سبعة مجالات تعلم أساسية يركز عليها المعلمون إذا أرادوا استثمار مهارات التفكير المعرفي للمتعلمين وتطويرها:
- العناية والانتباه: القدرة على مواصلة إنجاز واجب معين لفترات زمنية طويلة.
- الذاكرة الفاعلة: القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات لفترات زمنية قصيرة أثناء التعامل معها أو استخدامها.
- التعامل مع السرعة: المعدل الذي بموجبه يتعاطى المخ مع المعلومات.
- الذاكرة بعيدة المدى: القدرة على خزن المعلومات واستردادها في حال الحاجة اليها لاحقاً.
- التعامل البصري: القدرة على الملاحظة والتحليل والتفكير بالصور المرئية.
- التعامل السمعي: القدرة على الإدراك والتحليل وتشكيل المفاهيم لما يتم سماعه.
- المنطق والتفكير: القدرة على التفكير المنطقي وترتيب الأمور وفق الأولويات والتخطيط.
المصدر:
https://www.skills-universe.com/forums/topic/the-importance-of-cognitive-thinking-for-the-improvement-of-our-educational-system/
الكاتب:
هانس نيل Dr. Hannes Nel
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.