هناك مشاكل وتحديات تواجه الأشخاص المعوقين، ومنها ما يعتري بعضهم من مشاعر العزلة والابتعاد عن المجتمع والناس وايثار حياة التفرد على حياة الجماعة وعدم الميل للآخرين وأحياناً عدم الالتحام مع أقرانهم في الميدان.
ولهذا السلوك، بلا شك، عدة أسباب:
أسباب انعزال بعض الأشخاص المعوقين
- يقول الدكتور كليمك (1968) من سمات المشكلات النفسية للمعوقين الشعور (أ) الزائد بالنقص مما يعوق تكيفه الاجتماعي، (ب) شعور زائد بالعجز، (ج) عدم الشعور بالأمن مما يولد القلق والخوف، (د) عدم الاتزان الانفعالي، (هـ) سيادة مظاهر السلوك الدفاعي وأبرزها الإنكار والتعويض والاسقاط والأفعال العكسية والتبرير.
- التربية الأسرية للطفل المعوق والتنشئة بعيداً عن جو الجماعة حتى وإن لم يكن لهذا الانعزال ما يبرره وما يدعو إليه والخوف من كلام الناس والحماية الزائدة.
- الموقف السلبي من المجتمع تجاه الأشخاص المعاقين حيث أثبتت كل قراءاتي للبحوث التربوية والاجتماعية في هذا الصدد أن عدم مشاركة المجتمع وتوجهاته وعدم استيعاب هذه الفئة ينتج عنه كيان داخلي منفرد منعزل.
- سيطرة الأهواء والوساوس مما يؤدي إلى الانعزال في ظل عدم التوجيه والتكاتف من المجتمع المحيط.
- اعتقاد عداوة الناس وعدم فهمهم لشخصيته مع الغفلة عن دوره في المساهمة في توعية وتوجيه الناس داخل المجتمع بكل مؤسساته وقنواتهم.
- الاقتداء ببعض النماذج السلبية مع الغفلة عن نماذج العظماء من الأشخاص المعوقين الذين اندمجوا داخل مجتمعاتهم فكانوا قادة ومصلحين في كل مجالات الحياة.
- صحبة نفر من الأشخاص المعوقين منهجهم العزلة خصوصاً إذا كان هذا القرين مؤثراً، وهو ما ينطبق عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: »الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخاللب.
- قلة التنسيق بين الهيئات والجمعيات العاملة مما يشتت الجهود المقدمة لمثل هؤلاء ويفرض ذلك على الأخوة المعوقين أهمية التعرف عليها جميعاً ومعرفة أهدافها ووسائل الاستفادة من خدماتها المتعددة مما يساهم ذلك في تشكيل شخصيتهم في كل جوانبها ويقيهم من الانعزال من خلال الاندماج داخل مؤسسات المجتمع كله ومن خلال الأخذ بيد هؤلاء من طور إلى طور، ومن مرحلة إلي مرحلة فنشبع تطلعات كل معوق ونجيب على تساؤلاته وننمي قدراته ونرفع من مستواه ويتم تأهيله للحياة ليتفاعل معها بحيوية وانضباط وأمل بلا حدود في ظل التوجيه الأمين والدقيق والمنهج الواضح من العاملين في مجال تأهيل الأشخاص المعوقين.
آثار الانعزال على الأشخاص المعوقين
لا شك في أن بعض الأشخاص المعوقين يخشى من مخالطة الناس ومواجهة طبقات الناس وكيف ستكون شجاعتهم الأدبية وهنا لابد من التأكيد على أهمية الاندماج في حياة المجتمع حتى ننمي نواحي القوة في الشخصية ونعالج نواحي النقص والضعف. وبغير الالتحام بالناس والتأثير فيهم أو التأثر بهم يعيش المنعزل على غير هدى فاقداً لمن يساعده على إصلاح عيوبه بسبب ضعف إرادته وعزيمته نتيجة الانعزال.
كذلك تتسبب العزلة في تعطيل طاقات المنعزل ويصبح فريسة لوساوس الشيطان والإصابة بالأمراض النفسية كالفصام وغيره، وصدق الشاعر حين قال:
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
لذا، لابد من تحقيق التوازن في شخصية المعوق، مع العلم أن المجتمع هو المسؤول عن توظيف سائر طاقات الإنسان فتكون الشخصية القوية المتماسكة ضد الانعزال والوساوس.
علاج الانعزال لدى الأشخاص المعاقين
في ضوء ما تم تقديمه من الأسباب والآثار المترتبة على الانعزال يمكن وصف العلاج ووسائل التحصين كالتالي:
لا بد من تحصين كل الفئات الخاصة بالخبرات والتجارب وتزويدهم بوسائل مواجهة أبسط المشكلات فضلاً عن أعظمها ومن وسائل التحصين والوقاية الايمانية تذكيرهم…
- بآيات الله في الكون، كما قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) (سورة البقرة ـ 251).
- وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة»، وقوله: «إياكم والفرقة وعليكم بالجماعة».
- التوجيه والإرشاد والتربية الايمانية منذ الصغر وتقوية الإيمان في نفوسهم، فهذا من شأنه أن يزرع الثقة في نفوسهم بالاستعانة بالله.. (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ولا تعجز).
- فهم الدور الواجب على المعوق تجاه مسؤولياته في البناء والحياة.
- دور مؤسسات التعليم والتربية والدين والتأهيل في التنشئة السليمة وتعويض الفقدانات التي يفقدها بعض الأشخاص المعوقين والتي يمكن أن تؤثر على حياتهم وتؤدي بهم إلى الانعزال.
- التواصل مع كل هيئات وجمعيات المجتمع والتفاعل مع كل الأنشطة الاجتماعية سواء كانت علمية أو أدبية أو ثقافية أو رياضية أو غيرها.
- أهمية المشاركة الأسرية في تربية وتأهيل الأطفال المعوقين بحكم أنهم مرآة بيئتهم التي نشأوا فيها وإزالة التربية الخاطئة وعلاجها ببرامج تدريب الأسرة والأمهات على رعاية أطفالها المعوقين ووقايتهم من السلوكيات الخاطئة.
- أهمية توسيع برامج الدمج الشامل في مدارس التعليم العام كوسيلة فعالة للوقاية من السلوكيات الخاطئة للمعوقين وكوسيلة للتكيف الواقعي مع الواقع وكوسيلة للتعود على جماعة الأقران كناتج اجتماعي.
- التدريب على العمل الجماعي والقيادة والتعاون، ومن خلال تجربة شخصية لكاتب هذه المقالة في الميدان التربوي كرائد ومشرف للأنشطة داخل أحد برامج دمج المكفوفين حيث تم انتخاب أحد الطلاب المكفوفين رئيساً لإحدى جماعات النشاط المدرسي مما كان له الأثر الفعال في تكيفه وتفوقه.
- دور التأهيل المهني حيث ينبغي أولاً تعويض الفقدانات وبعث الأمن النفسي والمهارات الأساسية والتفاهم والاتصال وبعث القدرة على استيعاب القيمة وبعث تقدير الذات وبعث وضع المستقبل المهني، وثانياً: الارتفاع بمستوى التدريب لاكساب المهارات والخبرات، وثالثاً: مراعاة التوجيه المهني للمعوق مع التدريب ثم التشغيل ثم المتابعة في ظل وجود مقاييس مقننة تقيس قدرات المعوق عند تأهيله وتوظيفه بما يتناسب مع قدراته وليس على أساس وجود مهنة واحدة بعينها.
- الاشتراك في الحياة على قدم المساواة مع غيرهم من غير المعاقين والمشاركة الفعالة في كل المناسبات والمناشط الاجتماعية، وتوفير وسائل النقل لتسهيل تفاعلهم.
- تفعيل قوانين حماية الأفراد من إصابات العمل (حديثي الإصابة) كجانب وقائي.
- دور وسائل الإعلام في توعية المجتمع وتحسين اتجاهاته.
- دور البحث ا لعلمي والتدريبي في مجال الرعاية الاجتماعية للمعوقين.
وختاماً، علينا بحياة الجماعة والاندماج في المجتمع الذي نعيش فيه مؤثرين ومتأثرين حيث أن الإنسان عضو في جماعة، متذكرين هنا قول الإمام علي كرم الله وجهه: »إن الحياة بالتعب لراحة فأريحوها بالعمل، وقول الشاعر:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها
تنال إلا على جسر من التعب
ومسك الختام دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: »اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل…«