الإسكندر الثالث المقدوني بن فيليب الأعور، من ألقابه ملك مقدونيا، القائد الأعلى للرابطة الهلينية، شاه فارس، فرعون مصر، سيّد آسيا، ولد في مقدونيا في 20 يوليو عام 356 ق.م وتوفي في بابل 10 يونيو 323 ق.م، هو أحد ملوك مقدونيا الإغريق، ومن أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ، تتلمذ على يد الفيلسوف والعالم الشهير أرسطو حتى بلغ ربيعه السادس عشر، وبحلول عامه الثلاثين كان قد أسس إحدى أكبر وأعظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم، والتي امتدت من اليونان غربًا وصولاً إلى سلسلة جبال الهيمالايا شرقًا، ويعتبر أحد أنجح القادة العسكريين في مسيرتهم، إذ لم يحصل أن هُزم في أي معركة خاضها على الإطلاق.
خلف الإسكندر والده، فيليب الثاني المقدوني «الأعور»، على عرش البلاد سنة 336 ق.م، بعد أن اغتيل الأخير، ورث الإسكندر عن أبيه مملكة متينة الأسس وجيشًا عرمرمًا قويًا ذا جنود مخضرمين، وقد مُنح حق قيادة جيوش بلاد اليونان كلها، فاستغل ذلك ليُحقق أهداف أبيه التوسعيّة، وانطلق في عام 334 ق.م في حملة على بلاد فارس، تمكن خلالها من دحر الفرس وطردهم خارج آسيا الصغرى، ثم شرع في انتزاع ممتلكاتهم الواحدة تلو الأخرى في سلسلة من الحملات العسكرية دامت عشر سنوات.
تمكن الإسكندر من كسر الجيش الفارسي وتحطيم القوة العسكرية للإمبراطورية الفارسية الأخمينية في عدّة مواقع حاسمة، أبرزها معركتي إسوس وگوگميلا، وتمكن الإسكندر في نهاية المطاف من الإطاحة بالشاه الفارسي داريوش الثالث، وفتح كامل أراضي إمبراطوريته.
كان الإسكندر يسعى إلى الوصول إلى (نهاية العالم والبحر الخارجي الكبير)، فأقدم على غزو الهند سنة 326 ق.م في محاولة لاكتشاف الطريق إلى ذاك البحر، لكنه اضطرّ أن يعود أدراجه بناءً على إلحاح قادة الجند وبسبب تمرّد الجيش، توفي الإسكندر في مدينة بابل سنة 323 ق.م، قبل أن يشرع في مباشرة عدّة حملات عسكرية جديدة خطط لها، وكان أولها فتح شبه الجزيرة العربية.
بعد بضعة سنوات من وفاته، نشبت حروب أهلية طاحنة بين أتباعه كان من شأنها أن مزّقت أوصال إمبراطوريته، وولّدت عدّة دول يحكم كل منها )خليفة( وقد عرفت بملوك الطوائف وكان كل ملك من هؤلاء الملوك مستقلاً لا يدين بالولاء إلا لنفسه، وكان هؤلاء هم من بقي حيًا من قادة جيش الإسكندر ومن شاركه حملاته في الماضي.
يشمل إرث الإسكندر التمازج الثقافي الذي خلفته فتوحاته، فقد تمكن من خلط الثقافة الإغريقية الهلينية بالثقافات الشرقية المختلفة للشعوب الخاضعة له، كما أسس أكثر من عشرين مدينة تحمل اسمه في أنحاء مختلفة من إمبراطوريته، أبرزها وأشهرها هي مدينة الإسكندرية في مصر، كما أدّى إنشاء الإسكندر للمستعمرات الإغريقية الكثيرة في طول البلاد وعرضها، إلى خلق حضارة هلينية جديدة استمرت مظاهرها بارزة في تقاليد الإمبراطورية البيزنطية حتى منتصف القرن الخامس عشر، وقد استحال الإسكندر شخصيةً بارزة في الأساطير والقصص والتاريخ اليوناني والعالمي تقريبًا، حتى قام مقام آخيل، وأصبح المقياس الذي يُحدد القادة العسكريين بناءً عليه نجاح أو فشل مسيرتهم، وما زالت الأكاديميات العسكرية حول العالم تُدرّس أساليبه وتكتيكاته الحربيّة حتى الوقت الحالي.
طفولته
تربّى الإسكندر خلال السنوات الأولى من حياته على يد مرضعة وخادمة تُدعى «لانيك»، وهي شقيقة كليتوس الأسود، أحد القادة المستقبليين في جيش الإسكندر، وفي وقت لاحق، تتلمذ الإسكندر على يديّ ليونيدس الإيبروسي، وهو أحد أقارب أمه، وليسيماخوس، أحد قادة الجيش العاملين في خدمة والده، وقد نشأ الإسكندر نشأة الشباب المقدونيين النبلاء، فتعلّم القراءة والكتابة، وعزف القيثارة، وركوب الخيل، والمصارعة، والصيد.
عندما بلغ الإسكندر عامه العاشر، أحضر أحد التجار حصانًا إلى الملك فيليب، وعندما حاول الملك ركوب الحصان قاومه الأخير ورفض أن يسمح له أو لأي شخص آخر بامتطائه، فأمر الملك بذبحه كونه جامحاً لا يُروّض، غير أن الإسكندر طلب من والده أن يسمح له بمحاولة تهدئة روعه وركوبه، قائلاً إن الفرس خائف من ظله، فقبل فيليب وسمح لولده أن يحاول ترويضه، فنجح وانصاع له الحصان انصياعًا تامًا.
يقول بلوتارخ أن فيليب من شدّة ابتهاجه بالشجاعة والتصميم الذي أظهره ابنه، قبّله وهو يدمع قائلاً: «يا بنيّ، عليك أن تجد مملكة تسع طموحك، إن مقدونيا لصغيرة جدًا عليك»، ثم اشترى الحصان ومنحه لولده، أطلق الإسكندر على حصانه اسم «بوسيفالوس» ومعناه (رأس الثور)، لازم هذا الحصان الإسكندر طيلة أيام حياته وحمله في أغلب غزواته، وعندما نفق في نهاية المطاف بسبب تقدمه بالسن، أطلق الإسكندر اسمه على إحدى المدائن التي أسسها، ألا وهي مدينة بوسيفلا، التي كانت واقعة شرق نهر السند.
مراهقته وتعليمه
عندما بلغ الإسكندر الثالثة عشرة من عمره، أخذ والده يبحث له عن معلّم يلقنه الفلسفة والمعارف البشرية المختلفة، فعُرض عليه حشد كبير من العلماء اختار منهم أرسطو، وجعل له معبد الحوريات، بنات إله البحار بوسيدون، مكانًا يتخذه كمدرسة، ومقابل تعليمه الإسكندر، وافق فيليب على إعادة بناء بلدة ستاگيرا، مسقط رأس أرسطو، والتي كان الملك قد سوّاها بالأرض سابقًا، كما وافق على إعادة توطين أهلها بها، وعلى شراء وتحرير كل من استعبد منهم، والعفو عن أولئك المنفيين ودعوتهم للرجوع إلى ديارهم.
كان هذا المعبد بمثابة مدرسة الصعود للإسكندر وغيره من أبناء النبلاء المقدونيين، مثل بطليموس، وهفستیون، وكاسندر، الذين أصبحوا أصدقاء الإسكندر المقربين، وقادة جيشه المستقبليين، وغالبًا ما يُشار إليهم بأصحاب الإسكندر ورفاق دربه.
تلقن هؤلاء الشباب مبادئ الطب، والفلسفة، والأخلاق، والدين، والمنطق، والفن، على يد أرسطو، وظهر لدى الإسكندر ولع كبير بأعمال هوميروس، وخاصة ملحمة الإلياذة، فقدم له أرسطو نسخة مشروحة منها، حملها الإسكندر معه في كل حملاته العسكرية.
أنهى الإسكندر تعليمه في سن السادسة عشرة، وفي ذلك الحين غادر والده فيليب ليشن حربًا على بيزنطة، فترك شؤون الحكم في بلاده لابنه الشاب، فحكم الإسكندر بالنيابة عن والده بصفته وليًا للعهد، بعد مغادرة فيليب، ثارت القبائل الميدية التراقية على الحكم المقدوني مستغلة حداثة سن الإسكندر وعدم درايته بالشؤون السياسية والحربية، لكن الأخير فاجأهم، ورد عليهم ردًا قاسيًا، فأجلاهم عن مناطقهم ووطن فيها أغريقًا، وأسس مدينة أسماها «ألكساندروبولس» أي «مدينة الإسكندر».
التربع على العرش
عام 336 ق.م، كان فيليب قد توجه إلى إيجة لحضور حفل زفاف ابنته كليوباترا على إسكندر الأول ملك إيپروس، أخ زوجته أوليمبياس، فاغتاله قائد حرسه الشخصي، المدعو «بوسانياس الأورستیادي»، ثم جرى ناحية بوابة المدينة محاولاً الفرار، لكنه تعثّر بحبل كرمة، فأمسك به ملاحقوه وقتلوه فورًا، وكان من بينهم اثنان من أصحاب الإسكندر، وهما: پيرديكاس وليونّاتوس، بعد مقتل فيليب بايع النبلاء الإسكندر ملكًا على عرش مقدونيا وقائدًا عامًا لجيشها، وهو لم يتخط العشرين من عمره.
معركة نهر گرانیکوس بين الإسكندر والفرس.
عبر الإسكندر مضيق الدردنيل سنة 334 ق.م بجيش قوامه 48,100 جندي من المشاة، و6,100 فارس، وأسطول مكوّن من 120 سفينة بلغ عدد أفراد طاقمها 38,000 جندي، كما ضمّ الجيش عدداً من المرتزقة والمحاربين الإقطاعيين، وقد أظهر الإسكندر نيته غزو كافة أراضي الإمبراطورية الفارسية عندما غرز رمحًا في البر الآسيوي أوّل ما وطأه قائلاً إنه قبل آسيا هدية لشخصه من الآلهة.
أظهرت هذه الحادثة أيضًا أمرًا مهمًا آخر، وهو توق الإسكندر لقتال الفرس، وميله نحو الحلول العسكرية، على العكس من والده، الذي كان يُفضل الحلول الدبلوماسية على الدوام، اشتبك المقدونيون مع الفرس في أوّل معركة على ضفاف نهر گرانیکوس، المعروف حاليًا باسم «نهر بیگا»، شمال غرب آسيا الصغرى بالقرب من موقع مدينة طروادة، حيث انهزم الفرس وسلّموا مفاتيح مدينة «سارد» عاصمة ذلك الإقليم، إلى الإسكندر، الذي دخلها ظافرًا، واستولى على خزائنها، ثم تابع تقدمه على طول ساحل البحر الأيوني، ضرب الإسكندر الحصار على مدينة هاليكارناسوس الواقعة في إقليم كاريا، لتكون بذلك أوّل مدينة يحاصرها، وقد كان الحصار ناجحًا لدرجة أن قائد المرتزقة في المدينة، المدعو «ممنون الرودسي» وحاكم الإقليم الفارسي «أُراندباد» المقيم بالمدينة، اضطرا إلى الانسحاب منها عن طريق البحر، سلّم الإسكندر حكم كاريا إلى «أدا الكاريّة»، وهي حاكمة سابقة للإقليم، أعلنت ولاءها لمقدونيا وتبنّت الإسكندر تبنيًا رسميًا حتى يؤول إليه حكم الإقليم شرعًا بعد وفاتها.
بلاد الشام
بعد أن أمضى الإسكندر وجيشه الشتاء بكامله يغزون ويفتحون المدن والقلاع الحصينة في آسيا الصغرى، تابعوا زحفهم جنوبًا وعبروا بوابات قيليقية سنة 333 ق.م، فالتقوا بالفرس ثانية عند إسوس يقودهم الشاه داريوش الثالث بنفسه، فاشتبك الجيشان في معركة حامية الوطيس أسفرت عن تحقيق الإسكندر لنصر حاسم، وانكسار الجيش الفارسي وفرار الشاه ناجيًا بحياته، ووقعت في الأسر زوجته وابنتاه وأمه «سیسیگامبیس»، وغنم المقدونيون كنزًا عظيمًا كان قد حمله معه، وكميات هائلة من المؤن والأسلحة.
خلّد الإسكندر نصره هذا، الذي فتح له أبواب الشام على مصراعيها، بأن أنشأ مدينة في شمال البلاد على حدود الأناضول، هي «الإسكندرونة». وكان أمام الإسكندر، الآن، أن يختار إحدى خطتين: إما أن يتعقب الفرس إلى بلادهم نفسها، وإما أن يزحف جنوبًا لفتح المدن الفينيقية ومصر قبل أن ينقض على فارس، وقد وقع اختيار الإسكندر على الخطة الثانية لكي يصون خطوط مواصلاته، ولكي يُحبط كل محاولة قد يقوم بها الأسطول الفارسي لتحريك اليونان للثورة عليه، وكانت المدن الفينيقية رازحة تحت نير الاستعمار الفارسي الثقيل، ففتحت أبوابها للإسكندر واستقبلته كمنقذ مخلّص.
غزو شبه القارة الهندية
بعد هزيمته للفرس تزوّج الإسكندر بأميرة باخترية تُدعى رخسانة ليقوّي العلاقات مع حكّام أقاليمه الجدد، ثمّ حوّل أنظاره إلى شبه القارة الهندية لفتحها، فأرسل إلى زعماء القبائل في إقليم «گندهارة» (قندهار)، الواقع في شمال باكستان حاليًا، يأمرهم بالمثول أمامه والاعتراف بسلطانه على بلادهم، استجاب صاحب مقاطعة «تکسیلا»، المدعو «أومفيس»، والذي كانت مملكته تمتد من نهر السند إلى نهر جهلم، إلى أمر الإسكندر، لكن شيوخ بعض قبائل التلال المنتمين لعشيرة الكمبوجة تحديدًا، رفضوا ذلك رفضًا قاطعًا فعاقبهم الإسكندر بحملة عسكرية أجبرتهم جميعاً على الخضوع له.
بعد النصر، سار الإسكندر بجيشه وعبروا نهر السند ليواجهوا الراجا «بور»، سيد مملكة بورافة، الواقعة حاليًا في إقليم البنجاب، في معركة ملحمية – سميت معركة هيداسبس – أضرجت خلالها الأرض بالدماء، وذلك في سنة 326 ق.م. كانت تلك المعركة أقسى معارك الإسكندر على الإطلاق، فقد خسر فيها كثيرًا من الجنود، وقاومه الراجا الهندي بما أوتي من قوة، ودافع عن بلاده دفاع الأبطال أمام تقدم الفاتح المقدوني، لكن خبرة الإسكندر العسكرية كان لها القول الفصل في تحديد المنتصر، كما أن قادته وعساكره المخضرمين ما كان لهم أن يُهزموا بسهولة، فتمكنوا من الجيش الهندي وهزموه هزيمة منكرة.
تمرّد الجند
حاول الإسكندر إقناع جنوده بالتقدم شرقًا لفترة قصيرة بعد، لكنه لم يُفلح، وتدخل أحد قادته، وهو كوينوس، وتوسله أن يعدل عن رأيه ويعود أدراجه، قائلاً: «لقد تاق الرجال لرؤية آبائهم وأمهاتهم، وزوجاتهم وأولادهم، وأرضهم وأوطانهم». فاقتنع الإسكندر بكلامه، وبلّغ جنوده أن يستعدوا للعودة إلى بلادهم، سار الجيش على طول نهر السند، وفي طريقه فتح أراضي قبيلة المُل، الواقعة في مدينة مُلتان حاليًا، وغيرها من أراضي بعض القبائل الهندية الأخرى.
وفاته وخلافته
توفي الإسكندر في قصر نبوخذ نصَّر ببابل، في العاشر أو الحادي عشر من يونيو سنة 323 ق.م، وله من العمر اثنان وثلاثون سنة، وقد اختلف المؤرخون اختلافًا قليلاً في تحديد أسباب الوفاة، فقد قال بلوتارخ إنه قبل وفاة الإسكندر بحوالي 14 يومًا، كان قد استقبل أحد ضيوفه وأمضيا الليل بطولة يتسامران ويشربان الخمر حتى مطلع الفجر، بعد ذلك أصيب بحمّى قوية، استمرت بالتفاقم حتى أضحى عاجزًا عن الكلام، وخشي عليه جنوده وأصابهم القلق، فمُنحوا الأذن بأن يصطفوا بالطابور أمامه ليسلموا عليه، وقد ردّ عليهم السلام بالإشارة، يقول ديودورس إن الإسكندر أصيب بألم شديد بعد أن احتسى طاس خمر صاف على شرف هرقل، ثم مات بعد أن عذبه الألم عذابًا قويًا.
من الأسباب الأخرى المحتملة لوفاة الإسكندر، هي اغتياله من قبل الأرستقراطيين المقدونيين، وقد ذكر هذه النظرية كل من ديودورس وآريان وجستن، فقالوا إن الإسكندر سُمم على يد بعض المقربين منه، غير أن بلوتارخ رفضها وأفاد بأنها رواية ملفقة لا أساس لها من الصحة، فيما قال ديودورس وآريان أنهما ذكراها لتتمة الفائدة فحسب.
تشير الأدلة المتوافرة، أن التسميم لو كان هو السبب وراء موت الإسكندر، فإن المشتبه به الرئيسي هو أنتيباتر، الذي ائتمنه الإسكندر على مقدونيا أثناء غيابه، ثم عاد وعزله واستدعاه إلى بابل، ولعلّ أنتيباتر اعتبر استدعائه بمثابة حكم بالإعدام، فأوعز إلى ابنه «إيولاس»، الذي كان يعمل ساقيًا للإسكندر، أن يدس له السم في النبيذ أو الماء، وقد ردّ بعض الباحثين على القائلين بنظرية التسمم هذه بأن فترة اثنا عشر يومًا مرت بين إصابة الإسكندر بالمرض ووفاته، وهي فترة تُعد طويلة جدًا حتى يأخذ أي سم من الأنواع التي كانت معروفة حينها تأثيره الكامل، فالسموم بطيئة المفعول كانت على الأرجح غير معروفة بعد.
وأفادت إحدى النظريات الحديثة التي برزت إلى حيّز الوجود سنة 2010، أن أعراض مرض الإسكندر المذكورة في الوثائق القديمة تتلاءم مع أعراض التسمم بالماء الأسود لنهر ستيكس الذي يحوي مركب «الكاليكميسين» فائق الخطورة، الذي تسببه إحدى أنواع البكتيريا القاتلة.
بعد وفاته
وُضع جثمان الإسكندر في تابوت ذهبي صُنع على هيئة بشرية، ووُضع هذا بدوره في ناووس من الذهب، تفيد بعض النصوص أن عرّافًا يُدعى «أريستاندر» تنبأ بأن البلد التي سيُدفن فيها الإسكندر «ستعرف السعادة طيلة أيامها ولن يقوى أحد على غزوها وقهرها» ويُحتمل أن يكون كل خليفة من خلفاء الإسكندر قد اعتبر الاستحواذ على جثمان ملكهم الراحل عملاً يُضفي الشرعية على خلافته الخاصة، لا سيما وأن دفن الملك الحالي للملك السابق كان يُعد إثباتًا قاطعًا لحقه في العرش.
أثناء سير موكب جنازة الإسكندر من بابل إلى مقدونيا، تعرّض لها بطليموس وقطع عليهم الطريق، وحوّل المسير إلى عاصمة مصر حيث حُنّط الجثمان ووري الثرى، ثم قام خليفته بطليموس الثاني بنقل التابوت إلى الإسكندرية حيث بقي حتى ما قبل بداية العصور الوسطى بقليل، وقد أقدم بطليموس التاسع، وهو من أواخر خلفاء بطليموس الأول، على نقل مومياء الإسكندر من التابوت الذهبي إلى تابوت آخر مصنوع من الزجاج، وذلك حتى يتسنى له تذويب الأول وصكّ العملات من سائله.
قام كل من القادة الرومان بومبي ويوليوس قيصر وأغسطس قيصر بزيارة ضريح الإسكندر، ويُقال إن الأخير اقتلع الأنف عن طريق الخطأ، كما ورد بأن يوليوس قيصر بكى عندما بلغ عامه الثالث والثلاثين، قائلاً إنه على الرغم من كل إنجازاته لم يبلغ ما بلغه الإسكندر من المجد في هذا السن، كذلك قيل إن الإمبراطور الروماني كاليگولا اقتلع الصفيحة الصدرية من المومياء واحتفظ بها لنفسه، وأقدم الإمبراطور سبتيموس سيفيروس على إغلاق ضريح الإسكندر أمام العامّة في سنة 200 م، وقام ابنه كاراكلا، وهو من أشد المعجبين بالإسكندر، بزيارة قبره خلال فترة حكمه، أما بعد مضي هذا العهد، أخذت الدلائل والنصوص التي تتحدث عن الضريح تقل شيئاً فشيئًا إلى أن انتهت لغاية الندرة، حتى أصبح موقعه ومصيره من ضمن الأمور التاريخية التي يكتنفها الضباب حاليًا.
عسكريته
يجمع المؤرخون على أن الإسكندر استحق لقب «الأكبر» أو «الكبير» عن جدارة، بسبب نجاحه العسكري منقطع النظير، فهو لم يخسر معركة قط، على الرغم من أن أغلب الجيوش التي قاتلها فاقت جيشه عددًا وعدّة، وذلك يعود إلى حسن استغلاله لأراضي الموقعات، ولتدريبه فيالق المشاة والخيالة على استخدام تكتيكات فذّة، ولاستراتيجياته الجسورة المقدامة، وللولاء الأعمى الذي كنّه له جنوده.
سلّح الإسكندر فيالقه برماح طويلة تصل إلى 6 أمتار (20 قدمًا)، وكانت هذه الفيالق قد تدرّبت على القتال تدريبًا صارمًا منذ أيام فيليب الثاني، حتى بلغت أعلى درجات كمال الجيوش في عصرها، فكان تحركها سريعًا وقدرتها على المناورة في أرض المعركة كبيرة، وقد استغل الإسكندر هذه الأمور ليتفوق على القوّات الفارسية الأكبر عددًا والأكثر تباينًا من كتائبه المتجانسة، أدرك الإسكندر أيضًا إمكانية وقوع شقاق في جيشه بسبب تنوعه العرقي واللغوي واختلاف أسلحته، فذلل هذه المشكلة عبر انخراطه شخصيًا في المعارك بصفته ملك مقدونيا.
خصاله
كان لأبويّ الإسكندر أثر كبير في تكوين شخصيته وخصاله، فكانت والدته واسعة الطموح، ودفعته إلى أن يُصدق بأن قدره غزو الإمبراطورية الفارسية، بل غرست فيه هذا الشعور، يقول بلوتارخ إن هذا الطموح هو ما أبقى قلب الإسكندر وروحه شامخة وجادّة لا تعرف اليأس ولا الكلل طيلة تلك السنوات من الحملات والفتوحات. أما والده، فكان مثله الأعلى الذي يقتدي به في كل خطوة، إذ شبّ على رؤيته يفتح القلاع الحصينة والبلاد المنيعة سنة تلو الأخرى، ويُحقق النصر تلو الآخر، متجاهلاً ما أصيب به من جروح خطيرة.
صقلت علاقة الإسكندر بأبيه الجانب التنافسي في شخصه؛ فكان يشعر بحاجة ملحة لأن يتفوق عليه وأن يُغطي على إنجازاته، ولعلّ هذا ما يُفسّر الكثير من تصرفاته المتهورة على أرض المعركة، كان الإسكندر قلقًا من أن أبيه «لن يترك له إنجازًا مهمًا أو عظيمًا يستعرضه أمام العالم».
يفيد بلوتارخ أن من أبرز خصال الإسكندر: طبعه الحاد وتهوره واندفاعه، وهي خصال كانت تلعب دورًا في اتخاذه لقراراته دون شك، يُعرف عن الإسكندر عناده الشديد وتصلبه في الرأي، لكنه على الرغم من ذلك كان متقبلاً لأي نقاش ومستمعاً لمحدثه طالما كان منطقيًا، وكان للإسكندر جانب آخر أكثر تعقلاً، فتميّز بتبصره، ومنطقيته، ويقظته، ومال نحو العلم ميلاً كبيرًا، وأحبّ الفلسفة، وكان ينكب على قراءة الكتب بنهم، ويتعلم ما جاء فيها من الحكمة ويحفظه بسرعة، ويرجع الفضل في هذا إلى أرسطو، المعلّم الكبير، وقد ساهم ذكاء الإسكندر والجانب المتهور من شخصيته إلى حد بعيد بنجاحه كقائد عسكري.
كان الإسكندر واسع المعرفة، أحب العلوم والفنون على حد سواء وقام برعايتها، غير أن اهتمامه بالرياضة والألعاب الأولمبية كان ضئيلاً، على العكس من والده، فكان يسعى دومًا وراء المُثل العليا، ألا وهي الشرف والمجد.
تمتع القائد المقدوني بجاذبية وقدرة خارقة على الإقناع، وقوة شخصية كبيرة، أي باللبنات التي من شأنها أن تجعل من أي شخص قائدًا عظيمًا، وأبرز ما يُظهر ويُثبت تمتعه بتلك الميزات الفريدة، أنه تمكن من توحيد مقدونيا وكامل بلاد اليونان والفرس في إمبراطورية واحدة، وأبقاها متماسكة رغم جمعها متناقضات كبيرة، وبعد وفاته لم يتمكن أحد من قادته من الحفاظ على تلك الوحدة، فتفرقت البلاد وتقسمت إلى بضعة دول مختلفة.
أسس الإسكندر حوالي 20 مدينة تحمل اسمه في نواح كثيرة من الأراضي التي فتحها خلال حملاته العسكرية، غير أن أغلبها وقع شرق نهر دجلة، وكانت أعظم تلك المدن بلا منازع هي الإسكندرية في مصر، والتي قُدّر لها فيما بعد أن تحتل مكانة مرموقة ومقامًا رفيعًا بين مدن العالم عمومًا وحوض البحر المتوسط خصوصًا، وقعت المدن التي أسسها الإسكندر على الطرق التجارية المهمة، في أماكن حصينة غالبًا، وسكنها الإغريق وأبناء البلدان الأصليين.
رحل الإسكندر الكبير عن هذه الدنيا بجسده فقط.. غير أن صيته ما زال مدوياً كاسمه باعتباره من أعظم إن لم يكن أعظم قائد عسكري استطاع في أقل من عشر سنين أن يفتح العالم القديم من أقصاه إلى أقصاه، كتب عنه الكثير خلال مئات السنين وألفت عنه الروايات والقصص كما قامت هوليوود قبل سنين عدة بإنتاج فيلم ضخم عن حياته وفتوحاته جسد شخص الإسكندر فيه الممثل كولن فاريل وأخرجه المخرج الشهير ريدلي سكوت.
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)