يعتبر الإعلام بمفهومه العام نمطاً من أنماط الاتصال البشري الذي يمتلك قدرة كبيرة على التأثير في الرأي العام وتغييره، وقد تم الاستناد إلى الاعلام بمختلف وسائله لتغيير آراء واتجاهات الناس نحو مواضيع وقضايا اجتماعية وسياسية، لما له من قدرة على تصوير وإخراج هذه القضايا ضمن قوالب معينة للمتلقي، تجذبه وتشده بطريقة مشوقه ومدروسة، وكما أن للإعلام دوراً في تصوير قضية ما للجمهور بشكل إيجابي محبب، فإن له أيضاً دوراً هاماً في إبراز أي قضية أخرى بشكلها السلبي القاتم مما يؤثر في سلوك عامة الناس تجاهها وتوجهاتهم نحوها.
ويعتبر الإعلام التربوي الخاص هو نموذج من الإعلام الذي يجدر التعامل فيه بدقة ووعي متكامل لأنه يخاطب توجهاً اجتماعياً نحو فئة من فئاته، ويتطلب المرونة والصدق وتناول جوانب اجتماعية يتقبلها المجتمع بصورة طبيعية بعيداً عن الشفقة والعطف.
ونظراً لأننا نعيش في عصر يحمل كماً معلوماتياً هائلاً من مصادر عدة، كان لزاماً علينا إدراك حجم المسؤولية الملقاة على عواتقنا تجاه المجتمع والأشخاص من ذوي الإعاقة وضرورة تسليط الضوء عليهم وعلى احتياجاتهم وانجازاتهم لتتفاعل مع المجتمع تفاعلاً يستوجب الحقوق والواجبات.
اجتماعياً أصبحنا ندرك الكثير عن هؤلاء الأشخاص وذلك بفضل الإعلام الذي عرف بهم، ولم نعد نأبه لتخصيص أيام محددة لنتذكرهم فيها كيوم المعاقين أو يوم العصا البيضاء أو أسبوع الأصم. فقد تعددت المصادر والقنوات الإعلامية التي تعرفنا بهم.
إلا أنه لا زال أمام الاعلام شوط طويل في إيصال الرسالة المتوخاة عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإخراجهم من دائرة الاعلام الموسمي ليأخذوا حقهم كشريحة عادية في المجتمع تسلط عليها الضوء كأي فئة أخرى.
ومع اتساع الإعلام التربوي المتخصص في مجال الاعاقة تتسع الطموحات المرجوة في الاستمرارية وفق ضوابط إعلامية معينة تهدف إلى التعريف بقضية الإعاقة وفئاتها وخدماتها وانجازاتها أيضا، وقدرتها على كسر طوق الإعاقة الذي حوصرت به أو حاصرها فيه التوجه الاجتماعي الذي كان سائداً، وأن يساهم هذا الإعلام في توجيه دفة المجتمع إلى الايجابية والواقعية تجاه الأشخاص من ذوي الإعاقة.
لقد كان الإعلام العربي إلى وقت قريب بعيداً عن الاهتمام بالإعاقة والمعوقين، فلم تكن لهم أية مساحة في الإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي، حيث لا ترد أخبار المعوقين في وسائل الإعلام العربية إلا نادراً، وهي تتزامن فقط مع الندوات العلمية أو المؤتمرات التي تقام من أجلهم، ويغلب عليها طابع الإعلان المؤقت، ورغم تدفق الأخبار بكثافة من وكالات الأنباء العالمية عن المعوقين وحقوقهم فإن ما ينشر منها في الوطن العربي أو يبث أو يذاع يعتبر محدوداً للغاية.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا يمكن النظر إلى الرسالة الإعلامية المأمولة عن المعوقين دون اعتبار لوسائل الإعلام ذاتها، فالأمر يحتاج لما هو أكثر من الحماس الشخصي والتوجه الإنساني النبيل، ذلك أن المسؤولين عن رعاية حقوق المعوقين بوسعهم مد جسور التعاون الوثيق مع المسؤولين عن وسائل الإعلام، بحيث يمكننا إشراك هذه الوسائل ليس فقط في تنفيذ الرسائل الإعلامية بل في خطوات إعدادها وتنفيذها. إذ من المهم وضع تشريعات تحتم على وسائل الإعلام المشاركة بجهود دائمة من أجل إبراز حقوق المعوقين، والتخطيط هو أول الطريق لوضع سياسات إعلامية متقدمة ليس لخدمة المعوق فقط بل لإيقاظ الوعي المجتمعي تجاه قضية الاعاقة.
كما أن وسائل الإعلام يجب أن تلعب دوراً حيوياً في التوعية بأسباب الإعاقة وسبل الوقاية منها، وفئات المعوقين ووسائل مساعدتهم، وإلى غير ذلك من الموضوعات التي تسهم في زيادة الوعي لدى فئات المجتمع على اختلاف بيئاتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن بين ما يجب أن تقوم به وسائل الإعلام في هذا المجال:
- تخصيص مساحة كافية للقنوات التعليمية التلفزيونية، من أجل تقديم برامج تعليمية وإرشادية للطفل المعوق وأسرته والمختصين.
- تقديم برامج إعلامية تهدف إلى إرشاد وتوجيه الأسرة لمساعدتها على الاكتشاف المبكر عن الإعاقة وإشباع حاجات أسرة الطفل المعاق.
- إشراك المختصين والخبراء في إعداد البرامج الاعلامية عن الفئات الخاصة، كتحرير هذه البرامج والاشراف العلمي عليها.
- إشراك نماذج ناجحة من المعاقين ضمن هذه البرامج الاعلامية.
- تقديم صورة واقعية عن الجهود المبذولة في مجال العمل مع الأشخاص المعاقين، والحث على دعمها وتطويرها.
- توجيه الإعلام لتوعية المجتمع بدوره تجاه الوقاية من الإعاقة، وضرورة تنمية إمكانات الطفل مهما كانت إعاقته، وخلق بيئة أسرية ومجتمعية واقية له، واثرائية لإمكاناته، وعلاجية لأوجه قصوره أو مظاهر عجزه.
- حث شركات الإنتاج السينمائي العربية على تقديم أعمال عن المعوقين تؤكد حقهم في الحياة، والتعليم والتدريب، وفي الوقت نفسه تؤكد للمجتمع قدرتهم على العطاء، وإبرازهم كأناس قادرين، دون التركيز على استثارة مشاعر الشفقة أو العطف.