(البقعة الزرقاء) فيلم أمريكي درامي، بالأبيض والأسود أنتج عام 1965. يحكي عن (سيلينا) التي تصاب بالعمى وهي في الخامسة من عمرها بسبب حادثة نتجت عن خيانة أمها… ومن الخامسة وحتى الثامنة عشر تعيش في الظلام مع الأم والجد بعد ابتعاد الأب، دون أن تتعلم شيئاً سوى التنظيف والطهي وكي الملابس وعمل عقود من الخرز لتاجر يدعى رالف، ولا تبارح الشقة الصغيرة.. وتتلقى الصفعات من أمها لأي سبب تافه حتى لو أسقطت شيئاً على الأرض.
في أحد الأيام صحبها رالف مع كلبه إلى المنتزه العام القريب من شقتها، وهناك تركها تحت ظل شجرة تستمع إلى أنغام الطبيعة دون أن تراها.
تسللت حشرة إلى ظهرها فانزعجت، تصادف أن مر أحد الشبان السود واسمه (جوردون) فساعدها في إخراج الحشرة ثم بدأ بينهما حديث، أدى إلى تكرار المقابلات بينهما وبدأ جوردون بتعليمها أشياء ومنها القراءة بطريقة برايل.
كانت معاملة جوردون لها سبباً في ايقاظ مشاعر فيها، وعبرت عن هذه المشاعر نحو جوردن بكلمة (أحبك).
سعى جوردون ليبعدها عن بيئتها السلبية وعمل على إدخالها إلى إحدى المدارس… وبالفعل نجح في ذلك وانتهى الفيلم بركوب سيلينا حافلة المدرسة.
قضايا الفيلم
قضية الفيلم المحورية ليست عن الإعاقة رغم تركيزه على معاناة فتاة ذات إعاقة بصرية، فقد أثار الفيلم قضية التمييز ضد السود عندما حكت الفتاة لجوردون كيف جن جنون أمها عندما عرفت أن صديقتها سوداء اللون.. الأمر الذى أدى إلى انقطاع صديقتها عنها نهائياً.
وجوردن شاب أسود يقوم بدوره الرائع (سيدني بواتييه) وقد أطلقت الأم عليه في الفيلم لقب (الزنجي).
الفيلم أنتج عام 1965 وقت حركة الحقوق المدنية التي بدأت عام 1954 واستمرت حتى بعد عام 1968 وبقيادة مارتن لوثر كينج ضغطت على الرئيس الأمريكي جونسون الذى دعم قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حق التصويت (1965).
الواقع ان الفيلم نجح في مزج القضيتين قضية الإعاقة وقضية السود.. ليخرج لنا بقضية محورية هامة.
ركز الفيلم على الشخص ذي الإعاقة والشخص الأسود وعلى امكانياتهما وطاقاتهما وليس على الإعاقة أو سواد اللون. فاليزابيث هارتمان (في دور سيلينا) عاشت لثلاث عشرة سنة كسجينة، عند أم تنكر حقوقها كما تنكر حقوق السود، وجدٍّ سكيرٍ عاجز هرب من عجزه وضعفه إلى الخمر.
وبالإضافة لكون سيلينا سجينة فقد حكم عليها أن تعمل كعبدة عند أمها، فليس لها حرية الدخول والخروج حتى أنها لا تملك التوقف عن العمل إذا لم يرضها الوضع.. وليس لها حق التعليم أو المطالبة بشيء لنفسها.. ومع ذلك استطاعت سيلينا أن تجاهد وتكافح لتتعلم أشغال البيت لترضي أمها وجدها.. إنها تغسل الثياب وتكويها وتنظف البيت وتطهو الطعام وكل ذلك وهي وحيدة في الشقة فالأم والجد في الخارج طوال اليوم، وطوال وقت خدمة سيلينا في البيت لم أشعر بإعاقتها بل شعرت بطاقتها.. وثم شعرت بإمكانياتها عندما بدأ جوردن يعلمها فتتعلم بسرعة وعندما لمست أول مرة في عمرها الحروف في كتاب تعليم المكفوفين بحروفه البارزة ـ برايل ـ كانت سعيدة.. وقد نتجت سعادتها عن رغبتها العميقة في التعليم.. أما روحها فيمكننا أن نراها في بساطتها أثناء تعبيرها عن فرحتها ومشاعرها وحبها للموسيقى، وقوتها في الصمود.
لكن تلك الفتاة التي لم أشعر بإعاقتها وهي تؤدي أعمالها داخل الشقة، تصطدم بإعاقتها عندما تواجه المجتمع الخارجي، ففي أول مرة تخرج وحدها من البيت متجهه إلى المنتزه لتقابل جوردون دون أن تعرف الطريق، تصطدم بالرصيف فتسقط، فيساعدها رجل ويقول لها بعد معرفته بإعاقتها البصرية: (ليس لديك الحق في الخروج بمفردك).
ثم يعيدها الرجل إلى المنزل بعد أن عرف منها عنوانه.
ومع هذا الاصطدام المدوي بالمجتمع تشعر بعمق إعاقتها، وانعدام حقوقها، وبوحدتها داخل عذابها تنفجر بالرفض:
ليس لي حق.. ليس لّي حق في كل شيء.. هل ينبغي علي أن آخذ ذلك؟؟؟
وتصرخ وهى تضرب سرير جدها: أنا أكرهك، يا جدي، أكرهك..
ثم تتجه لسرير أمها وتصرخ: أكرهك أيضاً، يا سوزان..
ثم تتجه لوسط الشقة وتقول: أكرهكما، أكره الجميع.. جميع من في هذا العالم الخسيس النتن!
وأخيراً تنهار وتبكي.
جوردون الذي أشعرها بوجود عالم مختلف، هو أيضاً مختلف عن الآخرين وعما يحيط به، إنه يبدي اهتماماً ويحاول أن ينير دربها بدون شفقة.. وكانت معاملته الإنسانية لها هي التي أشعرتها بقيمتها كإنسانة تملك مشاعر وحقوق فيقول لها: (لا يمكنك مواصلة حياتك بتلك الطريقة.. إنها حكاية من العصر المظلم).
وهو يبدأ اعجابه باسمها (سِيلِيناَ) إن الإعجاب بالاسم والتركيز على نطقه بطريقة صحيحة هو ملمح لنحاول فهم معناه؛ فسيلينا اسم يوناني معناه آلهة القمر عند اليونانيين القدماء.. حقاً إن سيلينا فتاة مشرقة، تحمل البساطة والسذاجة والجمال الداخلي والخارجي أيضاً.
أما جوردون ومعنى اسمه المكان أو التل، مما يعنى الاستقرار والثبات والقوة، فقد جعل قضية سيلينا قضيته، وهنا تظهر القضية المحورية في الفيلم، وهى حقوق الآخرين سواء كانوا من ذوي الإعاقة أو الاقليات أو السود أو غيرهم، فجوردن الذي حارب من أجل حقوقه المدنية ليكون السود متساوين مع البيض في المجتمع الأمريكي، لا يمكن أن ينكر حقوق سيلينا في التعليم والحرية وأن تكون شخصية مستقلة، فإذا أنكرها يكون ضمنياً قد أنكر كل حقوق يطالب بها هو نفسه كرجل أسود.
ولذا ففي الوقت الذي وقف فيه بحذر ونبل من سيلينا باعتباره رجلاً وهي امرأة، ووقف بجانبها بقوة لتحصل على حقوقها، فقد وقف بحزم ضد أخيه الرافض لمساعدة سيلينا، ووقف ضد الأم التي سلبت حقوق ابنتها.. ونجح في النهاية في توجيه سيلينا ناحية مستقبل أكثر إشراقاً.. وكعنوان الفيلم ظهرت أخيراً بقعة زرقاء في ظلام ليلها الحالك.
رابط الفيلم
http://cima4u.tv/art-watch/m_1388896345_A_Patch_of_Blue_1965.html
سعيد رمضان على، إسكندرية، مصر
عمل في شمال سيناء، زار غزة عدة مرات ثم أقام فيها عدة سنوات وحاليا مقيم في الإسكندرية.
أصيب بالصمم في سن مبكرة، كان من أثره تركه الدراسة المنتظمة، فلم يستكمل تعليمه النظامي، لكنه استمر في الدراسات الحرة.
الأعمال والتكريم
- روح هائمة، رواية، دار نشر ميدلايت 1990، القاهرة.
- الأرض والنهر، مجموعة قصصية، دار نشر ميدلايت 1991، القاهرة.
- السينما المصرية والإعاقة، دراسة 2005، مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- سيناء (الأهمية والمعنى) الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 2008، القاهرة.
- رواية أمواج ورمال، دار نشر فكرة. 2009، القاهرة.
- مسرحية الانهيارات، دار نشر هفن، 2009، القاهرة.
- السمورة وأنا، سيرة روائية، دار الأدهم للنشر، 2013، القاهرة.
- مقالات نقدية في الأدب والسينما والفن التشكيلي الفلسطيني، نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، وعلى عدة مواقع مختلفة.
- كرم من الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر في مؤتمر الإسماعيلية الأدبي عام 1995.
- حصل على شهادات تقدير من المجلس الأعلى للشباب والرياضة بمصر في مركز إعداد القادة بالقاهرة عن أعماله في القصة القصيرة، والمسرح وذلك عامي 1995، 1996.
- كرمته الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية 2005 في ملتقى المنال عن دراسته (السينما المصرية والإعاقة)
- استضافه المؤتمر العلمي الأول حول قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة بالقاهرة عام 2009.
نقد ودراسات عنه
دراسة عن روايته روح هائمة للناقد محمد قطب نشرت في كتاب مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي 1995.
دراسة عن مجموعته القصصية (الأرض والنهر) للناقد الدكتور محمد حسن عبد الله نشرت في كتاب مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي عام 1995.
دراسة عن مسرحيته الانهيارات للدكتور نادر عبد الخالق بعنوان البناء والتخطيط في مسرحية الانهيارات نشرت في جريدة الزمان مايو، 2019.
دراسة عن مسرحيته الانهيارات للناقد العراقي صباح الأنباري بعنوان (الانهيارات من بداية السقوط حتى نهاية الهزيمة) نشرت على موقع الناقد على النت.
دراسة في مجموعته الصمت للناقد سيد الوكيل، نشرت في كتاب أبحاث المؤتمر العلمي الأول، هيئة قصور الثقافة 2009، القاهرة.
دراسة عن رواية أمواج ورمال للناقد حاتم عبد الهادي نشرت في نشرة مؤتمر اليوم الواحد بالشرقية.
مقالات نقدية عن بعض قصصه القصيرة للناقد سمير الفيل نشرت بموقع القصة العربية.