إعداد : خديجة أحمد بامخرمة
الأصل في الخلق التنوع والتعدد والتباين وهي تعددية تشمل الأجناس والألوان والأوطان والألسن والعادات والتقاليد والأديان والأفكار وطرق العيش والموارد والبيئات إلا أن الحقيقة الثانية أن الاصل واحد وهذا التنوع والتعدد والتباين لا يقتضي بالضرورة الاختلاف انما هو من فطرة الله حتى تتكامل الأشياء فيما بينها ، ولم يكن الاختلاف والتنوع البشري والثقافي في العالم منذ أن خلق الله الكون، مدعاة إلى الخلاف والشقاق والصراع والحرب، فالمولى سبحانه وتعالي لم يخلق هذا التنوع عبثاً، كما أنه ليس للتفاخر بل من أجل التعارف والتقارب التضامن والتعاون في سبيل سعادة البشر، وليس تعاستهم، وذلك لتحقيق مراد الله من خلق الإنسان في خلافته واعمار الأرض ، وهو ما يعرف حالياً ب”التنمية المستدامة” وهو ما يؤكده قول الله عز وجل : ( يا أيها الذين الناس إنا خلفناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير “( سورة الحجرات الآية 13.
ولو لم تكن هناك حكمة وراء هذا التنوع البشري والثقافي، لجعل الله الكون أمة واحدة، مصداقاً لقوله عز وجل : “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”. سورة المائدة الآية 48
والسيرة النبوية الشريفة لقدوتنا نبينا ورسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام وترشدنا إلى الطريقة التي انتهجها رسول الإسلام (صلعم ) في التعامل مع مكونات وتعبيرات المجتمع الإسلامي الأول.. لأننا ندرك أن مجتمع عصر الرسالة، يحتضن تعبيرات متعددة، والرسول حقق وحدة المسلمين الداخلية عبر احترام حقائق التعدد والتنوع.. لأن الوحدة الحقيقية والصلبة في أي مجتمع، هي تلك الوحدة التي تبنى على قاعدة احترام حقائق التنوع وصيانة حقوق جميع المكونات والتعبيرات… وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) رواه الإمام أَحمد فِي مُسْنَدِهِ. في الحديثِ: بيانُ الأصْلِ الصَّحيحِ الذي يَتَفاضَلُ به النَّاسُ، وهو التَّقْوى والعَمَلُ الصالِحُ، وأنَّ جَميعَ النَّاسِ مُتَساوونَ أمامَ الشَّرعِ وتعزيز مبدأ التقبل والتنوع ..
تعريف كلمة التنوع لغويا وفق معاجم اللغة
التنوع ( اسم ) وفعله : تنوع ، تنوَّعَ يتنوَّع ، ويقصد به تنوع الأشياء من حيث اختلاف أشكالها وألوانها مناظرها ، تنوع البشر من حيث اختلاف العمر والجنس والجنسية الدين واللغة والثقافة ، التنوع اصطلاحاً ً ” تعدد الأشكال التي تعبّر بها الجماعات والمجتمعات عن ثقافاتها. وأشكال التعبير هذه يتم تناقلها داخل الجماعات والمجتمعات وفيما بينها.
وهذه التعريف للتنوع يشير إلى التمايز بين الاشياء والمخلوقات لاسيما البشر في الخصائص والصفات والبيئات مما ينتج عنه التنوع في السلوك والعادات والتقاليد والمعتقدات واسلوب الحياة، و لا يعني عدم التشابه فالبشرية تنتمي الي أصل وجزر واحد مشترك فالتشابه موجود ولكنه لا يلقي التنوع حتى داخل الجنس او الأمة الواحدة .
كما أن مفهوم التنوع يشمل القبول والاحترام و الاعتراف بالفروق الفردية وتقديرها ، وهو يعني معرفة أن كل شخص متفرد في ذاته وإدراك اختلافاتنا الفردية. ويمكن أن يكون لذلك أبعاد كبيرة فيما يتعلق بالسلالة أو العرق أو النوع أو الجنس أو العمر أو المعتقدات الدينية أو القدرات النفسية أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي و غير ذلك .
وتعريف كلمة الثقافة لغويا أصل الثَّقافة في اللُّغة مأخوذ من الفعل الثلاثي ثقف بضمِّ القاف وكسرها، مفردها (ثقافة ) ، جمع ( ثَقافات ) وتُطلق في اللُّغة على العديد من المعاني، فهي تعني: الحذق، والفطنة، والذَّكاء، وسرعة التَّعلم، ويقال ثقف الشيء ثقفآ وثقافة إذا حذقة ، و ثَقُفَ الرَّجُلُ” : صَارَ حاذِقاً فَطِناً مَاهِراً مُتَعَلِّماً .. وتعني كلمة ثقافة، كل ما يضيء العقل، ويهذب الذوق، وباشتقاق كلمة ثقافة من الثقُّف يكون معناها الاطلاع الواسع في مختلف فروع المعرفة، والشخص ذو الاطلاع الواسع يُعرَف على أنّه شخص مثقّف.
أما الثقافة اصطلاحا فهي جميع ما يكتسبه الإنسان من صنوف المعرفة النظرية والخبرة العملية طوال عمره، وتحدد بالتالي طريقة تفكيره ومواقفه من الحياة والمجتمع والدين والقيم، بغض النظر عن الجهة التي حصل منها على تلك المعرفة أو الخبرة، سواء كانت من البيئة أو المحيط أو القراءة والاطلاع أو من التعليم المدرسي والأكاديمي أو من أي طريق آخر.
كما تُعرَّف الثقافة على أنّها نظام يتكوّن من مجموعة من المعتقدات، والإجراءات، والمعارف، والسلوكيات التي يتمّ تكوينها ومشاركتها ضمن فئة معينة، والثقافة التي يكوّنها أيّ شخص يكون لها تأثير قوي ومهم على سلوكه، وتدلّ على مجموعة من السمات التي تميّز أيّ مجتمع عن غيره، منها: الدين، والأعراف، والعادات والتقاليد السائدة، والقيم، والفنون، والموسيقى التي تشتهر بها، وغيرها
مما سبق نستنتج أن ” الثقافة” تعني أنماط متكاملة من السلوك البشري تشمل اللغة والأفكار والأفعال والعادات والتقاليد والمعتقدات الدينية والاجتماعية والقيم ، ووجود القدرة على العمل بفعالية كفرد ومؤسسة في سياق هذه المعتقدات الثقافية والسلوكيات والاحتياجات ضمن مجتمعاتهم
فالثقافة هي المرآة التي نقيم بها كل شيء من حولنا. نقوم بتقييم سلوكنا تعاملنا اتصالنا مخاطباتنا تقديرنا احترامنا وهل هذا الأمور التي نطبقها تجاه الآخرين هي لائقة ومناسبة أم غير ذلك !؟ ، هل هي أمور عادية أم غير طبيعية من خلال تجسيدها لثقافتنا !؟ وما جعلني أفكر بعمق في هذه الجوانب هي عندما نكون منغمسين في ثقافة لا تشبه ثقافتنا ، فقد نعاني من صدمة ثقافية ونصبح مرتبكين عندما نتواصل مع ثقافة مختلفة بشكل أساسي. ويستخدم الناس ثقافتهم بشكل طبيعي كمعيار للحكم على الثقافات الأخرى ؛ ومع ذلك ، يمكن أن يصل إصدار الحكم إلى مستوى يبدأ فيه الناس في التمييز ضد الآخرين الذين تختلف “طرقهم في الحياة ” عن طرقنا – لذا أهمية التقبل والتعايش مع الثقافات الأخرى بسلام لتحقيق الهدف المرجو للجميع
ما يعني ” التنوع الثقافي ” ؟
وفق تعريفه في المادة (1) من إعلان اليونسكو للتنوع الثقافي في 2 نوفمبر 2001
التنوع الثقافي بوصفه تراثاُ مشتركاً للإنسانية ، وتتخذ الثقافة أشكالا متنوعة عبر المكان والزمان ويتجلى هذا التنوع في أصالة تعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية ، والتنوع الثقافي ، بوصفه مصدراً للتبادل والتجديد والإبداع ، هو ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية وبهذا المعنى ، فإن التنوع الثقافي هو التراث المشترك ، وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال الحاضر والمستقبل .
من خلال التعريفات والمفاهيم للتنوع الثقافي والتي ليست للتغني بها وإنما يجب علينا أن ندرك أن الخطوة الأولى للتعامل البناء مع التنوع الثقافي هي إدراك أنه موجود وأن نتعلم ولا نخشى منه ، ويوجد لدينا التوجيه رباني واضح للتعامل والتعايش مع هذا التنوع الثقافي كما يوجد أيضا لدى المعتقدات الدينية الأخرى ، وهناك مبادئ نادت بها المنظمات العالمية لتعزيز التنوع الثقافي ويمكن من خلال ذلك الربط بين الثقافات عن طريق توجهات اساسية ، فينبغي ابتداء أن نتعرف بأننا لا نعرف كل شيء . فمعرفتنا بأننا لا نعرف كل شيء، وأن فرضياتنا قد تكون خاطئة ، هي جزء من عملية الوعي بأن هناك آخرين على سطح هذا الكوكب لهم ثقافات أخرى ، تختلف عن ثقافاتنا ولكنها ليسنا على خلاف معها ، وهناك عدة مستويات تعكس مدى نمو إدراك الأفراد للتنوع الثقافي .
فهناك المرحلة الضيقة التي يظن فيها المرء أن طريقته لعمل الأشياء هي الطريقة الوحيدة ، ولا يوجد طريقة غيرها .. وهو في ذلك يتجاهل أثر ذلك التنوع الثقافي .. وهناك من يرى أنه يعرف طريقة الآخرين ، ولكن طريقته هي الأفضل ، وفي هذه المرحلة فأنه ينظر إلى التنوع الثقافي كمصدر للمشكلات وينحو إلى تجاهله أو التقليل من أهميته ، وهناك من يرى الامر على شكل : طريقتنا وطريقتهم ، فيدرك أن له طريقة في فعل الأشياء ، وأن هناك طرقا أخرى للآخرين لفعل هذا الأشياء ، ويقوم باختيار أفضل الطرق حسب الحالة .. وهو في هذه المرحلة يدرك أن التنوع الثقافي يمكن أن يكون مصدراَ للمشكلات أو مصدراً للفائدة ، ويتطلع لاستخدام هذا التنوع لإيجاد حلول وبدائل جديدة
أما أعلى مراحل الإدراك للتنوع الثقافي ، فهي تلك التي تجمع أناساً ذوي خلفيات ثقافية متنوعة من أجل إيجاد ثقافة ذات معان مشتركة ، تنشأ من الحوار المتكرر مع الآخرين ، وخصوصاً في المواقف الجديدة التي يشوبها الغموض .. ففي تلك المواقف ينبغ التصرف بهدوء وروية ، وفتح حوار الآخرين يؤدي إلى تعزيز معان وقواعد جديدة لمواجهة متطلبات تلك المواقف .. وينبغي أثناء سعينا لفهم التنوع الثقافي .. أن لا ننسى التعاطف فلكي نفهم الآخرين علينا أن نضع أنفسنا مكانهم فإن هذا سيساعدنا على أن نتعلم كيف ويودون أن نعاملهم .
وأخيراً التنوع الثقافي هو سمة مميزة للبشرية ، و يشكل تراثا مشتركا للبشرية، و ينبغي إعزازه والمحافظة عليه لفائدة الجميع، لكونه يعتبر عالماٌ غنياً ومتنوعاً يتسع فيه نطاق الخيارات المتاحة وتتعزز فيه الطاقات البشرية والقيم الإنسانية، و يشكل من ثم ركيزة أساسية للتنمية المستدامة للمجتمعات والشعوب والأمم ، و دور هادف في تعزيز الديمقراطية العدالة الاجتماعية والتسامح والاحترام المتبادل بين الشعوب والثقافات، لا غنى عنه للسلام والأمن على الصعيد المحلي والوطني والدولي .
المراجع :
- رابط إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي https://www.un.org/ar/events/iyl/resources/127160m.pdf
- https://ar.wikipedia.org/wiki/
- https://wiki.kololk.com
- https://sotor.com
- https://mawdoo3.com
- مسؤول التخطيط والمتابعة، والمشرف العام لبرنامج العلاج بالموسيقى ، والمشرف للفريق البحثي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، ورئيس رابطة التوعية البيئية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حتى الآن
- حاصلة على بكالوريوس من جامعة بيروت العربية ، وعلى العديد من الدبلومات المهنية والتخصصية العربية الدولية في مجالات التخطيط والجودة والتميز والتقييم والتدريب
- اختصاصي في التخطيط الاستراتيجي والاستشراف في المستقبل – LMG – جنيف ، سويسرا
- مدرب دولي معتمد من الأكاديمية البريطانية للموارد البشرية والمركز العالمي الكندي للتدريب وجامعة مانشستر وبوستن
- خبير الحوكمة والتطوير المؤسسي المتعمد من كلية الإدارة الدولية المتقدمة IMNC بهولندا
- مقيم ومحكم دولي معتمد من المؤسسة الأوربية للجودة EFQM، عضوة مقيمة ومحكم في العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية خبيرة في إعداد تقارير الاستدامة وفق المبادرة العالمية للتقارير – GRI
- مدقق رئيسي في الجودة الإدارية أيزو 9100 IRCA السجل الدولي للمدققين المعتمدين من معهد الجودة المعتمد بلندن – CQI
- أعددت مجموعة من البحوث و الدراسات منها ما حاز على جوائز وقدم في مؤتمرات
- كاتبة و لديها العديد من المقالات المنشورة في الصحف و المجلات وبعض الإصدارات
- قدمت ونفذت العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات الهادفة والتطوعية والمستدامة لحينه
- حاصلة على العديد من الجوائز على المستوى المحلي والعربي منها : جائزة الشارقة للعمل التطوعي ، جائزة خليفة التربوية ، الموظف المتميز ، جائزة أفضل مقال في معرض الشارقة الدولي للكتاب
- حاصلة على العديد من شهادات الشكر والتقدير على التميز في الأداء والكفاءة.
- شاركت في تقديم العديد من البرامج التدريبية في مختلف المجالات الإدارية والجودة والتميز
- عضوة في العديد من الهيئات و المنظمات التربوية والتدريبية والجودة والتميز والتطوعية داخل وخارج الدولة