في ندوة علمية أدبية حملت عنوان (الذاتية في أدب محمد عيد العريمي)، أقامتها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس، في مقرها بمرتفعات المطار وشارك فيها عدد من الباحثين والمختصين في الجانب الروائي والأدبي العماني والعربي افتتحها الدكتور محمد زروق، وألقى فيها الكاتب محمد عيد العريمي كلمة بالمناسبة أشار فيها إلى مشواره الأدبي وذاتية الكتابة حيث المحصلة الأدبية التي أنُتجت منذ شروعه في مجال الكتابة الأدبية، وقال: كنت وما زلت أعتبر نفسي عابراً على عالم الكتابة بمختلف مستوياتها، لا أقول هذا من باب التواضع المفتعل، بل هي حقيقة لا أجد حرجاً في تكرارها أينما وكلما استدعى الأمر، حتى بعد عشرين عاماً على عملي كمترجم ـ وهي وظيفة أجبرت عليها بعد أن تعذر عليّ العودة إلى عملي السابق في حقول النفط.
ويضيف العريمي: قبل الشروع في الكتابة، توقفتُ طويلاً بعد أن تداعت عليَّ الأسئلة واحتدمت، وظل بعضها يشغل تفكيري طوال الفترة التي أمضيتها في كتابة (مذاق الصبر): ما الهدف من الكتابة عن تجربة شخصية شديدة الخصوصية؟ هل هي رغبة في إعادة بناء كيان جديد بآمال وأحلام جديدة على أنقاض آخر تحطم؟
أسئلة كثيرة طرحها العريمي في هذا الإطار، وأوضح أنه بعد مشوار طويل مع الكتابة كتب إلى جانب الرواية القصة القصيرة والمقالة السياسية والاجتماعية ونشر في بعض الصحف الخليجية والجرائد والملاحق المحلية، وبعد سبعة عشر عاماً من حضوره في المشهد الثقافي العماني، صدر له ستة نصوص سردية بين الرواية، والسيرة الذاتية والرواية السيرية والقصة القصيرة.
قدمت في الندوة أربع أوراق عمل، فقدمت الدكتورة فاطمة الشيدية ورقة عمل حملت عنوان (المسكوت عنه في سرديات محمد العريمي) تحدثت الشيدية عن المسكوت عنه في (حز القيد) ، وهنا أشارت إلى أن العريمي ترك لتأويل المتلقي الكثير من المسكوت عنه في السياسة والجسد وغيرها من المحظورات التي لن يستطيع كاتب عربي مهما بلغت جرأته التعاطي المباشر معها، إضافة إلى وعيه بأهمية الفراغ السردي، والبياض النصي والمضمر من القول في تحريك وعي المتلقي وتقدير دوره الضمني، كما تطرقت إلى ملامح السيرة الذاتية في روايات محمد عيد السيرية (بين الماء والصحراء) و(مذاق الصبر)، فأشارت إلى أن سيرة العريمي والتي بدأت من (مذاق الصبر) واستمرت حتى تخلصت من ذيول الذات ووصلت حتى أمشاج الآخر وتواشجات التاريخ.
أما الباحثة شيخة البلوشية فقد قدمت ورقة عمل بعنوان (الزمان والمكان في مذاق الصبر)، وهنا أوضحت البلوشية أن رواية (مذاق الصبر) لبت بعض متطلبات الزمن في الخطاب السردي وذلك من خلال توظيف مفارقتي الاسترجاع والاستباق، وقد جاءت هذه المفارقات محملة بدلالاتها التي تسوغ العودة إلى الماضي أو القفز نحو المستقبل، وتناولت ما جاءت به (مذاق الصبر) في وصف الأماكن وذكر أسمائها الحقيقية وما لها من دور فعال في إقناع القارئ بصدق ما يسرد عليه، كما عكست تلك الأماكن دلالات نفسية واجتماعية وثقافية، اقتضتها الأحداث والمواقف المختلفة، وقد تمكن الكاتب (محمد عيد) من تجسيد الأماكن ووصفها إلا أن الوصف لم يقتصر على المكان فحسب، بل تعداه إلى وصف الشخصيات والأحوال والظروف وجعلنا أمام صورة الوسط الواقعي الذي عرفته الشخصية المحورية.
وقدم الدكتور صلاح الدين بوجاه ورقة عمل بعنوان (من سلطة السرد إلى سلطة الجسد)، وهنا أشار بوجاه إلى رواية حز القيد حيث يعيد العريمي (الميثاق السيرذاتي) الذي يمثل استقطاباً للسيرة الذاتية والرواية، والقصة القصيرة وغيرها من فنون الكتابة، وأشار الباحث إلى أن العريمي تتنازعه سطوتان، أولاهما سطوة الحكي وثانيتها سطوة الجسد، الجسد المعذب رهين المحابس كلها.
أما الدكتور عمر صديق فقد قدم ورقة عمل بعنوان (صحراء العريمي بين نسغ الوحد وتجليات الإلهام). وأشار في ورقته إلى أن العريمي اتخذ من الصحراء فضاء شاسعاً، وتجلياً بارعاً أبدع وأجاد في تعبيره عن خلجات نفسه الغائرة في كنه اللامعقول، وعشقاً خفياً لامسته ظواهر الصحراء التي لم تلوثها الحضارة، (أما الحضارة فتجلب معها التنافس في القيم الكمالية الزائدة عن الضرورة، والفائضة عن الحاجة) كما قال ابن خلدون في مقدمته، وتناول الباحث شغف العريمي تجاه الصحراء، ومفاهيم التجلي من خلال روايته، وذاكرة قريته الغنية بالأدب والفن الفطري. موضحا أن الإلهام هو مصدر التجلي، وأن الرواية مأخوذة من أعماق هذا البلد المعطاء والإلهام هبة من الله يقتضي القيام بشكرها، والصحراء لا تعرف بل تعاش.