لكي نتمكن من تأطير الموضوع علينا أن نحدد دور السينما كرافد من روافد الإعلام في تطوير المجتمع. والسينما وإن خسرت بعضا من الاستقطاب الشعبي الضخم على حساب الشاشات الصغيرة ولكنها تبقى الجاذب الفعلي لكثير من المجتمعات. وتبقى الصورة هي الرائدة في جذب إحساس المواطن الفرد والذي هو أداة المجتمع الذي تتوجه إليه السينما محاولة التأثير وراجية التغيير في آن من خلال تمرير رسائلها الفكرية والأخلاقية إليه.
تبقى السينما إذاً، في تجوالها الحثيث بين مشاعر الناس وعوائق المجتمعات وحوافزها على السواء، الرائدة الأولى في تصوير الحالة الاجتماعية ونقلها إلى المشاهد لتؤثر عليه بشكل مباشر. لذا فهي تسلط الضوء على العلاقات الإنسانية فيما بينها بمجمل حالاتها الاجتماعية والسياسية والبيئية والثقافية. وبنقل الواقع المعاش، فإنها تنقل إلى المشاهد رسالة تتوخى منها إيصال الفكرة المُرادة إليه، أكان الأمر يتعلّق بالتطور المطلوب أو بالتغيير في كثير من الأحيان، وإن تقوم عمليا به بشكل غير مباشر عن طريق التأثير الحسّي النظري والسمعي عليه. ولكي نرى ما إذا كانت السينما العربية نجحت فعلا في إيصال الواقع المعاش إلى المشاهد، ومن خلاله إلى المجتمع، علينا أن نقيس مدى تعرّف المشاهد على تلك الحالات الاجتماعية المطروحة بداية وما إذا كانت ساهمت في نفث روح التغيير والتطور داخل الشرائح الاجتماعية ثانية بإطلاق ديناميكية مطلبية لا مجال للرجوع عنها. يبقى التأثير الأوّل والأخير والمباشر هو على المشاهد نفسه والذي هو في نهاية الأمر خلية عمل اجتماعية تعمل من داخل الطبقات على جميع مستوياتها لتنقل إليه الذاكرة الحيّة للأحداث والأعراف والمشاكل التي بالإمكان أن يتعرض لها أي فرد. وبنقل الذاكرة الاجتماعية الحية إلى الفرد نفسه عبر جميع طبقاته ومستوياته فإنما تقوم بعملية جراحية بتركيز المبضع الإنساني عبر الذاكرة على المعوقات المطروحة على الفرد من جهة وعلى المجتمع نفسه من جهة أخرى تهيئة لاستئصالها.
وفي مجال الإعاقة إن كنا نتوخى الدقة في معرفة ما إذا كانت السينما العربية قد نجحت في هذا الإطار بالذات علينا أن نرى ما إذا كانت قد أحدثت تغييرا ما في العقلية الرائجة داخل المجتمعات وما إذا كانت هذه المجتمعات قد قامت بقفزة نوعية نتيجة تأثير الصورة السينمائية عليها. هنا أود الدخول إلى صلب الموضوع مباشرة والقول بأن السينما إن نجحت في التأثير على المشاهد في كثير من الأحيان وطرح المواضيع المعاشة والمعاناة والمأساة فإنها قد أخفقت في إحداث تغيير نوعي وإصلاح اجتماعي جذري في كثير من الأحيان وعلى عدة مستويات أهمها المستويين الاجتماعي والبيئي. كما أنها أخفقت وبشكل فاضح في تغيير العقلية السائدة لدى الفرد في التعاطي والتعامل مع الحالات الاجتماعية عامة ومن ضمنها الإعاقات المتعددة.
ونرى تأثير ذلك الإخفاق حينما نرى التهميش المتزايد الذي يتنامى في ظل أنظمة لا اكتراثية في هذا المجال، مع بعض الاستثناءات طبعا، لا تهتم ولا تفكر حتى بأي إصلاح اجتماعي يطال الفئات الاجتماعية الأكثر تهميشا ومن بينها فئة الأشخاص من ذوي الإعاقة. هذا يظهر جليا في مجمل الدول العربية بحيث أن الأشخاص المعاقين لا يزالون يعانون من انتقاص لحقوقهم البديهية والأساسية، ولا يزالون يناضلون من أجل الحصول على بعض الحقوق من خلال قوانين تحميهم وتؤمن لهم أدنى المستويات المطلوبة للعيش بكرامة ودون عوز. ونحن طبعا لم نتحدث بعد عن تكافؤ الفرص وقوانين احترام الفرد مهما كانت إعاقته بليغة. ما وصلت إليها المجتمعات الرائدة في الغرب نتيجة تأثير الفرد نفسه وتفاعله مع المجتمع بات يؤمن للمعوّقين حقوقهم ويسمح لهم بممارسة أعمالهم وواجباتهم تجاه المجتمع في ظل تكافؤ الفرص التي أمنوا له من خلالها متابعة حياته بشكل طبيعي ومستمر حاذفين بذلك جميع العوائق والحواجز القانونية والاجتماعية والعملية. ولا شك أن السينما الغربية قامت بدور فعّال وأساسي، أمر لم ترتقي بعد إليه السينما العربية. برأيي لا يزال الطريق طويلا أمام السينما العربية لكي تتناول الحالات الاجتماعية وتظهر معاناة الأشخاص المعاقين كفئة وليس كحالات فردية تنقل مأساتهم وتكتفي بذلك أمام المشاهد مثيرة فقط أحاسيسه دون أن تتوجه إليه بطرح حلول جديرة بالتفكير فيها.
لست واثقا من أن السينما العربية نجحت فعلا بنقل واقع الأشخاص المعاقين بقدر ما سعت إلى استثارة مشاعر المشاهد للوصول إلى أحاسيسه قبل الوصول إلى عقله وتهيئته لتقبل هذه الفئة الاجتماعية التي تطرح الكثير من التساؤلات في كيفية دمجها في الحركة الاجتماعية الفاعلة والمدعوة بالأشخاص من ذوي الإعاقة. وغالبا ما فشلت في التأثير على الرأي العام في جرّه إلى اتّخاذ مواقف مطلبيّة والضغط على الحكومات المعنية من اجل تسهيل الحياة العملية والفعلية على الأشخاص المعاقين. وما حصل عليه الأشخاص المعاقون من المجتمع هو إما هبة من بعض الحكام، لبعد نظرهم وعلمهم وثقافتهم وتقبلهم لهم كفئة نابضة وحيوية تعيش في مجتمعهم وتؤثر وتتفاعل فيه، كما يحصل عمليا في الإمارات وحاليا في مدينة الشارقة، وإما هو وفي غالب الأحيان ثمرة نضال مرير دام لسنوات طويلة وأتى ببعض الثمار الهزيلة في أغلب الدول العربية.
وتبقى السينما العربية، برغم اهتمامها بالقضايا الاجتماعية عامة، بعيدة عن المستوى المطلوب في طرح مسألة الإعاقة والتعريف بها، وهي لا تزال في غياب أو هروب، كالحكومات نفسها، من مواجهة المسألة بشكل جدي وفاعل كي يكون التأثير على المستوى المطلوب فيجدي نفعا.
ولكي نرى مدى التهميش الحاصل للأشخاص المعاقين يكفي أن نرى مدى التغييب الفاضح على الشاشات المرئية الفضائية لأمورهم وعدم الاهتمام بهم، وإن فعلوا فلأنهم مضطرون في مناسبات رسمية قليلة وكأنهم يستعرضون عرضا ما على الملأ لوجود رسميين، فلا يطرحون برامج تهيّئ الفرد لتقبل فكرة الدمج المطلوبة وسن قوانين تحمي وتنقل الأشخاص من ذوي الإعاقة من التهميش إلى مرحلة التواصل والعمل مع غير المعاقين. قد لا يكون مطلوبا من السينما العربية طرح الحلول أو المطالبة بتغيير الأوضاع، إذ ليس هذا دورها، لكن عليها أن تتوجه بشكل جدي وجيد إلى الناس في طرحها لكي تتوضّح الفكرة لديهم ولا تبقى مبهمة وهذا ما لم يحصل بعد. وتبقى فئة الأشخاص المعاقين في المجتمعات العربية قابعة تحت نير النسيان وما من أحد يريد أن يسمع أو يود الاهتمام بها لأنها تشكل عائقا لا يمكن تخطيه بأي شكل من الأشكال في دولنا حيث لا توجد بعد قوانين فعلية تحميهم وتساندهم وتعتبرهم فئة فاعلة ضمن المجتمع ـ وإن وجدت فهي لما تأخذ بعد طريقها إلى التنفيذ. وتبقى معاناتهم الإنسانية جرحا نازفا في كثير من الأحيان تحاول الحكومات تجاهله أو التنصل منه نظرا للإحراج الذي سيتعرضون له في حال اتضاح تقصيرهم أو عدم اهتمامهم الفعلي بهذا الأمر، أقله من خلال سن القوانين اللازمة والأساسية التي يتمتع بها الأشخاص المعاقون في الغرب. هذا الأمر يقذف بهذه الفئة أكثر فأكثر نحو التهميش قاذفا بمعاناتهم إلى صعاب لا تحتمل في صراع مرير وحاد ما بين الموت والحياة.
قد تكون المجتمعات غير مهيأة بعد لتقبل الأشخاص المعاقين، ولكن الأفراد بالتأكيد قد أصبحوا واعين أكثر فأكثر لمشاعر وأحاسيس هذه الفئة وهم حتما يتعاطفون أكثر بكثير من حكوماتهم في هذا المجال ويتقبلونهم بينهم، بينما لا تزال المؤسسات الرسمية والخاصة في مجمل الدول العربية ترفض توظيفهم وتتجاهلهم إلا في الحالات النادرة. وتبقى السينما العربية عاجزة عن التعريف بقضية وأهمية وشمولية قضية الأشخاص من ذوي الإعاقة، كما أنها لا تزال عاجزة وربما متقاعسة عن الدفع بالأفراد والمجتمعات إلى تبني هذه القضية لتخطيها نهائيا كما حصل في الغرب.
إن السينما العربية حتما قد أغنت الذاكرة بمخزون كبير من القضايا الاجتماعية المتفشية منها والمعقدة ولكنها وقفت حيرى أمام الإعاقة تنظر إليها ولا تعرف كيف التصرف أو التعاطي معها. لقد باشرت السينما على اعتبار الأشخاص المعاقين حدثا منطلقة من هذا المنظار نحو تأثيرات خاصة وفردية وباحثة نحو انفعالات قد لا تكون موجودة أصلا لدى الشخص المعاق ولم تتمكن من تصويره كما هو، إنسانا قبل كل شيء، قبل أن يكون حدثا تحاول استغلاله في كثير من الأحيان. نعم فالسينما وإن نقلت الواقع فهي غالبا ما نقلت صورة مشوّهة، أو أقله غير صالحة، عن الإعاقة والأشخاص المعاقين، ناقلة أحيانا أحداثا وهمية لا وجود لها دون أن تهتم بتصوير الشخص المعاق العاقل والناضج القادر رغم إعاقته على إثبات وجوده في المجتمع كأي فرد آخر. هناك تقصير برأيي إن من ناحية المعنى وإن من ناحية الفهم في التعاطي مع فئة الأشخاص المعاقين بالإجمال، وهذا ما يحدو في كثير من الأحيان إلى نقل الصورة الخاطئة والمثيرة للجدل عن هذه الفئة بالذات. هكذا فإننا نرى مجمل الأفلام العربية لا تُظهِر في مشاهدها أشخاصاً معاقين يشاركون في الحياة الاجتماعية وكأن المجتمع العربي خال تماما منهم! قد يكون عدم الفهم في التعاطي مع هؤلاء الأشخاص هو السبب، قد يكون السعي إلى نقل صورة جمالية تبعد الرائي عن الفكرة الأساسية ألا وهي التعريف بهذه الفئة، قد يكون التصوّر لدى المخرج أو المنتج يختلف كلّيا عن المفهوم المطلوب طالما أنه غير معاق لا يعاني مشاكل الشخص المعاق نفسه، وفد يكون عدم وصول أشخاص معاقين قادرين على مسك زمام الأمور بنفسهم للتعريف عن قضيتهم هو السبب الأساسي في عدم وضوح الرؤيا لدى السينما العربية في الاتجاه الصحيح.
أصبح الغرب سباقا في مجال الاهتمام بالأشخاص المعاقين، وقد ساهمت السينما الغربية بشكل أساسي في التعريف بهذه الفئة ونجحت في نقل الصورة اللازمة للمشاهد. وقد نجحت المجتمعات الغربية في دفع الحكومات المعنية إلى تشريع القوانين حسب ما تتطلبه تلك الفئة بحالات أفرادها الجسدية التعويقية وما تفرضه من خصوصيات إن في المجتمع أو على المستوى الفردي، واضعة بذلك الإصبع على الجرح ومعالجة المسألة بشكل جذري لكي تتناولها من جميع جوانبها وتضع لها الحلول المناسبة.
أتمنى أن أكون قد أسهمت في هذه السطور بإغناء النقاش وإثراء الأفكار من أجل مصلحة الأشخاص من ذوي الإعاقة وتأهيلهم في مجتمعاتهم بشكل أفضل ويبقى المستقبل القريب منه والبعيد الشاهد الأول والأخير على إمكانية تحقيق ما نصبو إليه وبما يدفع بعملية التأهيل إلى الأمام ويدفع بالشخص المعاق إلى مواقع متقدمة من أجل أخذ موقعه في المجتمع والاندماج فيه مثله مثل غير المعاقين.
ولد في 18 أيلول / سبتمبر 1954 في بلدة مجدل المعوش ـ الشوف – جبل لبنان – لبنان.
أنهى دراسته الثانوية سنة 1973.
أصيب سنة 1982 بمرض مزمن وتورّم في المفاصل ممّا حدّ من حركتها.
أنهى دراسة الطب سنة 1987 في جامعة روما.
أنهى تخصصه سنة 1993 في علم الروماتيزم وفي علم المناعة والحساسيّة.
عاد إلى لبنان في تشرين الثاني من سنة 1993 لمزاولة مهنة الطب.
أصيب سنة 1997بقصر في النظر نتيجة الداء المزمن.
تحوّل إلى الكتابة سنة 1998 في محاولة لإعادة تأهيل النظر.
صدرت الطبعة الأولى من ديوانه الشعري "كلمات مشاكسة" في 11 آذار / مارس من سنة 2002.
له مقالات عدّة في جريدتي النهار والديار اللبنانيّتين وفي مجلات محلية عدة.
له قراءات في كتاب مذاق الصبر للكاتب محمد عيد العريمي (دراسة موضوعية تحليليّة), صدرت مع الطبعة الثانية للكتاب، كما في جريدة الوطن في سلطنة عمان وفي مجلة المنال التي تصدر عن مدينة الشارقة الشارقة للخدمات الإنسانية.
يعمل منذ عودته إلى لبنان، في مستشفى الحايك – سن الفيل – بيروت ـ لبنان.
نال ميدالية تقدير في أسبوع الكتاب من إدارة معهد الرسل آذار / مارس 2003.
نال شهادة تقدير من رابطة خريجي معهد الرسل في مهرجان الفكر والفنّ آذار / مارس 2004.
نال في 28 آذار / مارس 2005 جائزة الشارقة الأولى للمعوقين المبدعين عن روايته: (على طريق البصر),.
صدرت قصة قصيرة له بعنوان: (رحلة من الجنوب إلى الجنوب), عن حرب تموز / يوليو 2006 في مجلة (المنال), في عددها الخاص الذي حمل الرقم 206 لشهر سبتمبر / أيلول ـ المجلد العشرون سنة 2006.
صدرت أوّل طبعة لروايته على طريق البصر سنة 2007 عن منشورات مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
نال تكريم وتقدير الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب في كانون الأول / ديسمبر 2007 .
شارك في أيلول / سبتمبر 2007 في المهرجان العالمي الأول للشعر في باريس.
يشارك بنتاجه الأدبي في عدة مواقع ومنتديات أدبية عربية.
عضو في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.
عضو في إتحاد: (شعراء العالم),.
عضو في إتحاد شعراء بلا حدود.
يتنقل ما بين إيطاليا ولبنان للعلاج.