وداد معروف كاتبة من مصر، لديها نظرة واضحة للحياة تملك المنطق والثراء، تقدم شهادة قاسية ضد العنف الذي يمارس ضد الضعفاء والمهمشين في المجتمع، وتكشف قصتها (زيت الورد وأشياء أخرى) عن خلل داخل مجتمع، وتحدد نوعه، و لا تترك بأسلوبها هامشا كبيرا لتفسيرات متناقضة، ولا أحب أن انخدع بمقولات متعددة تعنى أن كتابه المرأة عن المرأة تعنى الأنثى، لأن الكاتبة هنا تنطلق من الموقف الإنساني، وليس غيره، حتى مع إيراد الملامح الأنثوية بالقصة، فهذا الموضوع يمكن تطبيقه على الطبقات الضعيفة المهمشة في المجتمع وليس المرأة فقط وعندما تنتهى القصة (وسيظل فمي مغلقاً للنهاية ولن أقول شيئاً) فهو سلوك أنتجه الضعف، والقهر غير الإنساني الذي يقع دائماً على الطبقات المهمشة والضعيفة في المجتمعات ـ رجال أو نساء أو أطفال ـ لكنه يدل على أن خطاب القهر مرفوض من جانب الضعيف، لكن رفض غير معلن، لأن الرفض العلني سيحدث مواجهة تنتهى بقهر آخر.
الكاتبة وداد معروف
هذه القصة، يندمج فيها الشكل والمضمون ويتلاحمان بشكل عضوي وفعال، ورغم أن الخلفية مجتمع متخلف وقاهر، لكنها لم تسقط في المباشرة أو التقريرية، واستطاعت رغم حيزها الصغير، أن تخلخل البنية الاجتماعية والثقافية لشخصيات مختلفة، تتقاطع عوالمهم، والأفكار فيها تطرح كفيض لوعى فتاة، يكشف عن طبيعة الشخصية ووحدتها، واضطرابها وعذابها من أثر المعاناة، ولكن هذه الأفكار نفسها تكشف عن تناقضات الواقع، وبؤسه وزيفه، وكوابيسه، وتركز الضوء على عالم بشع مستغل، ليس للفتاة فيه حق الكرامة، وإنما حق التمزق، وطريقة العرض في القصة، تفترض عدم وجود إصغاء من أحد – رغم وجود الأم – أي عدم وجود استجابة، لذا فالنص يفجر الصراع بكل السطور داخل المتن، لكنه صراع لا ينتهي بثورة، بل هو مجرد صراخ داخلي مقموع.
والسطور الأولى من القصة تدخلنا إلى عوالم الدجل والشعوذة عندما تذهب الأم بابنتها إلى أحدهم من أجل وقف الحال والمقصود الزواج:
(على مائدة في زاوية من الغرفة وضع قارورة الزيت وزجاجة الماء المثلج ومجمرة البخور، أشار إليها أن تتمدد على السرير، انقبضت من هذا الطلب، لكن إشارة أمها جعلتها تلقى بطرحتها جانباً وتستجيب، ثبتت عيناها في السقف لتهرب بهما من عينيه، بدأ يتلو عليها آيات القرآن؛ لا تعرف لماذا خفت صوته وتطلسمت كلماته فلم تعد تفهم ما يغمغم به، قرّب المنضدة منه ومن تحت الغطاء مد يده يدلك جسدها بزيت الورد المخلوط بالزعفران ظل يدعك ظهرها بقوة، تململت من ثقل يده على ظهرها، نهرها قائلاً: اثبتي ألا تري جسدك كيف يتشرّب الزيت! لقد عقد لك سحراً لا يقوى على تحمله بشر).
لكن طقوس الدجل والخرافة التي تعمل عملها في الأم، لا تجد صدى من الأبنة فقد (انقبضت من هذا الطلب) في هذه السطور نلاحظ ظهور صراع ثقافي بين الأم المنتمية لثقافة متخلفة، والأبنة المنتمية للجيل الجديد، والرافضة للخرافات، كما نلاحظ قدرة الدجال بقوله: (لقد عقد لك سحر لا يقوى على تحمله بشر) فيوحي بالقدرة الخارقة التي يملكها، لكن الابنة التي تعرف أحوالها الطبيعية ترفض الخداع:
(وعندما خفت صوته بالطلاسم دعت ربها أن يبرئها من فعل هذا الرجل وقوله؛ فقد انهزمت أمام إلحاح أمي فسلمت وأنا كارهة، وددت أنى قذفت هذا الرجل وزجاجاته من النافذة).
وتظهر حيل الدجالين المتجددة والمتطورة بتطور العصر في المقطع التالي:
(حتى وإن تواريتم خلف المناصب المرموقة وخلعتم السبح والمرقعات واتخذتم البدل وربطات العنق واستبدلتم بلقب الشيخ لقب الدكتور لن يغير هذا من حقيقة دجلكم شيئاً).
ثم يظهر الصراع الثقافي بين الأم والأبنة في السطور التالية:
وجلست سلمى قبالتها تهدئها وبصوت باك قالت:
ـ دعيني أحيا كما أريد، هل سيختل الكون لو ظللت فيه فتاة دون زواج؟ لن يختل وإنما أنا عقلي هو الذي سيختل.
ـ كيف أتركك دون زواج دون رجل يحميك ويدفع عنك الطامعين ويقوم على شؤونك؟
لكنى ناضجة وأعمل وأعول نفسي فما حاجتي لرجل؟
ـ ولو كنت محافظ هذه المدينة؛ فأنت امرأة قليلة الحيلة لا تستطيعين أن تمشي وحدك ليلاً إلا في حراسة أب أو أخ أو زوج.. بلغت الخامسة والثلاثين ولن أتفرج عليك وأنت تذبلين أمامي.
إن الأم التي تؤمن بأن الرجل هو الحامي، وعاشت طول عمرها على هذا الإيمان، هي نتاج لتراث ثقافي أبوي يرسخ في ذهن المرأة الضعف والقهر ويدفعها للتهميش، وهي أيضاً في نظر الابنة تعيش على إيمان مغلوط، فالابنة عندما تنادي بحريتها، طالبة الحياة كما تريد، تكشف عن تجربتها التي منحتها اليقين بأن الرجل ليس الحامي بل المدمر لحياتها.
تنكشف لنا مع القراءة، ثلاثة ثقوب أو ثلاثة تدميرات لحقت الفتاة في سني حياتها المختلفة من طفولتها وحتى صباها إلا أن آخرها كان أشدها إيلاماً، تلخصها هي في هذا المقطع:
(فهذا هو الرجل الذي يريدون أن احتمي بظله؛ العجوز والمراهق والناضج كلهم ذكور وكلهم هتكوا ستري ودنسوا براءتي، في كل مرة انتهكت فيها لم أقل شيئاً…!! قفزت وعدت إلى مقعدي على ساقي العجوز ولم أقل شيئاً، عندما صعدت من المنور شاحبة مكدودة مقطوع فستاني الأحمر لم أقل شيئاً – انسحبت من بيت أختي بهدوء بعد فعلة زوجها ولم أقل شيئاً؛ وسيظل فمي مغلقاً للنهاية ولن أقول شيئاً).
القصة مثقلة بكثير من الهموم فهي في الأساس تطرح قضية التحرر من ثقافة سلبية ومجتمع بطريركي، حيث تكون الفئات الضعيفة والمهمشة في منطقتين، منطقة القبول والطاعة، ومنطقة الرفض المحاصرة داخلياً، وتظهر الحرية المنقوصة للمرأة من جانب أم لا تشغل نفسها بما تريد ابنتها بل بما تريد هي، فالأم الذى وقع عليها القهر سابقاً استسلمت مع الزمن لثقافة القهر ثم إلى الاندماج فيها، بحيث تحولت هي أيضاً إلى منتج لتلك الثقافة، تمارسها على الجيل الجديد وهى هنا ابنتها التي تعيش مقهورة من طفولتها، في حالة لا يمكنها فيها التحكم في اختياراتها فنقصت حريتها، وانزوت قدراتها الابتكارية والإبداعية.
إنه الصمت المؤلم في لحظة الحداد على النفس، الذي تتكبده نساء كثيرات يتعرضن لهذا الانتهاك الجسدي، وفى ركن ما ينزوين وهن يرتدين السواد وقلوبهن تنزف، لكنه من ناحية أخرى يعبر عن قوة، فلا يمكننا أغفال عزة النفس والكبرياء، في لحظات السكوت الناتجة عن العجز، فأي كلام هنا، هو شكوى من البطش والطغيان، تقدم للبطش والطغيان، فأي فائدة ستجنيها، وأي عدل ستناله، والمجتمع البطريركي حولها لا يرحم؟
يتضح ملمح الأزمة الاجتماعية فيما نراه من تدهور القيم والقهر غير الإنساني، والكاتبة تترجم عوالم الشخصية الخاصة بوعي تام ولغة سهلة، واستطاعت رسم عوالم حقيقية، من خلال الدقة في اختيار الموضوع وتحويل الزمان والمكان إلى مشاهد درامية، رغم أنها لم تمنح المكان خصوصية حقيقية، وأصبح مكان الصراع الحقيقي هو الداخل النفسي.
سعيد رمضان على، إسكندرية، مصر
عمل في شمال سيناء، زار غزة عدة مرات ثم أقام فيها عدة سنوات وحاليا مقيم في الإسكندرية.
أصيب بالصمم في سن مبكرة، كان من أثره تركه الدراسة المنتظمة، فلم يستكمل تعليمه النظامي، لكنه استمر في الدراسات الحرة.
الأعمال والتكريم
- روح هائمة، رواية، دار نشر ميدلايت 1990، القاهرة.
- الأرض والنهر، مجموعة قصصية، دار نشر ميدلايت 1991، القاهرة.
- السينما المصرية والإعاقة، دراسة 2005، مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- سيناء (الأهمية والمعنى) الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 2008، القاهرة.
- رواية أمواج ورمال، دار نشر فكرة. 2009، القاهرة.
- مسرحية الانهيارات، دار نشر هفن، 2009، القاهرة.
- السمورة وأنا، سيرة روائية، دار الأدهم للنشر، 2013، القاهرة.
- مقالات نقدية في الأدب والسينما والفن التشكيلي الفلسطيني، نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، وعلى عدة مواقع مختلفة.
- كرم من الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر في مؤتمر الإسماعيلية الأدبي عام 1995.
- حصل على شهادات تقدير من المجلس الأعلى للشباب والرياضة بمصر في مركز إعداد القادة بالقاهرة عن أعماله في القصة القصيرة، والمسرح وذلك عامي 1995، 1996.
- كرمته الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية 2005 في ملتقى المنال عن دراسته (السينما المصرية والإعاقة)
- استضافه المؤتمر العلمي الأول حول قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة بالقاهرة عام 2009.
نقد ودراسات عنه
دراسة عن روايته روح هائمة للناقد محمد قطب نشرت في كتاب مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي 1995.
دراسة عن مجموعته القصصية (الأرض والنهر) للناقد الدكتور محمد حسن عبد الله نشرت في كتاب مؤتمر إقليم القناة وسيناء الثقافي عام 1995.
دراسة عن مسرحيته الانهيارات للدكتور نادر عبد الخالق بعنوان البناء والتخطيط في مسرحية الانهيارات نشرت في جريدة الزمان مايو، 2019.
دراسة عن مسرحيته الانهيارات للناقد العراقي صباح الأنباري بعنوان (الانهيارات من بداية السقوط حتى نهاية الهزيمة) نشرت على موقع الناقد على النت.
دراسة في مجموعته الصمت للناقد سيد الوكيل، نشرت في كتاب أبحاث المؤتمر العلمي الأول، هيئة قصور الثقافة 2009، القاهرة.
دراسة عن رواية أمواج ورمال للناقد حاتم عبد الهادي نشرت في نشرة مؤتمر اليوم الواحد بالشرقية.
مقالات نقدية عن بعض قصصه القصيرة للناقد سمير الفيل نشرت بموقع القصة العربية.