العلاج بالدراما هو وسيلة لتعزيز المهارات الاجتماعية من خلال لعب الأدوار المسرحية، والتمثيل الصامت، والموسيقى، والغناء، ورواية القصص، وممارسة العادات والتقاليد، والتمثيل بالدمى، والألعاب والمسابقات المسرحية. ويهدف هذا النوع من العلاج إلى تعزيز الثقة وزيادة الوعي الذاتي، والتخفيف من التوتر، وتقوية الاستقلالية. كما يعمل العلاج بالدراما على تطوير مستويات متنوعة من المهارات: الجسدية، والعاطفية، والخيال والمهارات الاجتماعية.
هناك العديد من الجوانب المختلفة للعلاج بالدراما، وهو طريقة تستخدم عبر مجموعة واسعة من المراكز المقدمة لخدمات التأهيل والتي من ضمنها مراكز التوحد. إذ لا يقتصر العلاج بالدراما فقط على القدرات اللفظية أو المعرفية للطفل من ذوي اضطراب طيف التوحد، بل إن النهج العلاجي للدراما يجمع بين مجموعة متنوعة من المهارات التي تدعم قدرات الطفل. ويرجع ذلك إلى مجموعة متنوعة من التقنيات المستخدمة في العلاج بالدراما. وفي هذه المقالة القصيرة سنلقي الضوء على أحد الجوانب العلاجية المقدمة للأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد والتي تنطوي تحت العلاج بالدراما، هذا الجانب هو أسلوب رواية القصص كأداة تستخدم في العلاج بالدراما عند العمل مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.
ضمن جلسة العلاج بالدراما، دائماً ما يكون هناك “مراسم” للافتتاح والاختتام تعمل على تهيئة الطالب لما سيحدث، وغالباً ما تكون هذه المراسم عبارة عن أغنية. والجدول المعتاد لجلسة العلاج بالدراما يشمل مراسم الافتتاح، الاحماء، الحدث الرئيسي، انعكاس الحدث على الواقع، وأخيراً مراسم الاختتام. ولأن الجداول مطلوبة عند العمل مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، فإن العلاج بالدراما بتصميمه يوفر المحتوى بوسائل التنبؤ المطلوبة في هذا المجال.
إن مقاومة التغيير والحاجة إلى الروتين ووسائل التنبؤ هي سمات مرتبطة مع الأطفال المصابين بطيف التوحد. وتستخدم هذه الجداول والأعمال الروتينية ضمن نظام معين يساعد على تخفيف القلق والسلوكيات غير المرغوبة للطفل، ولكن، في حال الإفراط في تشديد هذا النظام فإنه يمكن تقييد الطفل من الوصول إلى تجارب جديدة. إن الجداول المنتظمة ضمن جلسة العلاج بالدراما تساعد في توفير عنصر السلامة المطلوب للروتين اليومي للطفل. ومع ذلك، فإن التحدي المطلوب للطفل من ذوي اضطراب طيف التوحد ضمن جلسة العلاج بالدراما هو إدخال عناصر جديدة في كل جلسة ضمن الجدول الخاص بها بشكل يمكن التنبؤ به. علاوة على ذلك، غالباً ما تتطلب جلسات العلاج بالدراما التحرك بدلاً من الجلوس ساكناً. وهذا يجعل من الانخراط في العملية التأهيلية أكثر يسراً للأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد.
وكأي قصة، فإن بنية القصص المستخدمة في جلسات العلاج بالدراما لها بداية ومنتصف ونهاية. ومن أجل الحصول على انتباه الطفل يستخدم العلاج بالدراما القصص التقليدية التي تتضمن التعبيرات المجازية، والإثارة، والأحداث المنظمة القابلة للتنبؤ. هذه التقنية المنظمة توفر البيئة المريحة للطفل خلال الجلسة. ويصبح العلاج بالدراما مصدراً مناسباً لتطوير التفاعل الاجتماعي ومهارات الاتصال من خلال عنصر الإثارة الدرامي، ونبرة الصوت والتقنيات التفاعلية. وعندما يواجه الطفل صعوبة في القدرة على التخيل يمكن رواية القصص باستخدام وسائل التحفيز الحسي المساندة لإشراك حواس الطفل بشكل تام للتفاعل مع القصة، كالأشياء التي يكون لها ملمس أو رائحة معينة مثلاً.
إن تجزئة المهام في رواية القصص ليصبح حجم المهام أصغر مع استخدام الأنشطة التفاعلية والمعدة لتتكيف مع إحتياجات الطفل من ذوي اضطراب طيف التوحد يتيح له فرصة أكبر للتواصل والمشاركة أثناء الجلسة. على سبيل المثال، يمكن تكييف قصة مبنية على “التعاطف” مثلاً من خلال مساعدة “رجل العنكبوت” للانتقال بواسطة شبكة عنكبوتية من الصوف ينشئها الأطفال، حيث سيتضمن هذا النشاط التفاعلي المهارات الحركية اللازمة لحل مغزل الصوف ومدّه إلى مسافات أكبر، ومن خلال هذا النشاط يتضح مقدار التعاطف لكل طفل حسب كمية الصوف التي قام بنشرها. ومشاركة الطفل في هذا النشاط التفاعلي قد تكون مستمرة أو لحظية، إذ تعتمد على مدى تشجيع الطفل للمشاركة والتفاعل. وتعتبر أفضل طريقة لرواية القصص للأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد هي جلسات العلاج بالدراما لما تحتويه من وسائل تساعد على إشراك الطالب ولكونها مصدر للمتعة والتواصل بين الأطفال والمعلمين.
عند استخدام أسلوب رواية القصص في جلسات العلاج بالدراما مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، نحتاج إلى التفكير بشكل دقيق أثناء اختيارنا للقصة. وهذا يشمل ملاءمة سن وثقافة القصة بالإضافة إلى جودة محتواها الدرامي. وقبل كل شيء، يجب أن تحتوي القصة على محاور متعددة تستدعي تضامن الطفل معها. وتحتاج القصة كذلك إلى أن يكون لها امتداد كافٍ من شأنه أن يسمح بتجزئة القصة إلى عدة جلسات. كما أن القصة تتطلب حدوث شيء، أو عقبة يجب التغلب عليها، أو هدف يراد تحقيقه، مما يترك السؤال مفتوحاً على صفات الشخص أو البطل في القصة. مرة أخرى، إن تجزئة القصة إلى أجزاء مختلفة، واستخدام وسائل التحفيز الحسي المساندة أمر في غاية الأهمية لإشراك الطالب من ذوي اضطراب طيف التوحد وتحرير مخيلته.
- معلم التربية الخاصة بمدرسة الوفاء لتنمية القدرات ـ فرع الرملة
- عضو الجمعية الوطنية البريطانية للتوحد
- حاصل على جائزة أفضل معلم تربية خاصة 2008 في دبي
- تمهيدي ماجستير الصحة النفسية جامعة طنطا