يعرف التفكير بأنه العصارة الأرفع شأنا للنشاط الذهني الإنساني وهو يشمل على كل نشاط عقلي وتكون أدواته الرموز بدل الوقائع والمواقف، وهو يشمل مجموعة من الأفكار التي هي مجموعة من الخبرات العقلية، فالفكرة لا تعني مجرد تذكر أواستدعاء صورة بسيطة إلى الذهن، بل هي أكثر تعقيداً وتجريداً، وهي نتاج عقلي يتضمن خبرات ذهنية مختلفة.
والفكرة هي حلقة في سلسلة التفكير، فالطفل خلال تعلم اللغة يقوم بعملية إدخال الأشياء الحسية إلى الفكر عن طريق رموز هذه الأشياء والكلمات الدالة عليها، ويمكن القول أن كل ما يدور في ذهن الفرد من خواطر وتصورات وذكريات ينتسب إلى عالم التفكير، وقد يسلك الإنسان في تفكيره عدة طرائق مثل الاستدلال والاستنباط والتحليل والتركيب والتعميم والتفكير، وهنا يغدو أحد أهم الوسائل الأساسية في التحصيل المعرفي.
وبهذا المعنى يشمل التفكير جميع العمليات العقلية من التصور والتذكر وعمليات الفهم والاستدلال وغيرها ومن هنا يتضح أن للتفكير مستويات مختلفة في تعقيدها وصعوبتها.
واستخدام الرموز في التفكير لا يعني قطع الصلة بيننا وبين العالم الخارجي الواقعي، فقد يقترن التفكير بالملاحظة الخارجية ومعالجة الأشياء معالجة خارجية فعلية كما هو الحال عندما تلعب الشطرنج أو تحل لغزاً ميكانيكياً وهنا نحن لا نستجيب للأشياء من حيث هي بل وفقا لخبراتنا السابقة والمعاني التي استقيناها من هذه الخبرات.
والتفكير يعين الإنسان على استعراض الماضي والتنبؤ بالمستقبل والتبصر في نتائج الأعمال وبهذا يختلف الإنسان عن الحيوان في قدرته على التفكير وفي تصوره للغايات من سلوكه وتخير الوسائل التي تؤدي لتحقيق الهدف وبواسطته يتعلم الإنسان من خبراته وخبرات الآخرين ومن كل زمان ومكان ويستعين به الإنسان لحل مشاكله من دون أن يكلف نفسه عناء متابعتها في العالم الخارجي.
وبواسطته يستخدم مثلاً جدول الضرب ليعرف أن 7 8= 56 بدلاً من أن يستخدم اليدين أو الأقلام أو الحصى لعد ذلك، وبهذا يختصر الوقت والجهد معاً.
وكثيراً ما يكون التفكير حواراً بين المرء ونفسه ويخدم الفرد أثناءه نفسه أو يزجي لها النصح وعندما يصبح الحوار والحديث الداخلي على درجة من العنف يرتفع صوت المفكر أثناء تفكيره.
وقد توصلت بعض التجارب الاستبطانية إلى أننا نستطيع أن نفكر دون كلام باطن، بل عن طريق التصور العقلي لمعانٍ وأفكار كما في التفكير الرياضي والفلسفي وهنا يقف الكلام الباطن معوقاً للتفكير ومعطلاً له عن السير في مجراه المتدفق.
وقد بين العلامة التربوي (جون ديوي) في كتابه كيف نفكر أن التفكير عملية تتضمن مشكلة ما يشعر بها الفرد ويريد فهمها وتفسيرها واقتراح الحلول المناسبة لها والتفكير عملية معرفية تتميز باستخدام الرموز التي تقوم مقام الأشياء.
ويرى الدكتور يوسف مراد في كتابه مبادئ علم النفس أن التفكير شكل من أشكال السلوك يمتاز بأنه خفي صامت وهو بحاجه إلى أداة للتعبير عنه هي اللغة والرموز والتفكير لإشباع حاجة ما.
واللغة عبارة عن عملية رمزية، وكثيرٌ من النشاط الفكري يعتمد على اللغة، لكن يمكن للإنسان أن يفكر باستخدام الرموز اللغوية ودلالاتها من دون استخدام الكلام نفسه.
وبذات الوقت فإن عملية ارتقاء اللغة تؤدي إلى مهارات التفكير وهذا ما شغل علماء النفس اللغوي بطرح السؤال التالي: هل نحن بحاجة إلى استخدام اللغة حتى نفكر؟ وهل العكس صحيح وهل مهارات اللغة ومهارات التفكير تنمو منفصلة عن بعضها أم إنها ترتبط منذ البداية.
لقد أشار (واطسن) زعيم المدرسة السلوكية إلى أن الفكر هو اللغة، واعتبر كلمات التفكير عبارة عن حديث داخلي يظهر من خلال الحركات تحت الصوتية لأعضاء الكلام.
ومن هنا يجب أن نشير إلى أنه كلما كان العمل اللفظي (النطق) صعباً أو عسيراً كلما نشطت الحركات الفكرية تحت الصوتية كما هي الحالات عند المعوقين سمعياً الذين يقدرون على التفكير من دون الكلام وهذا طبعاً إن لم يدربوا على الكلام وهذا يدل على حدوث التفكير من دون واسطة جهاز الكلام.
وترى وجهة نظر مختلفة أن كلاً من اللغة والتفكير يصدران عن جذور مختلفة ففي البداية يمكن أن يوجد ما يمكن وصفه بأنه فكر ما قبل اللغة (وكلام ما قبل العمليات العقلية) وكل منهما يندمج بالآخر تدريجياً كلما اقترب الطفل من مرحلة ما قبل العمليات وعملية اندماج الفكر واللغة لا تكون تامة وتشير هذه الدراسة إلى وجود جوانب استقلال لكل من اللغة والفكر ، وتكون هذه الاستقلالية مستمرة.
ويشير العالم (وورف) إلى أن الفكر يرتبط باللغة التي يمارس من خلالها، ويرى بأن اللغة هي القالب الذي يتم فيه تشكيل عقل الطفل ويرى (برونر) أن الارتقاء المعرفي للإنسان تم عبر مراحل طويلة انتقل خلالها من مرحلة الحدوث الفعلي أو العملي وهي التعلم بالعمل الحسوس نحو مرحلة الحدوث التصوري وهي المرحلة شبه الحسية.
ثم ارتقى نحو الرموز واللغة وهي المرحلة التجريدية العليا وهذا هو السير الطبيعي للعملية التعليمية ولكن يتطلب من المربين تشجيع التصور الرمزي أكثر من التصور الحسي بعد أن يكون الإنسان امتلك زمام اللغة والرموز ليعتاد الأطفال وخاصة الأطفال المعوقون سمعياً على الكلام والتعبير والكتابة والنطق تعبيراً عما يريدون أو يشعرون.
ومما تقدم يجب أن نصل إلى نتيجة هامة وهي أنه رغم الارتباط الكبير بين اللغة والفكر لكن هذا لا يمنع أن يكون لبعض المعاني وجود دون وجود ألفاظ لها.
فالطفل الصغير تدور في ذهنه كثير من المعاني قبل أن يستطيع الكلام بأسمائها علماً بأنه ـ كما أوضحت من قبل ـ أن التفكير يتوقف إلى حد كبير على الصور اللفظية البصرية والسمعية وكذلك على الكلام الباطن وبهذا المعنى تصير اللغة عاملاً من عوامل تنمية الفكر وتنظيمه إلا أن الفكر ليس هو اللغة كما قال واطسن وفساد هذا الرأي تدل عليه الأمور الآتية:
- لقد توصلت البحوث التجريبية إلى أن التفكير قائم لدى الحيوان ولدى الطفل قبل أن يستطيع الكلام.
- يمكن أن نعبر عن أفكارنا بالإشارات والإيماءات دون الحاجة إلى اللغة
- لقد دل الاستبطان التجريبي على أننا نفكر أحيانا بالصور الذهنية والتفكير قد يتم دون أن يقترن بكلام باطن بل قد يهرب أحياناً من هذا الكلام.
- لو كانت اللغة شرطاً ضرورياً للتفكير لاستطعنا أن نعبر عن أفكارنا جميعاً، فأحياناً لا تتماشى اللغة مع التفكير خلال كلامنا العادي لأن الإنسان قد يفكر بشيء وينطق شيئاً آخر، وقد يستطيع الإنسان ترديد قصيدة حفظها عن ظهر قلب وهو يفكر بموضوع آخر.
- وقد يكون التفكير سريعاً بحيث لا تسعفه اللغة فيريد الشخص التعبير عن معنى ما، لكن الكلمات لا تسعفه ويعجز عن اقتناصها للتعبير عما يفكر.
- وقد دلت التجارب أن الزمن اللازم لقراءة صفحة من كتاب ما قراءة صامته أقل من نصف الزمن اللازم لقراءتها قراءة جهرية مهما كانت هذه القراءة سريعة، حيث أننا في القراءة الصامتة لا نقرأ حرفاً حرفاً بل نفهم المعنى. فالتفكير ليس مرادفاً للكلام الباطن بل هو نشاط عقلي أسرع من هذا الكلام وأسبق منه وأكثر منه وفرة وثراء، واللغة هي العملة الورقية التي يتداولها الفكر، فهذه العملة تستمد قيمتها من رصيدها الذهني وإلا كنا حيال عملية بنائية لا عملية تفكير.
والمعاني التي نكونها عن الأشياء ليست صورة ذهنية لهذه الأشياء وليست لصيقة بها، فمعاني الأشياء تتغير وتنمو وتنضج فمعنى الصديق يتغير من كثرة اختلاطنا بالناس وكذلك معنى (الحرية) (والواجب)، فالألفاظ تبقى كما هي لكن المعاني تتغير وتتحور وتتحدد وتصبح أكثر دقة وموضوعية ووضوحاً وبهذا الشكل لا تعود الثروة اللفظية مجرد ألفاظ جوفاء لا يعرف الطفل معناها ولهذا فالخبرات الحسية والتجارب الدالة توصل الطفل إلى المعاني الدقيقة والدلالات الصحيحة.
وقد سبق لنا وأشرنا في هذه الدراسة إلى أن تفكير الأطفال ينطلق من التفكير الحسي والأشياء المفردة المشخصة نحو المعاني العامة والكلية والأفكار المجردة وما يقابلها من ألفاظ وأرقام وهنا يرتقي التفكير عن الجزئيات والمحسوسات الملموسة نحو التفكير المجرد إلى التفكير الحسي الجزئي الملموس.
وتسمى الأفكار التي تتضمن عمليات التفكير الإبداعي بالأفكار التباعدية والتفكير التباعدي هو قدرة الفرد على إيجاد أكبر كمية من الحلول لمسألة معينة.
واللغة بهذا السياق تصير أداة لدى التفكير الإنساني ليس إلا وإن كان الفكر بها يتضح ويصبح أكثر دقة والألفاظ هي معان وهي من صنع العقل والفكر، فالفكر إذن هو الذي يوجد الألفاظ بإدراك معانيها والفكر أيضا هو رائد اللغة وليس العكس، والدليل على ذلك معرفتنا بمراحل نمو اللغة عند الطفل حيث نجد إن فهم الطفل للغة يسبق استخدامه النطق والألفاظ فالطفل يفهم الحركات والإيماءات قبل أن يفهم الكلام ويتأثر بنغمة معينة قبل أن يفهم لفظاً معيناً ثم يتعلم الطفل تدريجياً ربط الشئ بلفظه ومعناه حتى يصبح قادراً على الكلام وفهم الألفاظ.
وباختصار فإن لغة الإنسان وذاكرته وتفكيره تتضمن الخبرات والتجارب والآمال والرغبات والأهداف ولا شئ صنعه الإنسان يضاهي هذه القدرة التي وهبه إياها الله سبحانه وتعالى.
وكل من يحكي عن تفوق الآلات الالكترونية والحاسوب وبرامج الكمبيوتر على قدرة الإنسان اللغوية يكون مكابراً ومضللاً.
وبهذا يصير التفكير إذن نشاطاً عقلياً أسبق وأسرع من الكلام وأكثر منه وفرة وثراء.
الجنسية: سوري
الوظيفة:اختصاصي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
الحالة الاجتماعية:متزوج ويعول أربعة أبناء.
المؤهلات العلمية:
- حاصل على درجة الدراسات العليا في الفلسفة من جامعة دمشق بتقدير جيد جداً عام 1979.
- حاصل على درجة الليسانس في الدراسات الفلسفية والاجتماعية بتقدير جيد جداً من جامعة دمشق عام 1975.
- حاصل على دبلوم دار المعلمين من دمشق عام 1972.
- حاصل على دورة عملية في طريقة اللفظ المنغم من بروكسل في بلجيكا.
الخبرات العملية:
- أخصائي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مدرس من خارج الملاك بجامعة الإمارات العربية المتحدة بالعين.
- عضو بالاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم منذ عام 1980.
- أخصائي نطق في اتحاد جمعيات الصم بدمشق.
- مشرف على مركز حتا للمعوقين بدولة الإمارات العربية المتحدة عامي 2001 و 2002.
المشاركات والدورات:
- عضو مشارك بالندوة العلمية الرابعة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1994.
- عضو مشارك بالندوة العلمية السادسة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1998.
- مشارك في المؤتمرين السادس والثامن للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم 1991 و 1999.
- مشارك في ورشة توحيد لغة الإشارة بدبي عام 1998.
- مشارك في تنظيم وتخريج عدد من دورات المدرسين والمدرسات الجدد في مدرسة الأمل للصم.
- عضو مشارك في الندوة العلمية التربوية بمؤسسة راشد بن حميد بعجمان عام 2002.
- مشارك في عدد من المحاضرات التربوية والتخصصية.
- كاتب في مجلة المنال التي تصدرها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو مشارك في مؤتمر التأهيل الشامل بالمملكة العربية السعودية.
- عضو مشارك في الندوة العلمية الثامنة في الدوحة بقطر.