ربما تسأل نفسك: لماذا أقرأ الكتب الأدب والروايات العربية والعالمية، وهناك ملايين من الناس في العالم لا يجيدون القراءة ولا يحبونها؟ ربما لا يتوفر لديك الوقت الكافي لذلك؛ إذ تصبح القراءة هواية، لا حاجة أساسية.
لعلك لا تدرك أن القراءة هي حاجة إنسانية وليست هواية، وإنها تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً، كما يقول الأديب الكبير عباس محمود العقاد، وبعض القراء يتمتعون بهذه الحياة الجميلة، وهي تؤثر على نفسية القارئ ووقته وتفكيره وعلمه وتجربته الشخصية، فالقراءة لا تجعل القارئ في عزلة مفردة، وإنما عزلة ثقافية، والتي تتجسد فيها الأفكار والأحاسيس، فتغذي عقله، وتجعله يرى الأمور بمنظور بعيد ومختلف، فلذا القراءة عزلة ثقافية نحتاجها، وليست عزلة اجتماعية.
تذكرت العبارات الرائعة التي قرأتها عن القراءة: (نقرأ لنعرف أننا لسنا لوحدنا) سي لويس؛ (البيت دون كتب كالجسد بلا روح) ماركوس شيشرون؛ (القراءة هي أن تذهب بعقلك ومشاعرك خارج حدود المكان والزمان) مصطفى محمود، لكن القراءة بمعناها الواضح، أي قراءة الكتب الأدبية والروايات، التي ليست متعة بالنسبة إلى عدد كبير من سكان العرب، والسبب وراء ذلك هو النشأة في البيوت والمجتمعات والمناهج المدرسية المبرمجة على حشو الدماغ بمواد غير مطلوبة، مما يؤدي إلى النفور من القراءة.
مع ظروف العزلة التي فرضتها علينا أزمة كورونا في الوقت الراهن، قررت أن أستثمر وقتي من أجل قراءة الكتب المتنوعة في المنزل، وأيضاً أقدم دورات تدريبية (عن بعُد) في مجال القراءة والكتابة للصم وضعاف السمع، خصوصاً للطلاب والطالبات في المرحلة الجامعية، وذلك باستعمال المنصة الإلكترونية، مستغلاً هذه الفرصة الجميلة للاستفادة منها بالفعل.
حين تواصلت مع أحد أصدقائي، لاحظت أنه يعاني من الضجر والملل خلال العزلة بسبب الجلوس في منزله بين أربع جدران، وفي تلك اللحظة، شجعته على القراءة للاستفادة من فترة الحجر المنزلي، فرد علي قائلاً: (مع الأسف، القراءة ليست هوايتي!)، وهذه المشكلة التي تكمن في منطق التفكير، وإذا كانت فكرة أن القراءة هواية، في نظره واعتقاده، فتصبح المشكلة أكبر؛ لأنه يظن أن الهواية شيء اختياري وحرية شخصية، وبالتالي فإن القراءة لن تكون إحدى الهوايات.
إن القراءة، أيها السادة، هي حاجة إنسانية وأساسية، وليست هواية كما يظن الكثير، وهنا السؤال: كيف يمكن للإنسان أن يتطور ويكتسب قوة المعرفة؟ الإجابة هي القراءة أولاً وأخيراً، بطبيعة الحال، ولذا لا يمكن أن تكون القراءة مجرد هواية، بل حاجة إنسانية وأساسية، كأنها التنفس والأكل والشرب.
من المعروف أن أوروبا كانت غارقة في الظلام لأسباب سياسية واجتماعية ودينية، بينما الأمة الإسلامية كانت أمة قارئة تنشر شعاع العلم والمعرفة والثقافة، ووصل أهل الغرب إلى الوطن العربي ونهلوا من علومه وحضارته ثم حملوه إلى الغرب، ومع ذلك ترى الثقافة الغربية أن القراءة ليست هواية، بل حاجة أساسية، وهي ليست حكراً على المثقفين والمفكرين، ولا حتى أصحاب الشهادات العلمية. كلما ركبت المواصلات العامة أو جلست في الحدائق العامة هناك، وجدت الأشخاص العاديين من الجنسين يتصفحون الكتب والصحف الورقية والإلكترونية، وهذا دليل قاطع على أهمية القراءة وأثرها في حياة الإنسان.
هؤلاء الأشخاص يتربون على حب القراءة منذ زمن بعيد، والقراءة ذات أهمية كبيرة للأفراد والمجتمعات، على عكس العرب في المنطقة العربية، الذين يشعرون أن القراءة غريبة وخجولة في نظرهم، طبعاً ليس الكل، وهنا المشكلة أن بعض الناس لديهم تصور خاطئ عن القراءة، وهذا التصور ليس غريباً إذا كانت نسبة القراء في المجتمعات العربية قليلة مقارنة مع المجتمعات الغربية، وذلك التصور يعيق عادة القراءة لدى الإنسان حتماً.
فالقراءة بالنسبة للفرد تعد عملية دائمة، ويزاولها داخل المدرسة وخارجها، ولعلها أهم ما لدى الإنسان من مهاراته المختلفة، وعلى الرغم من تعدد الوسائل الثقافية في العصر الحديث، كالتقنية المتطورة والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، فالقراءة تتفوق على كل تلك الوسائل المتاحة؛ لأن المعرفة تزدهر بالقراءة التي تزود الفرد بالأفكار والمعلومات الثرية.
إن إهمال القراءة وعدم تعلمها، له انعكاسات سلبية على مستوى الأفراد والمجتمعات في آن واحد، والذي يتسبب في تخلفهما على حد سواء، مما يؤكد أهمية القراءة واكتساب مهاراتها وتنميتها ليتمكن الفرد من التكيف والاندماج مع الحياة والمجتمع الراقي الذي يعيش فيه.
هذا الواقع ينطبق على المقولة التي كتبها الفيلسوف الشهير كونفوشيوس: (مهما كنت تظن نفسك مشغولاً، إذا لم تجد الوقت للقراءة، ستكون قد سلمت نفسك بيديك للجهل والنكران).
حمد عبد العزيز الحميد
- باحث وكاتب رأي
- أول سعودي من ضعاف السمع يحصل على الماجستير في الإدارة العامة (M.P.A) والبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة Gallaudet في واشنطن، بالولايات المتحدة الأمريكية
- محاضر سابق في قسم العلوم السياسية Gallaudet University
- لديه دورات علمية وتعليمية في مجال الصم وضعاف السمع
- حاصل على شهادة شرفية من منظمة الشرف للعلوم السياسية
- حسابه في تويتر:@PersonalHamad