الصحافة الإلكترونية مجال حديث نسبياً ومعظم المنضمين إليها إما صحفيون جدد أو قادمون من خلفيات أخرى هي عادة الصحافة المطبوعة أو الإذاعة والتلفزيون. ومن الطبيعي أن يكون المرء معتاداً على نوع من الكتابة ويحتاج إلى بعض الوقت لإدراك خصائص الكتابة لموقع الكتروني، وهو ما يتحقق حتماً عبر التدريب والممارسة.
والكتابة لموقع إلكتروني مختلفة عن الكتابة للوسائط الأخرى. فهي موجهة لقارئ مختلف إلى حد ما في انتقائيته وسرعه انتقاله إن لم يجد ما يغريه على البقاء. وما يسهل نزعته هذه، بل يكرسها، الخيارات المفتوحة غير المحدودة التي في متناوله.
ولذا يتعين علينا أن نسارع إلى تقديم أهم ما يريده القارئ منذ البداية بتزويده بملخص مفيد عن الحدث أو الفكرة، وأن نضع أمامه العناصر الرئيسية للقصة منذ الفقرة الأولى، ونترك التفاصيل لما يليها.
يصح ذلك بشكل أساسي على القطع الاخبارية، والأمر مختلف، بعض الشيء، بالنسبة للقصص المنوعة، إذ لا نحتاج إلى أن نبدأ بالمعلومات الأكثر أهمية، بل أن نختار ما يثير شغف القارئ وفضوله من السطر الأول، وأن نوجه له دعوة لا يقوى على عدم تلبيتها.
الشروع بالكتابة
عندما نكون أمام مهمة كتابة قصة لموقع الكتروني، كموقع بي بي سي العربي ـ مثلاً، نضع في الاعتبار جملة أمور أهمها: الموضوع والعناصر التي يحتويها، ولأي نوع من القراء نتوجه، وما هي المصادر التي نعتمدها والأصوات التي نستعين بآرائها. ونحن في موقع بي بي سي العربي نضع، أيضاً، نصب أعيننا قيم ومبادئ بي بي سي الأساسية كالحيادية والتوازن والاستقلالية وتوخي الدقة والحرص على الحقيقة. ومن العناصر المهمة التي تؤخذ في الحسبان أيضاً توقيت نشر المادة؛ إن كانت عاجلة أم غير عاجلة، لوضع عامل الزمن في الحسبان.
ولدى المباشرة في الكتابة، نراعي بعض العوامل مثل مقدار المعلومات التي تتطلبها المادة ويحتاجها القارئ للإلمام بحدود معقولة بالموضوع. كما ننتبه أثناء الكتابة للصياغة اللغوية والسعي إلى جذب القارئ، ونحدد طريقة عرض المادة ونحاول استخلاص عنوان رئيسي وعناوين فرعية لها. ومن ثم يأتي دور المواد المتعلقة والروابط التي نلحقها مع قصتنا.
ومن العناصر الأخرى المهمة اختيار الصور وتحديد عددها ونوعها، وكذلك حقول الاقتباسات إن كان ثمة ما يمكن اقتباسه من القصة.
العنوان والعناوين الفرعية
من أهم مواصفات العنوان هي أن يكون واضحاً وجاذباً للمتابعة ومستحثاً لها، وألا يتسبب في تضليل القارئ، فضلاً عن ضرورة احتوائه على الكلمات الدالّة لأغراض البحث. وسواء كنا نكتب قصة سياسية أو علمية أو رياضية أو اقتصادية أو غيرها، يظل للعنوان في جميع الحالات دور مهم في إيصال المعلومة التي يريد المتصفح اصطيادها. فمن خلاله يتضح مضمون القصة ومحتواها. ومن المهم هنا ألا يكتشف القارئ، عند دخوله إلى تفاصيل المحتوى، أي معنى مغاير لم يكن العنوان الذي اخترناه قد أوحى به، فذلك أمر منفّر لمتابعي الموقع.
طول النص
القراءة على الشاشة (سواء في الكومبيوتر أو الهاتف المحمول) أمر مختلف عما اعتدناه من القراءة على ورق الصحف والمجلات. وقارئ الإنترنت لا يميل، عادة، إلى الاستمرار في متابعة المواد الطويلة المعقدة، بل يفضل أن تكون مكثفة سهلة الصياغة. ويمكننا، في الصحافة الإلكترونية، التحكم في ذلك عن طريق تجنب تضمين القصة سرداً طويلاً لخلفيات هي أساساً موجودة في القطع الأخرى والروابط ذات الصلة، التي يفترض أن تكون في داخل الصفحة نفسها، وكذلك باعتماد الأسلوب السهل السلس في عرض المادة.
وإذا كانت هناك اتجاهات متعددة ضمن القصة الواحدة فمن الممكن توزيعها إلى أجزاء ضمن الصفحة، مع وضع روابط في الأعلى تقود إليها، أو يمكن اعتماد صفحة متعددة الأقسام، الأمر الذي تتيحه تقنيات النشر الحالية.
بث الحياة في القصة
بإمكان المتلقي أن يسمع ويرى ما يحدث، بالنسبة للمرئي أو المسموع من القصص في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، لكن الأمر مختلف بالنسبة للنص المكتوب.
والمهمة الأساسية التي أمام الكاتب، الذي يتصدى لموضوع يتناوله في تقرير من الميدان أو في غرفة الاخبار، هي أن يجعل من نصه (كائناً حياً) مزوداً بالتفاصيل الصغيرة التي تشد القارئ للمادة وتثير لديه الرغبة في المتابعة.
ويتعين على الصحفي الذي يعدّ قصة من مصادر متنوعة خصوصاً بلغات أخرى غير العربية (الإنجليزية في الغالب بالنسبة لموقعنا) إعادة كتابة النص بلغته لا أن يترجمه ترجمة حرفية من مصدره. فالترجمة الوثائقية تقتل الحياة في القصة، وما يحتاجه الصحفي المبدع هو أن ينفخ روحاً جديدة في مادته المنقولة، وأن يجعل القارئ يشعر أنها كتبت باللغة التي يقرؤها لا أن يشعر أنها نقلت إليها.
وفي الحالتين كلتيهما (الكتابة والترجمة) لا بد من الإلتزام بقواعد اللغة وتجنب الأخطاء بأنواعها (الطباعية والإملائية والنحوية وغيرها)، فأحياناً تنفر أخطاء بسيطة القارئ من الصفحة إن لم يكن الموقع برمته.
ولا بد من الإشارة إلى أن أكثر ما يقتل النص إدراج أوصاف وتعابير وإضافات لا تضيف شيئاً، وخصوصاً عند ترجمة بعض الأخبار فضلاً عن انها تأخذ حيزاً نحن بحاجة إليه، ثم أنها تؤثر على تواصلنا الحضاري واللغوي مع جمهورنا. فمثلاً، لا حاجة لنا أن نعرّف شهر رمضان كما يعرّف في الأخبار باللغات الأخرى التي تخاطب جمهوراً مختلفاً بالقول: (إنه الشهر الذي يصوم فيه المسلمون).
وملخص الأمر، ينبغي توخي الوضوح باستخدام لغة غير معقدة والحرص على وحدة الموضوع وتماسك الجمل والترابط بينها، فضلاً عن التعبير عن الفكرة باختصار دون الوقوع في فخ الترهل. وينبغي أن يكون تقديم المعلومة للقارئ بأسلوب لا يؤثر على سلاسة المادة.
ومن العوامل التي تخدم النص وتجذب القارئ: دقة التعبير وسهولة اللغة واعتماد أسلوب واحد وتجنب استخدام جمل اعتراضية طويلة. ولا بد من استخدام طريقة واحدة في كتابة بعض الأسماء والمفردات، أي اعتماد إملاء واحد.
عرض المحتوى
القاعدة التي يجب التقيد بها تتلخص في أن يعرض المحتوى بطريقة تثير شهية القارئ في الاستمرار بالمتابعة. فشكل الصفحة مهم دائما، وأمام الصحفيين الذين ينتجون مواد على الموقع خيارات عدة في عرض المادة.
لكن هناك بعض التفاصيل المهمة في هذا الخصوص، منها ضرورة كسر الاسترسال الممل للنص عن طريق وضع عناوين فرعية واستخدام الأدوات التي بحوزتنا مثل حقول الاقتباسات والحقائق الملخصة، وفوق كل ذلك استخدام صور حديثة قوية التعبير.
وسائط متعددة في حيز واحد
كما هو معلوم، فإن من الميزات الفريدة للصحافة الإلكترونية قدرتها على جمع كل الوسائط في مكان واحد. فهناك النص والصورة والشريط المصور والشريط الصوتي بل والمشاركات والتعليقات من القراء.
كل ذلك متاح أمامنا لاستخدامه في صفحاتنا ليغنيها ويقدم للمستخدم صورة أوسع عن الموضوع المعروض.
وقد وفرت لنا التكنولوجيا إمكانات كبيرة لخدمة المادة المقدمة للجمهور، بل إنها تتيح لنا، نحن منتجي هذه المادة، معرفة ما يحصل لها بعد النشر وكيف يستقبلها القراء ومدى جماهيريتها، سواء في موقعنا أو مواقع الشركاء أو في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأخيراً لا بد من التذكير، مرة أخرى بضرورة مراجعة أي مادة نكتبها للنشر على موقع إلكتروني بأنفسنا وتدقيقها من قبل شخص آخر لتنقيتها من الأخطاء، مع الحرص على تصحيح أي خطأ حال اكتشافه فيما بعد.
مصطفى كاظم
رئيس تحرير الأخبار في موقع بي بي سي العربي