يؤدي توسع العولمة إلى إختفاء العديد من اللغات البشرية فالناس في مكان ما يرون أن التواصل مع الآخرين خارج نطاق ثقافاتهم والتعامل معهم يغدو أمرا ميسورا إذا كانوا يتحدثون لغات عالمية واسعة الإستخدام مثل اللغة الصينية أو الهندية أو الإنكليزية أو الإسبانية أو الروسية. كما أن الأطفال لا يتعلمون اللغات التي يتحدث بها عدد محدود من الناس لأن تلك الأعداد الضئيلة التي تستخدم اللغات المحلية معرضة تدريجيا للإنقراض.
ما أهمية ذلك؟
إن نحو 3 آلاف لغة من لغات العالم بأكملها التي يتراوح عددها بين 6 ـ7 آلاف لغة (حوالي 50%) معرضة للإنقراض. ترى لماذا يشكل مثل هذا الأمر أهمية خاصة لنا؟
هناك أسباب عديدة يمكن ايجازها بالآتي ذكره:
- يمثل التنوع الهائل لتلك اللغات حقلا معرفيا ضخما لم يسبر غوره لحد الآن. في هذا السياق بمقدور كل من علماء اللغة والعلماء المعرفيين cognitive scientists والفلاسفة أن يضعوا خارطة للعقل البشري تتضمن مجمل القدرات إضافة إلى المحددات.
- أن أية لغة معرضة لخطر الزوال تجسد معرفة محلية فريدة للثقافات والنظم الطبيعية في المنطقة التي تستخدم فيها تلك اللغة.
- تشكل تلك اللغات مصدرا مهما من بين المصادر القليلة التي تقدم أدلة يمكن أن نستدل بها لفهم التاريخ الإنساني.
مضامين أخرى
لا يمكن للأشخاص الذين يتحدثون إحدى لغات العالم الرئيسية أن يفهموا ما تعنيه خسارة لغة ما وربما يشعرون أن العالم سوف يكون أفضل لو قيض للجميع أن يستخدموا لغة واحدة مشتركة. في الواقع يرتبط التحدث بلغة واحدة بمظهر العنف فالحكومات القمعية تعمد إلى حظر بعض اللغات والتقاليد الثقافية تعبيرا عن سطوتها. كما أن الناس في البلدان المحتلة يقاومون عملية الإندماج من خلال التحدث بلغاتهم المحلية وممارسة تقاليدهم وعاداتهم.
في الجانب الإيجابي يمكن للغة ما أن تثري لغة أخرى من خلال تزويدها على سبيل المثال بمفردات ومفاهيم تفتقر اليها تلك اللغة، وهكذا نلاحظ أن غالبية لغات العالم ومنها اللغة الإنكليزية قد اعتمدت على اقتراض مفردات متنوعة. كما أن تعلم لغة أخرى يؤدي إلى تقييم الثقافات الأخرى وكذلك الناس. ثم أن لدراسة اللغات المعرضة للإنقراض مضامين ذات جدوى للعلم المعرفي لأن اللغات تساعدنا على تسليط الضوء على الكيفية التي يعمل بها الدماغ فضلا عن طرق التعلم. في هذا السياق يشير بيج بارات Peg Parratt مدير قسم مؤسسة العلوم الوطنية NSF للعلوم السلوكية والمعرفية بقوله: (تحدونا الرغبة لمعرفة فوائد التنوع اللغوي وإيجابياته لإدراك الطرق التي يتمكن الدماغ من خلالها من خزن الخبرة ونقلها لذا فإن تركيزنا لا ينصب على تدوين أمثلة عن اللغات التي ربما تنقرض قريبا فحسب إنما يتعدى الأمر إلى فهم القواعد اللغوية والمفردات والتراكيب ذات الصلة بتلك اللغات).
الحفاظ على اللغات المهددة
يشكل التوثيق حجر الزاوية في الحفاظ على اللغات المعرضة لخطر الإنقراض فعلماء اللغة يبذلون قصارى جهدهم لتوثيق سائر اللغات التي يتمكنون من الوصول اليها من خلال وصف القواعد اللغوية والجوانب التركيبية حيث أنهم يعملون على تسجيل اللغة الشفاهية واستخدام الآلات الحاسبة بهدف حفظ المعلومات ووضعها في متناول أيدي ألعلماء والباحثين.
إن الكثير من تلك اللغات موجودة في صيغة شفاهية فحسب لعدم وجود أية نصوص مكتوبة، لذا تدعو الحاجة الماسة للعمل بكل سرعة وهمة لإخضاع تلك اللغات للدراسة والبحث قبل أن يطالها الإنقراض.
وبهدف الحفاظ على تلك اللغات المعرضة للمخاطر تهدف العملية اللغوية المسماة (ما بعد التراكيب اللغوية الإلكترونية لجمع معلومات عن اللغات المعرضة للزوال) E-MELD إلى دعم التوثيق من خلال الآتي ذكره:
- العمل على نسخ تسجيلات عالية الجودة والتعامل معها رقميا وأرشيفيا.
- التأكيد على التوثيق الذاتي والمعلومات المستقلة ذات الصلة بالبرامجيات.
- تزويد علماء اللغة بالأدوات المعرفية اللازمة لتحليل اللغات ومقارنتها.
- تطوير علم وجود عام Ontology للوصف اللغوي GOLD لتسهيل عملية الأرشفة ومقارنة المعلومات والتحليلات.
وفي ضوء عملية الأرشفة الجارية حاليا يعكف كل من الباحثين جول شيرزر Joel Sherzer وأنطوني وودبيري Anthony Woodbury ومارك ماكفرليند Mark McFarland من جامعة تكساس في أوستن على دراسة يتم بموجبها توثيق اللغات في أمريكا اللاتينية وفق (أرشيف اللغات الوطنية لأمريكا اللاتينية) AILLA وهي قاعدة معلومات يمكن الإطلاع عليها على شبكة الأنترنت تضم نصوصا سمعية ونصية فضلا عن القصص والطقوس والخطب والأغاني والقصائد الشعرية والحوارات. وبمقدور الباحثين والطلبة والناس المحليين أن يستخدموا متصفحات شبكة الأنترنت للإطلاع على المعلومات المخزونة ومعرفة طبيعة محتوياتها وكذلك تحميل الملفات التي يرغبون بها مجانا.
يمثل التوثيق السبيل الصحيح في هذا المجال لأسباب ثقافية وعلمية. وتشير السيدة جون مولنك Joan Maling مديرة برنامج مؤسسة العلوم الوطنية إلى (وجوب إجراء دراسات معمقة لأكبر عدد ممكن من اللغات المختلفة التي يمكن دراستها ليتسنى لنا معرفة هذه القدرة البشرية الفريدة (اللغة) فمثلما يحصل علماء الأحياء على معلوماتهم من خلال دراسة كائنات حية كثيرة مختلفة فإن علماء اللغة لا يمكن أن يتوصلوا إلى نتائج علمية ملموسة دون دراسة لغات بشرية كثيرة ومتنوعة). وتضيف قائلة: (إن الحفاظ على التنوع اللغوي من خلال التوثيق أمر جوهري للدراسات اللغوية الرصينة).
المصدر:
http://nsf.gov/news/special_reports/linguistics/endangered.jsp
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.