لا يمكن لأي متابع أمين وراصد منصف إلا أن يحني الرأس تحية وإكباراً للإنجازات الثقافية الكثيرة والبارزة والمتواصلة التي حققها حاكمنا المثقف أو مثقفنا الحاكم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، سواء على المستوى الشخصي كباحث ومؤرخ وكاتب متميز، أو على المستوى العام كمفكر ومخطط ومنفذ ومتابع لبرامج وفعاليات ومنشآت ثقافية بلا حصر، منذ تلك اللحظة التاريخية التي تبوأ فيها سموه مقاليد الحكم في إمارة الشارقة في 25 يناير عام 1972.
ويكفيني هنا أن أضيف عن قناعة ويقين أن أصدق ما يقال عن حاكم هو ما تتحدث به أعماله نفسها حين تنتشر بين الناس فيلمسونها عن قرب، وينتفعون بها في كل وقت، ويرون آثارها في كل جيل، وهذا والله ما فعله حاكم الشارقة، فهنيئاً له جريان نهر الثقافة في وطنه بعد أن عمل بإخلاص وفي دأب كي يشق مجراه فتتعدد فيه الروافد وتتسع من حوله الأودية.
وقبل أن استطرد في الحديث حول الفكرة أو الدعوة التي يحملها تساؤلي في عنوان هذا المقال، أقول بحق وإنصاف: في كل مناسبة ثقافية تتجدد في الذاكرة فكرة طرحتها في دعوة أطلقتها عبر سطور قديمة كتبتها قبل خمسة عشر عاماً، ولاتزال مشتعلة في الذهن حتى اليوم ولعل جولتي بين أروقة وقاعات معرض الكتاب في دورته الحادية والثلاثين قد زادت الفكرة اشتعالاً، خصوصاً في ظل ما تشهده هذه الدورة، تحديداً، من توافد، بل وتزاحم، أهل الفكر والأدب والثقافة على فعاليات تمتد على مدى أيام المعرض وأمسياته.
وأصل إلى السؤال القديم المتجدد: ترى هل آن الأوان ليكون للمثقف المحلي يوم سنوي يحتفل به وفيه أو يعلن خلاله عن دوره الاجتماعي والإنساني؟ ولم لا ولدينا أيام عدة لهذا الشأن أو ذاك من شؤون الحياة والبيئة والبشر، أقربها إلى الذهن الآن: يوم محو الأمية، ويوم التشجير، ويوم البيئة؟
ثم إنه لم يعد قائماً ذلك الدور الهامشي للمثقف المحلي أو للثقافة عامة بعد أن استطاع مجتمع الإمارات أن يحقق نهضة شاملة لم تتخلف فيها الثقافة عن غيرها من المجالات المختلفة التي شهدت نمواً وتطوراً.
وقد تبدو فكرة اليوم السنوي للمثقف المحلي غير مسبوقة أو تحتاج لمناسبة أقوى تزكيها وهو ما دفعنا للغوص في يوميات تاريخ الإمارات الحديث الذي ينحصر عادة في الفترة من قيام الاتحاد وحتى الآن التي ستخطو بعد أسابيع قليلة، إلى بداية العقد الخامس بعد أربعة عقود من الزمان شهدت مسيرة تنموية تمثل أعظم معزوفة وطنية عرفتها هذه الأرض: تنمية ورخاء وازدهاراً.
وقبل أن يتساءل الكثيرون عن حيثيات هذه الدعوة لاختيار يوم الخامس والعشرين من يناير بالذات ليكون يوماً للمثقف المحلي في كل عام، فإنني أبادر بالقول: إن هذا اليوم يصادف تاريخ اليوم الذي اعتلى فيه سدة الحكم في إمارة الشارقة عام 1972 حاكم مثقف أو مثقف حاكم هو في الوقت نفسه عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
وعند هذه النقطة فإننا لسنا بحاجة إلى المزيد من الأدلة أو البراهين على أهمية ارتباط هذه الذكرى بيوم سنوي للمثقف المحلي، فالشواهد من حولنا تنبئ القاصي والداني، والوافد والمقيم، بل والزائر والسائح، عن آثار هذا اليوم المشهود في حركة وطن هيأ الله له حكاماً عملوا على بناء الإنسان قبل تعمير الأرض، وعلى تنمية العقول، في الوقت ذاته، مع الأجسام، وعلى إقامة مرافق الثقافة جنباً إلى جنب مع مرافق الحياة العادية.
وأخال، الآن، كل المثقفين في الإمارات وقد ربطوا بين اليوم التاريخي في يوميات وطنهم وبين اليوم المقترح للاحتفاء بالمثقف المحلي، وأخالهم في اللحظة نفسها، وقد استعادت مخيلاتهم كل ما صنعه الحاكم المثقف وقد اختط لنفسه ومن البداية خطاً تنموياً ركز فيه على الحياة الثقافية للبلاد ليواكب مسيرة التنمية التي انطلقت على يد حكيم القوم ومؤسس دولة الاتحاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويواصلها بالنهج المخلص نفسه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مع إخوانه حكام الإمارات.
وفي تصوري فإنه ما من مثقف محلي خاصة إذا كان من أهل الأدب والشعر والفن، بل وحتى أي مهتم بالشأن الثقافي بصورة أو بأخرى، إلا وقد توقف طويلاً أمام معالم كثيرة مر بها يوماً، أو أسهم في صنعها، أو شارك في بعض فعالياتها، وقد ارتبطت هذه جميعاً برعاية صاحب السمو حاكم الشارقة ومباركته ودعمه المادي والمعنوي إن لم تكن قد تأسست بأفكاره ورؤيته الثاقبة.
إن هذا كله يدفعنا إلى محاولة تصور الكيفية التي يمكن أن تكون عليها حفاوة المثقفين هنا في الإمارات في استقبال يوم الخامس والعشرين من يناير المقبل، وقد أصبح يوماً سنوياً للمثقف المحلي.
إن هذه المناسبة في حد ذاتها أكبر تعبير عن الامتنان الذي يكنه المثقفون لسلطان الثقافة في الإمارات والوطن العربي، وصاحب العطاء الثقافي المتميز، الذي يلمس الجميع بصماته الواضحة في طرقات البلاد ومبانيها، وفي نفوس الأجيال وعقولها، وفي اهتمامات أبناء الإمارات وبناتها في كل مراحل العمر.
ولعلي ومن واقع الرغبة في أن ترتبط المناسبة التاريخية، وهي يوم اعتلاء سلطان الثقافة مقاليد الحكم في إمارة الشارقة، بما أوجدته، بذاتها وبشخص صاحبها، من تفاعلات ثقافية اخترت أن تكون دعوتي لإطلاق يوم المثقف المحلي في اليوم الخامس والعشرين من يناير الذي لا يمكن لأي مثقف أو مهتم بالثقافة أن ينكر ما ناله شخصياً، بل وما نالته الثقافة عامة، بفضل هذا اليوم الميمون، من رعاية واهتمام وتشجيع وتيسير كي يحقق ذاته ويبرز إبداعاته ويشارك بفاعلية ملحوظة في بناء مجتمعه باحترام وتقدير بالغين.
لقد شكل الخامس والعشرين من يناير 1972 انطلاقة ليقظة وطنية ثقافية لا تزال تمضي بقوة وفي تصاعد زادها انتشاراً وتأثيراً وإنجازاً، وكل الشواهد حولنا تؤكد ذلك على مدى الأيام والأعوام.
وأختتم سطوري بالقول:
لقد أطلقت دعوتي المتضمنة لفكرتي قبل خمسة عشر عاماً شهد خلالها نهر الثقافة في الإمارات جرياناً دائماً فاض بفعالياته على كل الأرجاء ما يجعل تجديد هذه الدعوة، اليوم، من قلب معرض الكتاب، وعلى صفحات نشرته اليومية همزة وصل قراءة جديدة لما بلغته الثقافة في الإمارات عامة وفي الشارقة خاصة، وهو ما يمنح المثقف المحلي حقه في الاحتفاء به في يوم سنوي يستعرض فيه حصاد الأعوام.