لا ينبغي أن يكون الناقد المتمكن عاطفياً لأن ذلك يتنافى مع صفة الموضوعية التي تميزه.
وعليه أن يسعى لضبط تحيزاته وأهواءه الشخصية، ولابد أن يتمتع بإحساس تدرب عليه كثيراً
يتعين على الناقد المثالي أن يتحلى بالصفات الآتية وبشكل متميز: الحساسية وسعة المعرفة والإحساس بالحقائق وكذلك التاريخ والقدرة الكبيرة على التعميم
أولاً ـ المزايا الأساسية
- لا بد أن يتمتع الناقد الأدبي المقتدر بإحساس رفيع وأن يمتلك قدرة كبيرة على تلقي الانطباعات والأفكار والأحاسيس التي تنشأ عن العمل الأدبي الذي يعكف على دراسته.
- لابد أن يكون الناقد واسع الاطلاع وذا معرفة عميقة لأن ذلك سوف يعزز فهمه وعليه أن يختزن الكثير من الأفكار والانطباعات التي يمكن أن تعدّل وتحدّث لاحقاً من خلال أية فكرة لاحقة تحتضنها الأعمال الأدبية التي يفكر فيها ملياً. وبهذه الطريقة سوف يتمكن الناقد من تأسيس نظام افكار وانطباعات تمكنه من إطلاق أحكام عامة ذات صلة بالجمال الأدبي. ومثل هذه المقدرة على التعميم تعتبر جوهرية للناقد المثالي ولا سبيل إلى بلوغها إلا بالاطلاع الواسع.
- يتعين على الناقد المتمكن أن يكون موضوعياً وحيادياً إلى حد بعيد فعليه أولاً ألا ينساق بفعل صوته الداخلي إنما لابد أن ينقاد إلى نوع من المرجعية التي تقع خارج نفسه. في هذا السياق يورد أليوت Eliot نوعين من النقاد غير مكتملي الأهلية يمثلهما كل من أرثر سايمونز Arthur Symons وأرنولد Arnold، فسايمونز يتصف بالذاتية المبالغ فيها والانطباعية أما أرنولد فهو جاف للغاية وميال إلى الدرس والتفكير والتأمل والنزعة التجريدية. وينظر أليوت إلى أرسطو باعتباره ناقداً متكاملاً لأنه يتحاشى كلا الخللين حيث أن النقد على يديه يبلغ حد العلم.
- لا ينبغي أن يكون الناقد المتمكن عاطفياً لأن ذلك يتنافى مع صفة الموضوعية التي تميزه. وعليه أن يسعى لضبط تحيزاته وأهواءه الشخصية، ولابد أن يتمتع بإحساس تدرب عليه كثيراً وكذلك أحساس بالمبادئ البنيوية وألا يرضى بالانطباعات الغامضة والعاطفية فالنقاد الذين يطرحون انطباعات ووجهات نظر وأهواء غامضة وعاطفية فحسب يتسببون في أفساد ذوق الناس.
- يعتبر توفر إحساس متطور للغاية في التعاطي مع الحقائق أمراً هاماً بالنسبة للناقد المثالي. والإحساس بالحقائق لا يعني بمفهوم أليوت المعرفة الاجتماعية أو تلك المتعلقة بالسيرة الذاتية إنما المعرفة بالتفاصيل الفنية لقصيدة ما ويشمل ذلك أصلها وخلفيتها وغير ذلك. ومثل هذه المعرفة بالحقائق تجعل من النقد عملياً وموضوعياً، ثم أن الناقد يستخدم تلك الحقائق في بلورة تقييمه للأعمال الأدبية. أضف إلى ذلك يقف اليوت موقف الضد من مدرسة (عاصرة الليمون) lemon-squeezer النقدية التي تعمد إلى (عصر) كل جزئية معنى يمكن اقتناصها من المفردات والأبيات الشعرية.
- على الناقد الأدبي المثالي أن يتحلى بحس عال للغاية بالتقاليد والأعراف، فاطلاعه الواسع ينبغي ألا يقتصر على أدب بلاده فحسب إنما يتعين عليه الإحاطة بالأدب الأوروبي ابتداء من هوميروس إلى الوقت الحاضر.
- يمكن للشعراء أن يكونوا نقاداً بارزين، فالناقد والكاتب المبدع يمثلان في الغالب الشخص ذاته. ومثل هذه الفئة من الشعراء – النقاد يتوفرون على معرفة واسعة وفهم متميز لعملية الإبداع الشعري لذا فهم في وضع يجعلهم قادرين على نقل فهمهم إلى قرائهم.
- يتصف الناقد المثالي بفهم واسع للغة الشعر وبنيته وينبغي أيضاً أن يكون مطلعاً على موسيقى الشعر لكون الشاعر يتواصل مع قرائه عبر معاني الكلمات فضلاً عن أصواتها.
- لابد أن يكون الناقد الأدبي متمكناً من كل من (المقارنة والتحليل) أثناء تقييمه النصوص الأدبية حيث أن استخدامهما لابد ان يكون دقيقاً وماهراً. وعليه أيضاً أن يعرف طبيعة المقارنات وكيفية اجرائها وكيفية تحليل النصوص. وهو في عمله النقدي لابد أن يقارن الكتاب المعاصرين بأقرانهم الذين عاشوا في الزمن الماضي ليس من باب إصدار الأحكام أو تحديد مواطن الجودة أو الرداءة فحسب، إنما العمل على إيضاح سمات العمل الأدبي الذي يتصدى لنقده. بمعنى آخر على الناقد أن يكون ذا معرفة شاملة تعينه على استخدام أدواته بفاعلية.
- على الناقد ألا يطبق معايير الماضي ومبادئه على الحاضر في إطلاق أحكامه حيث أن كل عصر يتصف بمتطلباته الخاصة به وعليه فإن القواعد والموازين الأدبية لابد أن تتغير من عصر لآخر. من هنا يتعين على الناقد أن يكون ليبرالياً في إبداء آرائه وأن يكون على استعداد لتصحيح آرائه ووجهات نظره وتنقيحها من وقت لآخر في ضوء الحقائق الجديدة.
باختصار، يتعين على الناقد المثالي أن يتحلى بالصفات الآتية وبشكل متميز: الحساسية وسعة المعرفة والإحساس بالحقائق وكذلك التاريخ والقدرة الكبيرة على التعميم.
ثانياً ـ وظيفة الناقد
- تتمثل وظيفة الناقد في تسليط الضوء على الأعمال الأدبية ويتحقق ذلك من خلال (المقارنة والتحليل). ولا تنصب المهمة على تفسير الأعمال الأدبية حيث أن التفسير يتسم بالذاتية والانطباعية. من هنا فإن نقاداً مثل كوليردج Coleridge وغوته Goethe اللذين يميلان إلى تفسير الأعمال الأدبية أسهما في إفساد ذائقة الجمهور كثيراً فطرحهما يقتصر على الآراء والأهواء الذاتية فحسب ما يؤدي في الغالب إلى تضليل القراء. يتعين على النقاد إذن أن يضطلعوا بمهمة وضع الحقائق أمام القراء فحسب لأن ذلك حري بإعانتهم على الشروع بتفسير الأعمال الأدبية بأنفسهم. بوجيز العبارة، وظيفة الناقد تحليلية وتوضيحية وليست تفسيرية أو تأويلية، لذا فإن التحليل والمقارنة المنهجية والحساسية والذكاء وحب الاستطلاع والعاطفة الشديدة والمعرفة الواسعة كلها تمثل أدوات ضرورية للناقد المقتدر.
- لابد أن يتحلى الناقد بذائقة مهذبة وصائبة، فمن خلاله يمكن تهذيب ذائقة الناس بمعنى أن بمقدوره أن يمكّن الناس من الحكم الإيجابي والمفيد على النصوص الأدبية المقروءة، فضلاً عما يتعين علينا تجنبه باعتباره غير ذي قيمة أو أهمية. كما يجب عليه تطوير فهمهم وقدرتهم على التمييز.
- على الناقد أيضاً أن يعزز الاستمتاع بالأعمال الأدبية وفهمها، ولهذا الغرض ينبغي عليه أن يطور الأحاسيس الجمالية والفكرية لدى القراء.
- يمثل نقل اهتمام القارئ من الشاعر إلى الشعر ذاته وظيفة أخرى للناقد فالإحساس الفني أمر موضوعي يتميز عن إحساس الشاعر لأن القصيدة كيان قائم بذاته ولابد من إصدار حكم موضوعي عليها دون أية اعتبارات شخصية أو اجتماعية أو تاريخية. وحين يضع الناقد الحقائق ذات الصلة بالقصيدة أمام القراء فإنه يسلط الضوء على طبيعتها اللاشخصية المجردة وبذا يتعزز الفهم الصحيح.
- لابد أن يكون النقد في خدمة الإبداع حيث أنه يؤدي دوراً بالغ الأهمية في العمل الإبداعي نفسه فالشاعر يبدع في كتابته القصيدة غير أن الناقد في داخله يعمل على التمحيص والربط والتصحيح وأقصاء كل ما لا تمت صلته بجوهر العمل الإبداعي، وبهذه الكيفية يضفي التمام والكمال على العمل الإبداعي. بوجيز العبارة، لا يمكن للعمل الأدبي أن يتحقق دون جهد نقدي.
- تشمل وظيفة الناقد أيضاً العمل على إيجاد مبادئ مشتركة سعياً وراء أهداف النقد. ولبلوغ مثل هذا الهدف (يتعين على الناقد أن يتحكم في ميوله وتحيزاته وأن يتعاون مع النقاد الآخرين من الماضي والحاضر بهدف الوصول للأهداف الصحيحة). وعليه أيضاً أن يدرك بأن سائر الحقائق غير نهائية بطبيعتها وعليه عندئذ أن يصحح آراءه ويعدلها حيثما برزت حقائق جديدة.
- لا تأخذ وظيفة النقد منحى قضائياً فليس من واجب الناقد أن يبدي حكماً أو يبين مواطن الجمال أو القبح فوظيفته الأساسية هي وضع أبسط أنواع الحقائق أمام القراء لإعانتهم على بلورة أحكامهم الخاصة بهم. كما أنه لا يطلق التصريحات أو ينقل المشاعر بل يتعين عليه تحفيز العملية. والناقد يمثل مصدر إثارة للفكر من خلال ضمان مشاركة القراء الفاعلة في العملية النقدية.
- على الناقد أن يسعى للإجابة عن سؤالين هما: (أ) ما الذي يعنيه الشعر؟ و(ب) هل القصيدة المعنية جديرة بالدراسة؟ أضف إلى ذلك يأخذ النقد شكلين فهو نظري فيما يخص طبيعة الشعر ووظيفته وكذلك العملية الشعرية، وهو أيضاً عملي من خلال تقييم الأعمال الأدبية. من هنا يتعين على الناقد أن يربط دروس الزمن الماضي بالزمن الحاضر.
خلاصة
يتسم مفهوم أليوت حول الناقد بكونه تقليدياً فهو يصر على (إحساس كبير بالحقائق) وهو يشدد على المعايير الموضوعية والإحساس بالتقاليد والأعراف الاجتماعية، لكنه يرفض ذاتية الرومانسيين. إن الاهتمام بالقصيدة باعتبارها شيئاً موضوعياً يحظى بأهمية خاصة في إطار المذهب الكلاسيكي الذي يتبناه اليوت.
المصدر:
https://neoenglish.wordpress.com/2010/12/08/an-ideal-critic-his-qualifications-and-functions/
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.