كان اللقاء في مقر وكالة الطاقة الذرية بمدينة فيينا في نهاية شهر نيسان / أبريل 2012، ما أن انتهيت من مداخلتي في الندوة العلمية، حتى دعا رئيس الجلسة جمعية الهيباكوشا لتقديم تجربتها، وما هي إلا لحظات حتى تقدم رجل على كرسيه المتحرك إلى المنصة، وسرعان ما أثارت كلماته شجون الحضور وهو يروي ما شاهده عند قصف مدينة «هيروشيما» بالقنبلة الذرية في صباح يوم الـسادس من آب / أغسطس سنة 1945 وخلال الأيام التالية.
أعاد إلى الأذهان التدمير الهائل الذي أصاب البشر و الحجر في مدينتي «هيروشيما» و«ناجازاكي»، حيث قتل وجرح مئات الآلاف من البشر، وبقي آلاف غيرهم دون مأوى، يعانون الألم والمرض والوحدة والإعاقة. كانت الأبخرة الناجمة عن التفجير ذات قطر يقدر بميل ونصف، وسبب تدميراً كاملاَ لمساحة قطرها ميل، كذلك امتد اللهب لأكثر من ثلاثة أميال.
«في ذلك اليوم لم يكن عمري أكثر من 13 سنة، وكنت ألعب على بعد كيلو مترين من المدينة، عندما شاهدت منظراً فاق كل ما يمكن أن يشاهده إنسان، إنه تحول وسط المدينة إلى رقعة بيضاء مسطحة، سرعان ما اختفى كل ما عليها، وبدا أن أثر المنازل نفسها قد اختفى».
وتابع ممثل الهيباكوشا قائلاً:
«بعد ثوانٍ معدودة فقط من وقوع الانفجار، ضربت موجة حر شديد آلاف الأشخاص في الشوارع والحدائق وسط المدينة، فسقطوا مثل الذباب، متأثرين من شدة الحرارة. بينما سقط آخرون ملتوين حول أنفسهم، مثل الديدان، وهم يحترقون بشكل فظيع، واختفت من على سطح الأرض، كل المنازل الخاصة، والمستودعات، وغيرها، وكأنها نسفت بقوة غير طبيعية. وتناثرت عربات النقل، وقذفت عربات القطار بقوة بعيدا عن سكة الحديد. نعم، توقف نبض الحياة وانهار كل شيء في لحظات معدودة».
ثم تابع حديثه عن جمعيات الهيباكوشا اليابانية (الناجون من هيروشيما وناجازاكي)، وجهودها التطوعية في تذكير حكومات العالم وشعوبها بالآثار الكارثية اللاإنسانية للأسلحة النووية، وختم حديثه قائلا: «ما تبقى لنا من سنين على هذه الأرض أصبح معدوداً، لكننا نريد لرسالتنا أن تصل إلى الجميع وبقوة، لا نريد هيروشيما أخرى، و لا نريد أسلحة نووية في العالم»…
سرعان ما دوّت القاعة بالتصفيق الحار.
ما أن اختتمت الندوة، حتى وجدت نفسي إلى جانبه نتحدث معاً عن جهود الهيباكوشا في العالم، وخاصة «سفينة السلام» التي تجوب البحار داعية الشعوب هنا وهناك إلى التخلص من كل الأسلحة النووية، وفي نهاية الحديث أصر على دعوتي إلى زيارة جناح جمعيته، والتعرف إلى عدد من زملائه الهيباكوشا في قاعة المعارض المجاورة.
في اليوم الثاني، قمت بزيارة قاعة المعارض وجناح الهيباكوشا فيه، حيث وجدت عدداً منهم في انتظاري، سرعان ما رحبوا بي وزودوني ببعض تقاريرهم ونشراتهم الدورية، نعم، لقد تقدم بهم العمر، وفقد بعضهم السمع والبصر، والقدرة على الحركة، اشتدت بصمات الأمراض المزمنة والخبيثة على كاهلهم، لكن الأمل لا يزال يراودهم في أن يشاهدوا العالم قد خطا خطواته الأولى نحو إزالة ما عليه من أسلحة نووية، وسن معاهدة عالمية تحظر هذه الأسلحة وإلى الأبد.
تفيد الدراسات أنه حتى الآن، لا تزال آثار هذه القنبلة في البيئة المجاورة والبعيدة، تؤدي إلى أمراض وإعاقات عديدة بين سكان تلك المناطق، علما أن تلك القنبلة الذرية التي استخدمت في ضرب هيروشيما، تعد متواضعة وصغيرة بمقاييس الأسلحة النووية الموجودة حالياً في العالم، والتي يبلغ عددها نحو 23 ألف رأس نووي، تصرف الدول النووية سنوياً أكثر من 105 مليار دولار أمريكي للمحافظة عليها وصيانتها وتطويرها.
يراود الإنسان، في كل مكان، شبح هذه الأسلحة الفتاكة التي تهدد، وفي كل لحظة، البنية التحتية للحياة على وجه الأرض، فقد تنفجر بسبب حرب، أو خطأ فردي، أو كارثة طبيعية كالزلازل والأعاصير والفيضانات، التي يمكن أن تحدث هنا وهناك، في الأرض أو البحر، نعم، يمكننا القول أن هذه الأسلحة النووية قد منحت الإنسان، ولأول مرة، القدرة على تدمير نفسه بنفسه، وخلال ساعات معدودة.
حقاً إن سعي الإنسان، في كل مكان، إلى تحقيق عالم بلا أسلحة نووية يستحق أن نبذل لأجله كل ما نستطيع، فالإنجازات العظيمة تبدأ دائما بخطوات صغيرة.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/