ترجمة: هاشم كاطع لازم ، بقلم: أليس لوفلاس Alice Lovelace
هذه المقالة الموجزة مقتطفة من مقالة طويلة بقلم أليس لوفلاس بعنوان الصلة المتبادلة ” التوسّط ومسرح المضطهدين في عملية التغيير الاجتماعي ” وتتطرق إلى تطور المسرح الحديث وعلاقته بالجمهور وكذلك المجتمع وصلة ذلك كله بالتغيير الاجتماعي.
يصف ريتشارد سيثيرن (1961) الفن بأنه شكل من أشكال التواصل ومنه الحوار الذي يتيح الفرصة للتواصل مع الناس.
ويقسم سيثيرن تاريخ الأشكال المسرحية إلى الفترة ما قبل الديانة المسيحية، أي فترة الأسطورة الوثنية أو البدائية والفترة المسيحية.
ففي المجتمعات التي سبقت الديانة المسيحية في أوروبا مثل الثقافات الأراواكية والسلتية وبعض الثقافات في غرب أفريقيا وآسيا كان السحر يمارس أثناء الطقوس الدينية وهو شكل مسرحي، فيما اتجهت المسيحية الأوربية الغربية إلى إبعاد السحر عن الدين واستثمرته في مسرحها.
ويمكن تمييز الفترتين التاريخيتين أيضاً على أنهما عصر مسرح الشعب وعصر الشعب في المسرح.
في المسرح البدائي حيث كان الممثلون يمثلون جزءاً من المجتمع كان المتفرجون يتجمعون في الهواء الطلق حيث كانت الطبيعة توفر المناظر الطبيعية والستارة الخلفية.
وكانت الحركة متعددة المجالات تبدأ باستخدام الأقنعة والغناء والرقص وأداء طقوس معينة، وكان لجمهور الحاضرين الحرية في التداخل وتكييف الأداء المسرحي وفق احتياجاتهم.
وكان مثل هذا المسرح تحت سلطة المجتمع حيث كان الجميع يسردون قصصهم التي تعكس قيمهم إضافة الى رؤية العالم.
وفي عصر المسرح (المسيحي) أصبح الممثل محط الاهتمام، أما دور الجمهور(المجتمع) فقد تقلص ليأخذ دور الشخص المصغي أو المستجيب.
وفي هذه الفترة بدأ التمثيل يجري في الداخل على خشبة المسرح التي أصبحت أعلى من الجمهور (المجتمع) وتحت أضواء اصطناعية.
ومع ابتداع هذا النمط من المسرح أصبحت الكلمات هي محط الاهتمام وعلى أثر ذلك تحول التواصل من اعتماد المعنى الرمزي المعرّض للتـأويلات الى المعنى المحدد بكل إحكام وأصبحت اللغة بمثابة عقبة مما جعل الحوار يتحول إلى مناجاة فردية على المسرح.
وكانت ملاحظات أرسطو حول بنية المسرح وغرضه قد استندت إلى التراجيديا الإغريقية.
ورغم أن بعض ملاحظاته قد حورت فيما بعد فإن الكثير من أفكاره جمعت ونظمّت بصيغة قواعد صارمة للمسرح.
وقد ارتقت ملاحظات أرسطو التي تم تداولها فيما بعد بحياة أفراد الطبقة الحاكمة والكنيسة وقيمها إلى مقام المسرح العظيم، وأصبح بالإمكان مطابقة الفضيلة مع نمط حياة معين.
والمسرح، في نظر أرسطو، يحمل رؤية عالمية وقيماً أخلاقية تمثل اولئك الذين يمسكون بزمام السلطة واستثمار لغتهم ورموزهم مع ترك الجماهير تتخذ دور الجمهور السلبي.
بعد ذلك ظهرت الطبقة الوسطى، وبظهورها انبثقت شخصية جديدة مثلت الفرد الاستثنائي وهذا أدى إلى بروز الولع الشديد بالبطل.
وقد ارتبطت شخصية البطل بالطبقة الحاكمة أو الطبقة الأرستقراطية مع وجود خط مستقل وبموجب قواعد التراجيديا الأرسطية فإن البطل يكافئ بسبب تأييده لقيم الطبقة التي ينتمي إليها، غير أنه يتعرض في نهاية المطاف إلى عقوبة صارمة من جراء الخلل في شخصيته، ومثل هذا الخلل كان السبب في ارتقاءه الى مكانة البطل. في هذه الأثناء يشاهد المتفرجون ما يحصل فيشعرون بالمعاناة مثله من خلال عواطفهم وتعاطفهم معه.
تطور مسرح المضطهدين
يذهب شوبس إلى الاعتقاد أن برتولت بريشت (1896 – 1956) قد أسهم كثيراً في إثراء أشكال المسرح الحديث، فقد كان دوره بارزاً إلى حد كبير في المسرح الحديث ومثّل تحدياً لمنهج أرسطو بخصوص المسرح بصفته نشاطاً يرتبط بالمتفرجين.
ورغم أنه أيد رأي أرسطو في أن المسرح لابد أن يكون مكاناً للترفيه والمتعة لكن بريشت عارض مفهوم أرسطو حول تطهير العواطف بالفن وسعى بدلاً من ذلك إلى تحفيز عقول الجمهور في ما يخص العالم من حولهم ومكانتهم في ذلك العالم والنزاعات التي تحيط بهم.
وكانت الرغبة تحدو بريشت بأن يكون رد فعل الجمهور من خلال العقل وليس العاطفة.
ويعتبر شوبس بريشت مجدداً ومتمكناً من تكييف التراث الأدبي وتطويعه لأهدافه الخاصة، كما أنه أفلح في تضمين الاقتصاد والسياسة في نصوصه ويرى أن أفضل إسهام لبريشت في المسرح الحديث يتجسد في مسرحية دائرة الطباشير القوقازية التي يقوم بها المغني، الحاكي بدور القاص والمعلق والمفسر للنزاع ، وهي شخصية تدل بوضوح على إبداع الكاتب.
وفي الولايات المتحدة هناك العديد ممن ساروا على خطى بريشت لعل من أهمهم وأكثرهم شهرة جماعة المسرح الحي التعاوني التي تأسست عام 1947 بقيادة الممثلين (جوديث مالينا) و (جوديث بيك) ومنذ فترة الخمسينيات من القرن الماضي تعاظم تأثيره وألهم جماعات مثل فرقة التمثيل الإيمائي في سان فرانسيسكو وكذلك فرقة التيترو كامبيسينو.
كما يتضح تأثير بريشت بجلاء في أعمال الناشط المقروء كثيراً (أيمامو أميري باراكا) الذي كان يعرف في السابق باسم (ليروي جون).
وفي عام 1964 أضفى باراكا صبغة سياسية على المسرح الوطني من خلال مسرحيته (الهولندي) التي حصلت على جائزة أوبي تبعها في السنة اللاحقة بمسرحية العبد والمرحاض وترمز مسرحيات باراكا إلى المواجهات والعداء وفقدان الثقة بسبب العنصرية في أمريكا.
وقد وصل تأثير بريشت مختلف أرجاء الولايات المتحدة، وأثر على فنانين نشطاء مثل جون أونيل وهو كاتب أمريكي من أصول أفريقية، كما أنه ممثل معروف بتجسيد الشخصية الشعبية المعروفة بجون باك جوبا جونز.
ويقر أونيل بالتأثير الذي تركه بريشت والمسرح الحي على قراره في ابتداع المسرح الذي يتحدث عن كرامة الأمريكان من أصول أفريقية وعزتهم في مواجهة الاضطهاد الفاضح.
وقد استخدم أونيل بريشت مصدراً رئيسياً له في كتاباته وتفكيره، كما أنه استخدم مسرح الحقيبة الذي ارتبط بلانكيستن هيوز وتيد وارد مثالاً يحتذى به ليعمل بعدها بالتعاون مع توم دينت وجيلبرت موس على تأسيس المسرح الجنوبي الحر (1963) في نيو أورلينز وكان الهدف من ذلك تأسيس مسرح يشجع أولئك المنضمين إلى الحركة ويدعمهم.
وقد سعى هذا المسرح إلى تجسيد حياة الفقراء والطبقة العاملة في الجنوب على خشبة المسرح مما حفز العاملين في (حركة الحقوق المدنية) على التفكير النقدي والتأملي وكان الشعار الذي تبناه المسرح الجنوبي الحر هو (هذا المسرح لمن لا مسرح له).
ويعتبر أوغستو بول، وهو ناشط سياسي برازيلي ومخرج مسرحي في مسرح أرينا (1956 – 1971) من أفضل تلامذة بريشت المجددين البارزين.
في عام 1971 نشر بول كتابه مسرح المضطهدين الذي يسرد فيه تطوره الثقافي ويوضح فيه تجاوبه مع تأثير بريشت والمنظّر التربوي باولو فريري وتأثيرهما على تفكيره.
وقد طالب فريري (1970) بأن يقدم الفنانون دعمهم لكفاح الناس من خلال تكريس أنفسهم لتفكير الناس.
ولم يشجع على التركيز على أفعال الإنسان لأن مثل هذا التركيز سوف يفضي إلى الفوضى لأن التركيز الحقيقي يجب أن ينصب على التفكير واللغة واستثمارهما في الإشارة إلى الواقع، والمستويات التي يتم إدراك ذلك الواقع بموجبهما وكذلك وجهة النظر إزاء العالم. وحذر قائلا ” لا تقصد الناس بهدف تخليصهم إنما عليك أن تفهم من خلال الحوار” .
لقد تأثر بول كثيراً بذلك وعمد إلى ربط عمله في مجال النشاط المدني مع خبرته في مجال المسرح ليبتدع شكلا من المسرح أثبت جدواه في المساعي التي قامت بها الطبقة الدنيا في البرازيل في تغيير واقعهم الشخصي والاجتماعي إلى وعي وفعل سياسي.
ونظر بول إلى المسرح باعتباره أداة للتربية والتعليم وكان هدفه زيادة القدرة على مواجهة العوامل الداخلية والخارجية في النزاعات المتأصلة من خلال تعزيز القدرة على الاعتقاد لأحداث التغيير.
وفي أعقاب إنتاج مسرحية زومي وهي أكثر مسرحيات مسرح أرينا نجاحاً جاءت مسرحية الجوكر والتي تمثل أكثر إسهامات بول التجديدية في المسرح الجماهيري والتي تعهدت بإحداث التغيير الاجتماعي.
ومسرحية الجوكر تحث الجمهور على النظر إلى النزاع من زوايا كثيرة والتفكير بمسببات مثل هذا النزاع وما يمكن أن يحصل بعد ذلك.
ويرى بول (1979) أن مثل تلك الأهداف يمكن أن تتحقق من خلال شكل مسرحي يشمل سبع مراحل هي: التكريس والإيضاح وسلسلة الأحداث المترابطة والمشاهد والتعليق والمقابلة والنصح.
- تشبه مرحلة التكريس كثيراً الطقس الأفريقي المعروف بالإراقة تكريماً للأسلاف قبل الدخول في أي حوار عام. وربما يكون التكريس في إطار هدف مسرحية الجوكر تكريماً لشخص مثالي ربما يقدم تاريخه الشخصي معرفة للإنتاج القائم في تلك اللحظة، وهو ما يسهم بتثقيف الجمهور الحاضر للعرض.
- وأثناء الإيضاح يحظى الجوكر بالسلطة الكافية التي تؤهله للتداخل في أي وقت يشاء حين تدعو الحاجة إلى طرح مزيد من المعلومات وعند ذاك يتوقف الأداء وتتم عملية تبادل المعلومات بشكل محاضرة يتم فيها عرض الخرائط أو الشرائح المنزلقة (السلايدات). ويهدف ذلك الى توجيه التركيز على الأداء من منظور الشخص الذي يقوم بتلك الحركة.
- وتشير سلسلة الأحداث المترابطة إلى المشاهد المترابطة مع بعضها. ويطالب بول بسلسلتين من تلك الأحداث المترابطة بشرط أن تضم السلسلة الأولى مشهداً إضافياً إلى ما تحتويه السلسلة الثانية.
- وتحظى المشاهد بأهمية محدودة لكن المشهد مع ذلك يعتبر شيئاً متكاملاً بذاته ويمكن أن يتخذ شكل حوار أو أغنية أو رقص أو قصيدة أو خطاب ويهدف كل مشهد من المشاهد إلى بيان التغيير النوعي في نظام القوى المتنازعة.
- ويعمل التعليق على ربط كل مشهد بالمشهد الآخر ويرجّح أن يكون ذلك بصيغة شعر مقفى تلقيه جوقة من المنشدين ولأن كل مشهد يحمل في طياته تنوعاً كبيراً فإن التعليق يستهدف إشعار الجمهور بحصول أي تغيير.
- وحين يرى الجوكرأن إحدى الشخصيات تحتاج إلى المزيد من الوقت لإيضاح فكرة ما يتم حينئذ اللجوء إلى (المقابلة)، وخلال فترة المقابلة يسمح للشخصية بالحديث المباشر عما تظنه صحيحاً وبيان أسباب ذلك.
- وأثناء فترة النصح يلتمس الجوكر الجمهور على نحو عاجل مستخدماً النثر أو الغناء بالتوافق مع الموضوع.
ويعتبر مسرح الصورة واحداً من أهم الأساليب الشعبية التي تبناها بول لإعانة أطراف النزاع على تصور النزاع.
يمثل مسرح الصورة أداة لتحدي القوالب النمطية ويشجع على التقمص العاطفي.
وتشمل أساليب مسرح المضطهدين الأخرى الصورة التحليلية والصورة متغيرة الألوان والصورة السينمائية والصورة المضادة وصورة الخصوم … الخ).
وقد سار بول (1979) على منوال بريشت فأبدى توافقه الوظيفي مع أرسطو لكنه ناقضه من الناحية السياسية، وأبدى موافقته على أن المسرح لابد أن يؤدي دوراً في حياة المتلقي من خلال إبراز القيم والتطلعات لكن بول يبدي معارضته لأرسطو الذي آمن باستقلالية الفن في إطار العلاقة مع السياسة.
والمسرح من منظور أرسطو يمثل إحدى وسائل التحكم اللازمة لتعليم وتعزيز الدور الثانوي لأولئك الذين ينظر إليهم باعتبارهم غير متساوين. ويفسر بول فكرة أرسطو بالآتي: (تكمن السعادة في الانصياع للقوانين) وعليه فإن بول يرى أن أرسطو يعمل على تأسيس نظام سياسي قوي هدفه (ترويع المشاهد بهدف التخلص من التوجهات السيئة أو غير القانونية لدى الجمهور).
المصدر :
https://www.inmotionmagazine.com/theater.html
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.