توقفوا عن الإعتداء على الثقافة
مرة أخرى تجدنا مضطرين للوقوف أمام ظاهرة الإساءة إلى الأدب بكافة أنواعه من شعر ورواية وقصة من خلال تشكيل جمعيات ومؤسسات وأطر ثقافية في الدانمرك بهدف الحصول على مكاسب وامتيازات ضيقة وأنانية، يقوم بها بعض الأفراد المفلسين والذين يبحثون عن الشهرة وتصدر المشهد الثقافي في الدانمرك إضافة إلى الطمع بالحصول على المكاسب المالية التي تدفعها الدولة من خلال مؤسساتها المختلفة ومن خلال منظمات المجتمع المدني والوزارات والأقاليم وكذلك البلديات.
فالقانون في الدانمرك على سبيل المثال يتيح تشكيل جمعيات وأطر متنوعة ومتعددة المهام والوظائف ابتداء من جمعيات الهواة في مختلف النشاطات البدنية والفكرية مروراً بلجان الأحياء السكنية التي تتعدد مهامها وتختلف من الإشراف على الشباب الذين يقطنون هذا الحي أو ذاك أو رعاية كبار السن إلى جمعيات ذات طابع واسع قد تتجاوز أنشطتها حدود الدانمرك إلى بعض الدول خاصة النامية والفقيرة منها.
والقانون أيضاً يعطي الحق لمن يشكلون واحدة من هذه الأطر في الحصول على أموال من الدولة من أجل تنفيذ خطط هذه الجمعيات والمؤسسات، والحقيقة إنها مبالغ قد تصل إلى مئات آلاف الكرونات سنوياً في بعض هذه الجمعيات.
هذا القانون قديم وقد سنَّه المشرع الدانمركي للشعب الدانمركي قبل وصول موجات الهجرة واللجوء إلى الدانمرك وخاصة من المنطقة العربية على أثر الحرب الأهلية اللبنانية في نهاية السبعينيات ومن بعدها خلال الحرب العراقية في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وقد استغل بعض من العرب بذكاء هذا القانون / الحق خلال السنوات المنصرمة، واستغلوا طيبة وكرم الدانمركيين مع الوافدين الجدد، وشكلوا أطراً في معظمها وهمية على الورق فقط أوالإكتفاء بالإعلان عن هذه الجمعيات وكتابة نظامها الداخلي ووضع خططها السنوية، وما أن يحصل القائمون على هذه الجمعيات على الأموال من الدولة حتى لا يعد يربطهم بهذه الأطر إلا كشف الحساب للجهة الداعمة في آخر كل عام، وهنا كانت تقدم فواتيروهمية او مضاعفة أرقامها، لذلك فقد استفاد العشرات بل المئات من ضعاف النفوس وحولوا إلى جيوبهم الخاصة مبالغ مالية كبيرة منهم من تم كشف أمره بالصدفة والغالبية العظمى منهم لم يتم اكتشاف سرقاتهم، إلى أن جاء يوم وقامت الدانمرك بتعديل هذا القانون وحصره في أضيق المجالات، وهذا يعني أنه ما زال بإمكانك أن تعلن عن تشكيل جمعية لوظيفة وأهداف ما مهمة وتحصل على دعم الدولة المالي.
ولكن ماهي مناسبة هذه المقدمة؟
اليوم يخرج علينا مرة أخرى البعض من مدعي الثقافة في الساحة الدانمركية بتشكيل إطار ثقافي يعنى بالشعر والنثر والقصة والرواية، الذي أعلن عن تأسيسه قبل بضعة أشهر كجمعية جديدة للأدب، المصيبة أن صاحب الفكرة ومن قام بتسجيل الجمعية ومن أعلن عنها وأشهرها هم زوج وزوجة عربيان لاعلاقة لهما لا بالأدب ولا بالشعر ولا بالثقافة ولا بالسياسة، فطوال فترة إقامتي في الدانمرك لم أسمع باسميهما ولم أرهما يوماً في نشاط ثقافي أو سياسي أو في مناسبة وطنية وما أكثرها، ولم يشاركا يوماً في مسيرة ولا مظاهرة.
وقد قاما بأنفسهما بتوزيع المناصب على بعضهما فتم بعونه تعيين الزو جة رئيسة الجمعية، والزوج أميناً للسر!!
الزوجان في سن التقاعد وهذا يفسر واحداً من الدوافع وراء تشكيل الجمعية، فيبدو أنهما يريدان إشغال نفسيهما بما يعبئ وقتهما، وهذا شيء لا غبار عليه، فكان بإمكانهما أن يضعا خطة لزيارة بعض الدول، كما يفعل الدانمركيون، أو السفر للمعيشة في بلدهما الأم كما يفعل كثير من المهاجرين بعد أن يتقدم بهم العمر، أما أن يتمخض تفكيرهما عن الإعلان عن تشكيل جمعية ثقافية للأدب فهذا والله لعجب العجاب. فما هو سر هذا الإهتمام المفاجئ بالثقافة بعد الستين؟
المفارقة الأكبر انهما وجدا بعض مدعي الثقافة وبعض الشعراء المغمورين ممن لم يسمع بهم أحد يوماً يصفقون لهذا المشروع.
الزوج والزوجة يبدو أنه تربطهم علاقات مع بعض المتنفذين في وزارتي الإعلام والثقافة في بلدهم الأصلي، وهم يستغلون هذه العلاقات لصالح تسويق جمعيتهم الثقافية في الدانمرك، بل أن أحد أصدقائهم رتّب لقاء تلفزيونياً مع الزوجة مديرة الجمعية للحديث عن الثقافة ومشاكلها وهمومها والأدب والشعر والشعراء في الدانمرك!!
الزوجان المثقفان يعتمدان بشكل أساسي على العلاقات العامة وعلى دور الصورة لنشر مشروعهم، وحولهم بعض ممن انتهت صلاحيتهم، الغاية من وجودهم هو التدليس والتلميع بهدف التقاط بعض الفتات من وراء هذا المشروع.
هل هانت علينا الثقافة هكذا؟ هل الشعر أصبح عمل من لاعمل له؟ هل ذهب الحياء من نفوس البعض منا إلى هذه الدرجة؟
مما لا شك فيه أن من ينتحل صفة مثقف أو شاعر لن يستطيع الإستمرار في الكذب على نفسه وعلى الآخرين، ولا بد من يوم سيأتي وسينكشف الوجه الحقيقي له، خاصة في أجواء المبدعين، فكل مدع سوف يظهر جهله في أول احتكاك مع الآخرين، والعودة مرة أخرى إلى اللعب على وتر الجمعيات والمؤسسات في الدانمرك، يسيء لنا حتى لو حاول القائمون على همسة سما الثقافية الإيحاء لنا أنهم أصحاب مشروع جدي.
إن الثقافة والعمل الثقافي يحتاجان إلى كل تجرد من المصالح الشخصية، ويحتاجان إلى أناس متخصصين بالأدب وأنواعه، فليس مقبولا أن يأتي زيد أو عبيد من هنا أو هناك ليرعى مشروعاً ثقافياً، وعدم وجود أطر ثقافية عديدة خاصة بنا في الدانمرك ليس عذراً مقبولاً لأولئك الذين ينتسبون إلى مثل هذه الجمعية بحجة أننا نريد أن يصل ما نكتبه إلى الآخرين، فهم يتحملون المسؤولية المباشرة بالمساهمة في الانحطاط الثقافي من خلال مشاركتهم، أما هؤلاء المغمورين الذين ركبوا موجة الشعر وصدقوا أنهم شعراء أقول كفوا عن الإساء إلى الشعر وإلى الأدب، وقوموا بما تجيدون فعله لعلكم تبدعون فيه واتركوا الشعر لأهله، وكفاكم نفاقاً ورياءً في تعاملكم مع القائمين على هذه الجمعية، كفوا عن التصفيق والتهليل وارحمونا رحمكم الله.
ماذا بعد..
إن الثقافة ليست ربطة عنق نضعها في المناسبات، وليست يافطة جاهزة عليها بعض الشعارات نرفعها ونعلقها أينما حللنا، والثقافة ليست كذلك مجموعة صور وليست منصة وميكرفون، وليست علاقات عامة، وهي بالطبع ليست عمل براغماتي.
إن الموهبة الحقيقية تدل على نفسها، فلتتوقف ثقافة المهرجانات وثقافة التطبيل والتزمير التي لا نحصد منها سوى الخيبات.
ويجب أن لا يكون اهتمامنا بالثقافة شبيهاً بحرصنا على وجود منتجعات سياحية فخمة للجذب السياحي..
ايها القائمون على هذه الجمعية الثقافية المزعومة يحتاج الأمر إلى بعض الخجل… فإني أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً.
إعلامي وكاتب وصحفي فلسطيني مقيم في الدنمارك
عضو الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
عضو اتحاد الصحفيين الدنماركيين
عضو إتحاد كتاب الإنترنت العرب
عضو منظمة مراسلون بلا حدود
عضو جمعية الأدباء والمثقفين الفلسطينيين
عضو المجلس العالمي للصحافة
عضو جمعية الصداقة الفلسطينية الدنماركية
عضو لجان حق العودة الفلسطينية
عضو منظمة العفو الدولية
عضو جمعية الصليب الأحمر الدنماركي
من أسرة تحرير مجلة الهدف الفلسطينية سابقا، عمل في راديو منظمة إدفاد الدولية لمكافحة التمييز العنصري، كمعد ومقدم برنامج متنوع، ثم عمل في تلفزيون كوبنهاجن، معد برامج خاصة عن اللاجئين في الدنمارك، نشر المئات من المقالات السياسية والثقافية في العديد من الصحف والمجلات.
ناشط سياسي وحقوقي، له العديد من المساهمات في الحملات القانونية الدولية، ومتعاون مع منظمة مساعدة اللاجئين الدنماركية كمنظمة غير حكومية في العديد من المشاريع، لديه إهتمام في نظم الشعر الحديث، أصدر مجموعتين بعنوان: (ثرثرة فوق كانون), و (ما عدت طفلاً),.