حين يعكف المترجم على ترجمة نص مسرحي فإن هدفه الأساسي بالطبع أن يؤدى هذا النص على خشبة المسرح بنجاح مما يتعين عليه أن يضع في الحسبان المشاهدين المحتملين لذلك النص رغم أن صياغته بعناية وايلائه اهتماما كبيرا سوف يؤديان إلى لجوئه إلى الحد الأدنى من التسويات أثناء الترجمة لصالح القاريء. ثم أن المترجم يعمل في ظل قيود معينة ، فعلى خلاف مترجم النصوص الروائية ليس بمقدور مترجم النص المسرحي أن يلجأ إلى التعليق على التوريات والعبارات الغامضة أو الإشارات الثقافية أو ايضاحها أو أن ينقل المفردات واضعا نصب عينيه نقل الصبغة المحلية فنصه مسرحي في جوهره يركز فيه على الأفعال Verbs وليس الأوصاف أو التوضيحات ذات الصلة بالنص.
في هذا السياق يذكر مايكل مير Michael Meyer في مقالة مقتضبة منشورة في الكتاب الموسوم Twentieth Century Studies (دراسات من القرن العشرين) مقتبسا فكرته من تي راتيكان T. Rattigan أن المفردة المنطوقة تتفوق خمس مرات في قوتها وأثرها على نظيرتها المكتوبة، أي ان ما يطرحه الكاتب الروائي في 30 سطرا يدبجه الكاتب المسرحي في 5 أسطر. من ناحيتي أظن أن مثل هذا الطرح الحسابي خاطىء لكنه يظهر أن ترجمة النص المسرحي تتصف بالايجاز المحكم ولا تحتمل أية ترجمة مزيدة over-translation.
كما يميز مير بين النص المسرحي والمعنى الضمني الذي يحمله النص ، أي بين المعنى الحرفي و (الغرض الحقيقي) ونعني به المعنى الكامن بين السطور وهو يرى أن الشخص الذي يسأل حول موضوع لديه مشاعر معقدة إزاءه سوف يراوغ في اجابته (وبصيغة مواربة) فشخصيات أبسن Ibsen على سبيل المثال تقول شيئا لكنها ترمي إلى شيء مختلف. لذا يتعين على المترجم أن يصوغ جمله بحيث يجعل المعنى الضمني sub-text واضحا في النص المترجم (إلى اللغة الإنكليزية مثلا) غير أن مير لا يعطي أية أمثلة بخصوص هذا الأمر.
ومن الطبيعي أن نتوقع ترجمة دلالية semantic للسطر المترجم وهي ترجمة ربما تقترب من الترجمة الحرفية كي تظهر مضامينها بشكل أوضح قياسا بالترجمة التواصلية communicative التي تعمد إلى جعل الحوار سهل النطق فجمل مثل Aren’t you feeling the cold? (ألا تشعر بالبرودة؟) و I think your husband is faithful to you (أظن أن زوجك مخلص لك) تنطوي على مضامين تشي بالتهرب (من قول شيء ما) والريبة، على التوالي، في أية لغة بشرط وجود تداخل ثقافي فيما بينها حيث أن اختلاف الجو العام أو السلوك الأخلاقي الجنسي كثيرا في ثقافة اللغة المصدر واللغة الهدف يعني وجود مضامين متباينة.
وأخيرا يتوجب على مترجم النصوص المسرحية على وجه الخصوص أن يترجم إلى لغة الهدف (الحديثة) إذا أراد لشخصياته أن (تحيا) آخذاً في الحسبان أن اللغة الحديثة تغطي حقبة زمنية تصل إلى 70 عاما، أما إذا تحدثت إحدى الشخصيات بلغة فصيحة أو قديمة جدا في نص اللغة الأصل الذي كتب منذ 500 عام فإن الترجمة لا بد أن تحمل الصفات ذاتها مع الحفاظ على اللهجة المميزة لمجموعة ما register وكذلك الطبقة الاجتماعية والثقافة والمزاج العام.
وهكذا يظل الحوار مسرحيا مع النزوع إلى عدم التساهل والتنازل حيال جمهور المشاهدين المحتملين. أما ما يتعلق بالجانب اللغوي ومعه الدقة التي يتصف بها نص اللغة الأصل فإن الترجمة سوف تكون حتما أدنى درجة لكنها أبسط لكنها تمثل تقديما أحادي الجانب للنص الأصلي ففلسفة كانت Kant يقرؤها الفرنسيون بيسر مقارنة بقراءتها في النص الأصلي من جانب الألمان.
وإذا كان هدف المترجم لدى ترجمة إحدى المسرحيات العظيمة متعة القراء والدراسة العلمية فضلا عن أدائها على خشبة المسرح فإن الهدف الأخير أعلاه لابد أن يكون هو الهدف الرئيسي بشرط أن لا يكون هناك ثمة اختلاف في الترجمة سواء كان الغرض قراءة النص المسرحي أم تمثيله، أما إذا شاء المترجم أن يلتفت إلى القراء أو الباحثين فبمقدوره أن يثبت بعض الملاحظات للإيضاح أو التعليق. مع ذلك يتعين عليه أحيانا أن يعمد إلى الإسهاب أثناء ترجمة الإستعارات الثقافية والإشارات الضمنية وأسماء الأعلام في ذات النص وأن لا يسعى إلى استبدال الإشارة الضمنية بما توحي به من معنى. وحين تترجم المسرحية من ثقافة اللغة المصدر إلى اللغة الهدف فإنها لم تعد ترجمة محضة إنما يمكن اعتبارها تعديلا على النص الأصلي.
المصدر
Peter Newmark. A Textbook of Translation. Prentice Hall Publications, London, 1988.
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.