مما لا يرقى إليه شك أن الإسلام أولى الإنسان بصفة عامة مكانة متميزة وجعله منطلق دعوته وهدفها الأسمى. وكثيرة هي الآيات القرآنية التي تشهد على تكريم الإنسان والعناية به وتخصيصه بما هو أهل له من رعاية واهتمام.
داخل هذا الموقف المبدئي العام، كان من الطبيعي أن يخصص الإسلام أهميةً متميزةً للمستضعفين من البشر، أو الذين يعيشون أوضاعاً خاصةً بحكم أحوالهم الاجتماعية أو معاناتهم الجسدية. أي أن الإسلام فيما حملته رسالته من تجاوز لما كان سائداً في عدة حضارات، قد جاء كذلك برؤية مغايرة لمن يسمون بالأشخاص ذوي الإعاقة.
وعن مبادئ العدل والمساواة قال عزو جل: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم) (الآية 13 ـ سورة الحجرات). ذاك هو جوهر رسالة الإسلام إلى البشرية: الأخوة والعدل والمساواة، مبادئ سامية بشر بها الإسلام، وسعى المسلمون إلى نشرها لتكون الخلفية الحضارية البديلة التي جاءت بها الرسالة المحمدية.
إن سمو الخطاب في هذه الآية يتعالى بقيمة الإنسان المخلوق بفوارقه الطبيعة (ذكر وأنثى)، واختلافاته الثقافية (الشعوب والقبائل) والمحكوم عليه بالتلاقح والتفاعل.
إن احتلال أعلى الدرجات، واستحقاق التكريم السامي يكون ببلوغ أعلى درجات التقوى، أي الصلاح وفعل الخير وحسن السلوك. وهكذا لم يكن أكرم الناس هو الوسيم أو السليم أو المعتد بهيأته و (كماله)، بل هو صاحب التقوى، أي الوفي لرسالة الدين في بعدها الإنساني. هذا التصور تؤكده آية أخرى في نفس القوة وعمق الدلالة في قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) (الآية 70 ـ سورة الإسراء)، أي أن كل بني البشر معززون ومكرمون ومفضلون على باقي المخلوقات الأخرى. والفروق المادية والجسدية والعرقية بين بني آدم غير ذات أهمية، بل إنها ثانوية تماماً حسب القرآن الكريم، وبالتالي يمكننا ببساطة أن نستنتج بأن موقف الإسلام من الإعاقة ثم من الشخص المعاق، هو موقف مبدئي ينبني على المساواة، والعدل والإخاء.
إن النص القرآني صريح وواضح حول هذا الموضوع: ليس هناك أي تمييز بين بني البشر، ثم ليس هناك أي تمييز بين الشعوب المسلمة، وأخيراً ليس هناك أي تمييز بين الأفراد المسلمين، سواء حملوا إعاقةً أم لم يحملوها. لقد اعترف القرآن بالضعف والقوة، بالصحة والمرض مثلما اعترف بثنائيات عديدة حفل بها الوجود، لكنه لم يدعُ إلى طغيان الأقوياء أو هيمنة الأصحاء (بين قوسين)، بل دعا إلى التآخي والتآزر والتساكن والتعايش بين الجميع.
والمتامل لسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام يجد الكثير من المبادىء والقيم المنطلقة من القرآن والتى تحث على التعامل الإنسااني الأسمى، فإننا عندما نتعامل مع الشخص ذي الإعاقة يجب أن يكون قدوتنا الرسول (عليه الصلاة والسلام). قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا)، فقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أصدق الناس مع الناس وارحم الناس بالناس.
ومن النماذح في سيرته العطرة (عليه الصلاة والسلام) في العبادة والعمل الصالح كان يوصي كل فرد حسب طاقته وإمكانياته، لم يكن ياتي إلى إنسان عاجز أو مريض فيوصيه بالصيام أو الجهاد، ولكن كان يوصيه بذكر الله تعالى.
وفي (سنن الترمذي) عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه ـ وهو شيخ كبير مسن ـ؛ قال: اتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقلت: يارسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي؛ فأوصني قال: (لا يزال لسانك رطب من ذكر الله تعالى).
وعن أبي مسعود: ان رجلا قال: والله يارسول الله! إني لأتاخر عن صلاة الغداة (أي صلاة الصبح) من أجل فلان مما يطيل بنا، فمار رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال: (يا أيها الناس! منكم منفرين؛ فأيكم ما صلى بالناس؛ فليتجوز؛ فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة) رواه البخاري ومسلم.
وقال الأمام أحمد: حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه، عن قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن السود ابن سريع: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع، ورجل هرم، ورجل أحمق، ورجل مات في الفترة، أما الأصم؛ فيقول: رب! لقد جاء الإسلام وأنا ما أسمع شيئا. وأما الأحمق؛ فيقول: رب! لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر. وأما الهرم؛ فيقول: رب! لقد جاء الإسلام وما أعقل. واما الذي في الفترة؛ فيقول: رب! ما أتاني رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطعينه، فيرسل إليهم رسولا إن ادخلوا النار. فوالذي نفسي بيده؛ لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً).
وقد أشار ديننا الإسلامي إلى فتح باب التيسيير والمرونة وهو الأمر الذي استفاد منه الأشخاص ذوو الإعاقة، مثلما جاء في سورة النور: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج، ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم، أو بيوت أمهاتكم، أو بيوت إخوانكم، أو بيوت أخواتكم، أو بيوت أعمامكم…) (الآية 61).
ورفع الحرج هنا ليس انتقاصاً من أهلية الأعمى أو الأعرج، فكرياً واجتماعياً، ولكنه فتح للباب أمامهم، من أجل التواصل الاجتماعي، والقرآن الكريم والسنة النبوية صريحان في موقفهما المبدئي من ضرورة عدم تجاهل الشخص ذي الإعاقة وإعطائه الاعتبار الذي يستحق، انطلاقاً من كونه إنساناً أولاً وقبل كل شيء، يعيش مع الآخرين في مجتمع ويتفاعل معهم داخله، وقد وجدنا أفضل تعبير عن هذا الموقف في الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري ومسلم: (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
من القصص القرآني الجميل المليء بالإيحاءات، نذكر سورة عبس التي تحكي أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في مجلس مع عدد من زعماء الجاهلية بمكة، يعظهم ويحثهم على الإيمان. وبينما هو كذلك، إذ دخل عليه رجل فقير ضرير، هو الصحابي الجليل عبد اللّه بن أم مكتوم (رضي الله عنه) سائلاً عن الآيات التي نزلت في غيبته، فلم يجبه الرسول، فألح في السؤال، إلا أن الرسول لم يجبه، رغم إلحاحه، بل عبس في وجهه وأعرض عنه، وكانت تلك مناسبة نزول الآيات الكريمة: (عبس وتولَّى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يَزَّكَى، أو يَذَّكَّرَ فتنفعه الذكرى، أما من استغنى، فأنت له تَصَدَّى، وما عليك ألاَّ يَزَّكَّى، وأما من جاءك يسعى، وهو يخشى فأنت عنه تَلَهَّى، كلاَّ إنها تذكرة) (الآيات من 1 إلى 11، سورة عبس).
يمكن القول إن العتاب القرآني لما صدر عن النبي من سلوك وهو في معمعان الدعوة، قد رسم سلوكاً إسلامياً راقياً يحث بالأساس على عدم استصغار الآخر أو تحقير قيمته، مهما كانت الفوارق، سواء أكانت مادية أو ثقافية أو جسدية أو عرقية أو غيرها. ويحكى أن أثر هذا العتاب القرآني الوارد في سورة عبس، بقي حيّاً في ضمير الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان كلما رأى ذلك الصحابي الأعمى، إلاَّ وهش له ورحب قائلاً: (أهلاً بمن عاتبني فيه ربي).
وأشار ديننا الإسلامي الحنيف أن كل ما يحدث للإنسان، خيراً كان أو شراً، نفعاً كان أو ضرراً، هو أولاً وقبل كل شيء قضاء وقدر، والمفروض أن المسلم لا يكتمل إيمانه إلا بتسليمه المطلق بالقضاء والقدر، وبالتالي فحدوث العجز أو الإعاقة، يدخل من باب أولى في إطار القضاء والقدر، والتسليم بذلك والصبر عليه والعيش وفقه، هو جزء لا يتجزأ من الإيمان، على اعتبار أيضاً أن الحياة الدنيا عابرة، وأن اللّه يعد في الآخرة أحسن الجزاء للمؤمنين الصابرين
وإخيراً إن الإعاقة في بني آدم قدر حكيم، لكن العجب قد يكون أشد حين نقول إن آدم وذريته قد عرفت فيهم الإعاقات بأنواعها من قبل أن يخلقوا ويقدر وجودهم على الأرض وأنها – أي الإعاقة – تقدير محكم ممن خلق فسوى، وقدر فهدى.
ويزول العجب حين نقرأ بين أحاديث رسول الله قوله: (لما خلق الله آدم، مسح ظهره فسقط من ظهره كلُّ نسمة تكون إلى يوم القيامة، فعرضهم على آدم، فرأى فيهم القوي والضعيف والغني والفقير، والمبتلى، قال: يا رب ألا سوَّيت بينهم؟ قال: أردتُ أن أُشكر). أخرجه أبو يعلى في مسنده (6377) وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال المحقق حسين سليم أسد: إسناده حسن. وقد توسع في تخريج الحديث جزاه الله خيراً.
وفي رواية أخرى: (ثم عرضهم على آدم، فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك، وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع السقام، فقال آدم: يارب لما فعلت هذا بذريتي؟ قال: كي تشكر نعمتي).
فقد اقتضت حكمة رب العالمين إذن أن يكون في أبناء آدم ذوو إعاقة، والغاية؛ أن يبصر غير المعاقين نعمة الكمال فيهم من خلال رؤية الإعاقة في إخوانهم فيدركون سعة رحمة الله بهم، ويشكرونه على نعمته.
من أجل ذلك كان من هدي رسول الله هذا التعليم النبوي الكريم لأمته، ممثلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، إلا عُوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش). (أخرجه الترمذي (3431) والبغوي (1337) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6248).
وهذا الأثر يعلم المجتمع المسلم حين رؤية الإعاقة في أحد أفراده:
- أن تمتلئ نفسه بالشعور بالشكر لله تعالى على نعمة المعافاة.
- أن يترجم هذا الشكر بقول ما جاء في الحديث الشريف.
- أن يكون قوله بصوت خفيض جداً لا يسمعه الشخص ذو الإعاقة؛ حفاظاً على مشاعره، وعملاً بقوله في رواية أخرى (ولا يسمعه) أي: لا يسمع الشخص ذو الإعاقة ما قاله حمداً على نعمة العافية.
في ضوء ما سبق يجب أن يفهم المسلم قول الله تعالى مخاطباً الإنسان لإخراجه من الاغترار بصحته، واكتمال نعمة العافية فيه.
قال تعالى: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك) (الآيات 6 و7 و8، سورة الإنفطار).
- مسؤول التخطيط والمتابعة، والمشرف العام لبرنامج العلاج بالموسيقى ، والمشرف للفريق البحثي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، ورئيس رابطة التوعية البيئية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حتى الآن
- حاصلة على بكالوريوس من جامعة بيروت العربية ، وعلى العديد من الدبلومات المهنية والتخصصية العربية الدولية في مجالات التخطيط والجودة والتميز والتقييم والتدريب
- اختصاصي في التخطيط الاستراتيجي والاستشراف في المستقبل – LMG – جنيف ، سويسرا
- مدرب دولي معتمد من الأكاديمية البريطانية للموارد البشرية والمركز العالمي الكندي للتدريب وجامعة مانشستر وبوستن
- خبير الحوكمة والتطوير المؤسسي المتعمد من كلية الإدارة الدولية المتقدمة IMNC بهولندا
- مقيم ومحكم دولي معتمد من المؤسسة الأوربية للجودة EFQM، عضوة مقيمة ومحكم في العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية خبيرة في إعداد تقارير الاستدامة وفق المبادرة العالمية للتقارير – GRI
- مدقق رئيسي في الجودة الإدارية أيزو 9100 IRCA السجل الدولي للمدققين المعتمدين من معهد الجودة المعتمد بلندن – CQI
- أعددت مجموعة من البحوث و الدراسات منها ما حاز على جوائز وقدم في مؤتمرات
- كاتبة و لديها العديد من المقالات المنشورة في الصحف و المجلات وبعض الإصدارات
- قدمت ونفذت العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات الهادفة والتطوعية والمستدامة لحينه
- حاصلة على العديد من الجوائز على المستوى المحلي والعربي منها : جائزة الشارقة للعمل التطوعي ، جائزة خليفة التربوية ، الموظف المتميز ، جائزة أفضل مقال في معرض الشارقة الدولي للكتاب
- حاصلة على العديد من شهادات الشكر والتقدير على التميز في الأداء والكفاءة.
- شاركت في تقديم العديد من البرامج التدريبية في مختلف المجالات الإدارية والجودة والتميز
- عضوة في العديد من الهيئات و المنظمات التربوية والتدريبية والجودة والتميز والتطوعية داخل وخارج الدولة