منذ أن قال هيروقليطس: (هيهات أن يسبح الإنسان في النهر مرتين) بدأ الفكر يرخي حبل غاربه على سفينة الزمن التي طوت المراحل المستمرة في حركتها وشكلت تناقضا ً فيما بينها، موت وحياة، زهر وشوك، شباب وشيخوخة، هموم وغيم، وهكذا سمت الألفاظ تقترب من نظائرها لتعطي دلالات متغايرة فبرزت الجدلية في الحياة والممارسة وكانت في العلوم المتنوعة، ومنها جدل القلب الذي يعنى بولع النفس الإنسانية بالصور الجميلة وتجاوزها إلى التأمل، وقد خصبت أرض لغتنا العربية بتلك التأملات الرائعة، وكان للشعراء الكبار دور في رصد تلك المعاني، فعندما نقرأ جدلية أبي تمام نقف منبهرين أمام تلك الرؤى:
وحين يصف جملاً يرعى في الفيافي، يصور سمنه وضعفه معاً فالسمن نتيجه الرعي، والضعف نتيجة الجهد الذي يبذله لجوب القفار فكأنما رعته بعدما رعى نبتها:
وإذا كان هذا الشاعر العبقري قد اطلع على ألوان الفكر في عصره الذهبي ـ عصر العمالقة ـ فلا يفاجئنا أبداً بجدليته ولكن كيف استطاع شاعر حديث لم يعبر الثلاثين من عمره أن يأتي بتلك الجدلية وقد تفوق في مداركها مقدمة على ضدين هما القلق والجنون، إنه الشاعر العربي التونسي الرائد أبو القاسم الشابي الذي لم يخطئ من يحسب بيته المشهور خالداً:
وقد يدرس المهتمون بالأدب حياته وآثاره والأستاذ محمد الحليوي والسيدة ريتا عوض، وفي العراق درس الشابي ضمن رسالة الماجستير عام 1989 من قبل الباحث لطيف محمد حسن، زد على ذلك ديوان الشاعر بتقديم الأستاذ أمين الشابي، ولم يلتفت أحد منهم إلى جدليته الرائعة مثال ذلك:
ولعل الشاعر يفصح عن تعادلية لابد وأن تتكافئ وتتزن فلولا الشقاء لما عرف الناس طعم السعادة وقد سبقه كثيرون قائلين: (لابد دون الشهد من إبر النحل)، (ومن طلب العلا سهر الليالي) وقوله:
هكذا زرع الشابي جدلية رائدة تستحق الانتباه، كلما تجلدت الحياة فإن شعلة التحدي ستضعف أمامها وهنا يلفت أنظارنا إلى القوة فهي المعادل الموضوعي لها، وأن الحياة بدروسها الحزينة مهما قست فلن تتوقف تلك الإرادة وهو يعاني من الضعف الجسدي الذي صار قوة روحية تحدت مناقضها (المقشعم).
وكذلك قوله:
إنها نظرة معرية في فلسفة معروفة ترتبط بجدلية البقاء والرحيل وكلاهما متتابعان.
إن التشاؤم والحزن العظيم اللذان يكمنان خلف تلك الجدلية كان مبعثهما المرض (العبقرية) الذي عبر عنه وفهمه الشابي (القلب) قائلاً:
آه يا قلبي انت مبعث آلامي ومستودع أحزاني
من الألم شكل نسبة مهيمنة في معجمه الشعري وما انتظم خلف الألم من ألفاظ (الدمع، الشقاء، الأنين، الصمت، الحرمان، البلوى، الحسرة) وهذا يدل على أن الشاعر يحمل حزناً كبيراً يكتنف الألم حياته بأقصى حالات القلق، فشعره جاء طافحاً بالشك والقلق واليأس والعزلة والغربة والحنين حتى ليكاد من يقرأ أحزانه الممضة أن يجن، بل حتى عناوين قصائده فاحت برائحة الحزن مثال ذلك (الكآبة المجهولة، السآمة، أغنية الأحزان، الأشواك التائهة، شكوى اليتيم، دموع الألم، نشيد الأسى، الزنبقة الذاوية) كلها قلق وسواد وموت، فكيف استطاع الشاعر من كل هذه الصدمات أن يصنع شعراً رائعاً وأن يبلور جدلية في الهوس والجنون وهو القائل بعظمة لسانه: (لقد ضقت ذرعاً بالحياة ولا أخالني اليوم إلا ذاهباً إلى القبر أو في سبيل الجنون) وقد صدق الشاعر بقوله هذا، فقد رحل وظل جنون عبقريته يفيض حكماً خالدة مع الزمن، إليك منها:
هكذا معادلته الثنائية دائماً ترصد صورتين (الفأس والريشة) والموجه البنائي (الراصد) واحد هو (الشرع، الحكم، القانون… إلخ).
وهذه صورة واقعية في مدارك حياتنا التي لا تفرق بين التبر والتراب.
وقال أيضاً: فما لك ترضى بذل القيود (وتحني لمن كبلوك الجباه!!) وفي تلك الحكمة المتحركة، ترى المخاطب والمقيد والمحني معاً فرحاً مستأنساً مرحباً عن كبله، وهذا هو الاستسلام، وجدلية الخوف وفرض القوة على العاجز.
إن الشابي حكيم شخّص للواقع خطاياه ووضع النقاط على الحروف وكلنه عاش في زمن لا يفهم مداركه، لذا ضاعت عبقريته أمام جيله سدى، وهو ينظر إليهم ويصفهم بالقردة وهم يستحقون:
ورأى الشابي هيكل الحياة منظماً فلا يحق للكافر أن يدخل في منبعه القدسي وهنا دلالة دينية تنم عن فكر مضيء متوهج فأبعد الكفر الخبيث عن الهيكل وبتمعن ورقة يرى أهراماته الثلاثة التي قامت عليها جدليته، أولها (قلبه) الذي كان سبب نجاح شعره وسرعه موته، فقد فاجأه المرض صغيراً بالقلب، حتى جعل منه شاعراً، ذلك القلب الذي لم يترك صفة إلا نسبها إليه، حتى صار قبره وليس قلبه:
حتى وصف قلبه بـ (شقي مظلم، مخضل الدموع، أناقة واهية، مغمور الجراح، عش فارغ، كهف مظلم، قبر اسود، عود بلا أوتار) وكأننا أمام مشرحة في غرفة العمليات ما فيها إلا القلوب وإذا ما أجبره الوزن قال (الفؤاد):
وهرمه الثاني (المرض) الذي أدى بحياته وشاعريته إلى الانطفاء، وهرمه الثالث (الموت) بهذا لا يفاجئنا الشاعر وقد سبقه الشعراء في نظراتهم المتفحصة للموت، والشابي ما ترك مفردة تحس بالموت إلا وذكرها (اللحد، الرمس، القبر، الضريح، الجدث، المرقد، المضجع) وصور الموت صورتين؛ الموت المفزع المارد الجبار الذي يلوي رقاب الانسانية، والموت كالمارد الجبار منتصب في الأرض يخطف من قد خانه الأمل.
الأستاذ الدكتور صدام فهد طاهر شريف الحمد الأسدي
تولد قضاء القرنة 1/7/1953
حصل على شهادة أستاذ مساعد في 27/3/2005 وفي البحوث الآتية:
- مسارات الجدل في شعر الجواهري درجة أصيل، نشر في كلية التربية، مجلة أبحاث البصرة، العدد 39 سنة 2003.
- تشكيل المشهد الأسطوري في الشعر العراقي، مجلة كلية التربية، العدد 28 سنة 2002.
- الألوان ودلالاتها في الشعر العراقي، مجلة كلية التربية، العدد 38 سنة 2003.
- الحديد ودلالاته في القرآن الكريم والأدب، بحث مشترك مع الدكتور نبيل العبيدي، قسم الكيمياء، مجلة كلية التربية العدد 38 سنة 2003.
- القدس ودلالاتها في الشعر العراقي، نشر في مؤتمر تكريت العلمي الرابع، سنة 2002.
البحوث المقدمة لدرجة الأستاذية:
- قدم لمرتبة الأستاذية في 27/12/2009 وحصل عليها بتاريخ 17/6/2008.
- تشظيات القلق في شعر السياب، مجلة كلية التربية، أبحاث البصرة العدد 102 في 3/2/2009.
- تجذرات الظمأ في شجرة القمر لنازك الملائكة / دراسة تحليلية، مركز دراسات الخليج العربي، العدد 260 في 6/4/2009.
- الوسائل المادية ودلالاتها في شعر الرواد / السياب، البياتي ونازك، مجلة آداب البصرة العدد 354 في 8/11/2009.
- الفكر الجغرافي في القرآن الكريم / بحث مشترك مع الدكتور عبد الإمام نصار، قسم الجغرافية، كلية التربية / نشر في مجلة آداب البصرة العدد 42 سنة 2007.
الإشراف على الدراسات العليا
أشرف على طلبة الماجستير والدكتوراه:
- عبد الحسين برغش سلمان في رسالته (كربلاء ورموزها في الشعر العراقي الحديث) 2005.
- هيثم كاظم صالح، الشاعر مجيد الموسوي دراسة موضوعية فنية، 2007.
- نائل عبد الحسين عبد السيد / القراءة الممكنة للنص الابداعي، عبدالفتاح كليطو، 2008.
- خلدون كاظم هاشم شعر قصي الشيخ عسكر، دراسة موضوعية فنية، 2009.
- عبدالهادي طعان جاسم، أطروحة دكتوراه، الصراع القيمي في شعر الرواد، 2009.
- جواد سالم محسن، رسالة ماجستير، شعر شاكر العاشور، دراسة فنية موضوعية، 2010.
- صباح عيدي عطية، أطروحة دكتوراه، الخطاب النقدي عند عبدالله إبراهيم، 2011.
- باسم حساب راشد، رسالة ماجستير، السخرية في شعر عبد الوهاب البياتي، دراسة نقدية، 2010.
الرسائل العلمية التي ناقشها عضواً
- نجاة علوان حسين، رسالة ماجستير، الشكوى في الشعر العراقي، إشراف الدكتورة نضال ابراهيم، 2005.
- نجلاء جاسم الرديني، رموز الغزل في شعر عمر بن ابي ربيعة، رسالة ماجستير، إشراف الدكتور حسن جبار وفالح حمد 2006.
- فيحاء عبد الكريم جابر الخزاعي، رسالة ماجستير، الفضاء الشعري عند الشاعرة بشرى البستاني، إشراف الدكتورة نضال والدكتورة نهلة.
- صباح عيدي عطية، رسالة ماجستير، شعر محمد بسيم الذويب، إشراف الدكتور سوادي فرج مكلف، 2005.
- حازم منخي عبد السيد، رسالة ماجستير، التناص في شعر محمود درويش، إشراف الدكتور سوادي فرج مكلف، 2005.
- حيدر محمود شاكر، رسالة ماجستير، التلقي للصحيفة السجادية، إشراف الدكتور حسن جبار محمد، 2008.
- أشواق غازي سفيح الياسري، رسالة دكتوراه الفضاء الروائي عند محمد عبد الحليم عبد الله، إشراف الدكتور قصي سالم علوان، 2009.
- مولود محمد زايد البيضاني، رسالة دكتوراه، 2009.
- مازن مالك المازني، أطروحة دكتوراه المتلقي للقرآن الكريم بعد عصر الرسالة، إشراف الدكتور حسين الهلالي، 2009.
- شيماء هاتو فعل البهادلي، أطروحة دكتوراه المائيات في الشعر الأندلسي، إشراف الدكتور سوادي فرج والدكتور صيوان خضير خلف، 2009.
- محمود كاظم موات، رسالة ماجستير، أساليب الإستفهام في شعر الجواهري، إشراف الدكتور قصي سالم علوان، 2009.
- المطولات في الشعر العربي الحديث، رسالة دكتوراه، وليد جميل خفي العقيلي، إشراف الدكتور سوادي فرج مكلف، 2010.
النشاطات الأدبية
- عضو إتحاد الأدباء في العراق، 1972.
- عضو نقابة الفنانين في البصرة، 1982.
له سبعة دواوين شعرية مطبوعة هي:
- محاجر الغسق، 2005.
- خيمة من غبار، 2006.
- لا شي غير الكلام، 2007.
- أوساخ على رصيف التعب، 2008.
- ترهلات غيمة ذابلة، 2008.
- أنهار ظمأى 2009.
- سأعلن أمنيتي أخيراً، 2010.
له أربعة كتب نقدية:
- نحت في ضباب شعر رشدي، 2007.
- قلائد نقدية في شعر البصريين، 2008.
- البصرة في الشعر العراقي، 2009.
- قوافل بلا هوادج، دراسة نقدية في شعر البصريين وشعراء ميسان، .2010
نشر الشاعر أعماله النقدية الشعرية في:
- مجلات الخليج، ومنها المجالس والنهضة واليقظة.
- صحف العراق والمنارة والمرفأ البصرية والكويت والمدى وفلسطين.
- نشر في مواقع الانترنيت (الناس، المثقف، النور، شمس العراق وأورنينا)
- أصدر أعماله النثرية من لبنان، مطبعة جيكور، في 15/3/2016.