أن تقول شعراً فهذا رائع، أما أن يشكل هذا الشعر نسقاً جمالياً فهذا أروع، الشعر في حد ذاته ملمح جمالي إذا ما أضيف إلى شيء أو وصف به شيء، فأنت إذا ما أردت أن تصف لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية أو أي نتاج إبداعي فلن تجد أدق من كلمة – شعرية – لتكون الوصف القرين للجمال والروعة والإبداع، إذن الشعر بذاته جمالية أو ملمح جمالي، فما بالك أن تحاول الوصول إلى جماليات الجمال، أو بعبارة أكثر دقة جماليات الملمح الجمالي.
والجمالية هنا تختلف عن الجمال، فالجمال – كما جاء تعريفة في المعجم الوجيز – صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضى، وهو اسم عكس القبح، ولكن الجمالية شيء آخر أكثر عمقاً ويمكن الاستدلال عليها عبر مجموعة ملامح وصفات بعينها تصف شيئاً ما، فلكل شيء جماليات وإن اختلفت في نسبيتها ولكنها موجودة، حتى القبح ذاته له جماليات، ومن جماليات القبح الإجادة في إظهاره كقبح وليس شيئاً آخر.
والجمالية في النص الشعري تكون على تماس بشكل مباشر مع منظومة الأطر التي تؤسس للنسق الجمالي لهذا النص، وهذه الأطر ليست نقاطاً وشروطاً تمثل بياناً (مانيفستو) صارماً يجب اتباعه للحصول على نسق جمالي، ولكنها حالة من التنوع والمرونة تفرزها الذائقة الإبداعية، فما بين جيد ورديء مساحة شاسعة تسمح بقدر كبير من التباين، وهذا النسق الجمالي ممتد ومتسع أيضاً ولكنه على قدر من الثبات، فبعيداً عن المضمون، يمكن أن تجد نصاً شعرياً قديماً وآخر حديثاً يشتركان في معيار جمالي ما، فالتداعي الدلالي والمغايرة والقدرة على الإدهاش، كلها مفردات لنسق جمالي لقصيدة ما للمتنبي، أيضاً يمكن أن تجد هذا النسق في نص شعري حديث، فالجمالية قرينة الإبداع الحقيقي بعيداً عن أي متغيرات.
ونجد هذا على المستوى البلاغي، فآراء عبد القاهر الجرجاني وابن طباطبا وقدامة وحازم القرطاجني وغيرهم ممن اهتموا بالنواحي البلاغية يمكن أن تطبق على كثير من النصوص الشعرية الحديثة لنستخلص منها نسقاً جمالياً، ولا أظن أن هناك خلاف على أن الترهل والسطحية والمبالغة الفجة والتقليد المنفر والركاكة في الأسلوب، كل هذا وأشياء أخرى تؤثر سلباً على جماليات النص الشعري، بل وأذهب الى أبعد من ذلك، فهي تنفي عنه صفة الشعر لتصبح هذه الكتابات أي شيء آخر غير أن تكون شعراً.
ومن جماليات النص الشعري، أن يتميز بالتكثيف والعمق والمغايرة والتنوع الذي يحدث قدراً من الدهشة والتفاعل وأن يتميز أيضا بالاتساع الدلالي وأن يمنح المتلقي خيارات متعددة للتأويل سواء كان هذا المتلقي في ذهن المبدع أو خارج بؤرة اهتمامه، وأن يتبنى النص الشعري منطقاً ما، حتى وإن اختلف هذا المنطق عن المنطق الحياتي والبديهي، فلا بأس من ذلك، فالبعد عن المنطق بمفهومه التقليدي هو في حد ذاته منطق، حيث الإسراف في الذهنية يخرج النص الشعري من حالة الغموض الرائعة التي تحث على إعمال عقل المتلقي ليصبح شريكاً في العملية الإبداعية بما يمنحه له النص من مدى متسع من التأويلات، إلى نوع من التشرذم الذي يؤدي إلى لا شيء، فيصبح من الصعب الوصول إلى نسق جمالي.
أيضا من الأشياء التي تسهم في تشكيل جماليات النص الشعرى لغة الكتابة – ولا أقصد أبجدية الكتابة – فكلما استطاعت اللغة أن تحدث نوعاً من التشابك والثراء أصبح هذا إضافة جمالية للنص، فالمبدع هو الذي يستطيع أن يجعل لغة النص تأسرك كمتلقٍ لتذوب معها، والمبدع هو الذي يستطيع أن يوظف مفرداته بشكل جيد ويتعامل مع اللغة ككائن ينمو ويتطور ليمنح التركيبات اللغوية زخماً دلالياً يفوق بكثير معناها المعجمي الضيق، هذا المبدع يضيف لنصه ملامح جمالية هامة، إذا ما أضفنا إلى ذلك أنه من المهم أن يعي المبدع أن هناك من هو في شراكة معه ضمن العملية الإبداعية – وليس في هذا تناقضاً مع نظرية الفن للفنArt for art sake بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها – سواء كان المتلقي في بؤرة اهتمام المبدع أو خارجها، لأن المبدع في الأساس هو متلق، بل هو المتلقي الأول لإبداعه، إذن، نحن أمام منظومة جمالية إذا ما أحسن استثمارها تنتج نصاً شعرياً ذا نسق جمالي غير الذي منحه إياه كونه شعراً.
مترجم وناقد أدبي
من مواليد مصر عام 1975
تخرج من قسم اللغة الانجليزية – كلية الآداب – جامعة القاهرة عام 1998
عمل في مجال الترجمة وتدريس اللغة الانجليزية
شارك في مؤتمرات أدبية وثقافية في الوطن العربي (تونس ـ ليبيا ـ الأردن ـ سوريا ـ بالإضافة الى مصر والإمارات),.
نشر تراجم ودراسات في بعض المجلات الادبية منها: (دبي الثقافية – الثقافة الجديدة – إبداع – أدب ونقد – الكرمة – الرافد),.
صدر له ديون شعر من وزارة الثقافة المصرية عام 2001
له دراسات نقدية بعنوان
– أزمة التلقي
– ترجمة الشعر .. إبداع مواز
– شكاوى الفلاح الفصيح .. جوهرة الأدب الفرعوني
– كتاب الموتى- سفر الخروج إلى النهار
له دراسات نقدية تطبيقية على أعمال بعض الشعراء بعنوان:
ـ احتفالية المفردة .. بناء آخر
ـ ثنائية البوح
ترجم إلى العربية:
ـ مختارات من الشعر الايرلندي المعاصر
ـ نماذج من الشعر الاسكتلندي الحديث
كما ترجم أيضاً نصوصاً من الشعر الياباني
يعمل الآن معلم لغة انجليزية بمدرسة الامل للصم ـ مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية