دلالة الرقم في القران الكريم
القرآن الكريم بلغته العظيمة وتراكيبه الجميلة مورد لكثير من الدراسات فالقرآن الكريم ينطوي على أسرار كثيرة، وللرقم ميزة خاصة في فهم المقصود من المعنى أو الدلالة التي يوحي بها فمثلاً الأعداد النصية التي لا تحتمل إلا الدلالة القطعية (واحد وإثنان) فإن هاذين العددين أراد بهما الدلالة على الكثرة لأنهما لم يوضعا للجمع أصلاً وقد ورد ذكرهما في القرآن الكريم في:
- قوله تعالى: (وقال الله لا تتخذوا إلهين إثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون)
(51 ـ النحل)، - وقوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) (الأنبياء ـ 52)
- وقوله تعالى: (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة) فقد كنى بالنعجة عن المرأة لما عليها من السكون والمعجزة وضعف الجانب. و(تسع وتسعون) يريد بها إن كان جميعهن أحرارا فذلك شرعة وإن كن إماء فذلك شرعة.
- وقوله تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم) (الكهف ـ 22) فقد روي أن أصحاب الكهف كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم وقال آخرون إنهم خمسة سادسهم كلبهم وقال المسلمون كانوا سبعة ثامنهم كلبهم.
دلالة الرقم في الشعر العراقي الحديث
لقد تفاوت الشعراء في العصور الماضية بشكل عام والعصر الحديث بشكل خاص في استخدام دلالات متعددة ورموزا أسطورية مختلفة كل حسب قناعته والدافع الذي تمليه عليه شاعريته وللتعبير عن الطاقة التي يكنها في داخله وليفصح عن أفكاره على نحو يبعد القصيدة عن السطحية والمباشرة وهذا يدل على تأثر الشاعر بالظروف السياسية والاجتماعية والنفسية التي يكون لها التأثير الكبير في بيان مغزى القصيدة فكل هذه الظروف تلعب دوراً في هز كيان الشاعر وإحساسه في المجيء بقصيدة تحمل الكثير من الدلالات الرمزية والأسطورية والتي أراد الشاعر أن يقحم القصيدة بهذه الدلالات للتأثير في نفس المتلقي لينقل تجربة مليئة بالأفكار والعواطف التي تنبعث من خلجات نفس الشاعر وتأثره بظرف من الظروف التي سمع عنها أو عاشها أو حتى تأثر بها.
الرقم في اللغة:
ماخوذ من رقم ـ والرقم: هو الخط الغليظ وكذلك هو العلامة والختم.
ورقم الفقرة: رسمها وعلمها بعلامة مميزة.
أما الرقم في علم الحساب:
فهو الرمز المستعمل للتعبير عن أحد الأعداد البسيطة وهي الأعداد التسعة الأولى إضافة إلى الصفر.
اما في الشعر:
فهو الدلالة التي يتخذها الشاعر في التعبير عن حالة أو وضع يمر به سواء كان متقصداً من استخدامه أم لم يكن متقصداً ولذلك نجد الكثير من الشعراء وخاصة في العصر الحديث استخدموا الرقم في معظم قصائدهم وقد يكون وراء ذلك دوافع ورؤى مختلفة دفعت الشاعر إلى جعل الرقم متمماً لعناصر قصيدته وما يضفيه من الجمالية والتأثير على القصيدة لجذب انتباه المتلقي وجعله يتأثر بالحالة التي دفعت الشاعر إلى تنظيمه.
جماليات الرقم في الشعر
إن كل رمز وكل أسطورة يأتي بها الشاعر وينظمها في شعره يكون لها تأثير كبير على القصيدة فمثلاً قصيدة السياب (أنشودة المطر) نرى الشاعر قد استخدم (ألف) في قصيدته التي يقول فيها:
وما تبقى من عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج والقرار
وفي العراق الف افعى تشرب الرحيق
من زهرة يربّها الفرات بالندى
فهذه القصيدة اشتملت على مقومات فنية جديدة ورؤية شعرية معاصرة وجاءت مفعمة في استخدام الرموز فهنا يظهر تأثر الشاعر بأسطورة جلجامش البابلية حيث أن الأفعى ابتلعت عشبة الحياة التي أحضرها جلجامش وقطع من أجلها سبع بحار. فهنا يريد الشاعر أن يوضح أن في العراق آلافاً من الأفاعي التي لا تحسن إلا امتصاص دم الفقراء والتمتع بالخيرات والأموال.
وكذلك قول الشاعر أحمد مطر في قصيدته مسألة:
مائة ناقص تسعة
عاشق إلا ثلاثة
كيف هذا الحل يا هذا؟
على كيفي حداثة
هنا جاءت القصيدة متميزة في استخدام الأرقام فهو يشير إلى شيء من السخرية والتهكم في التزمت بالرأي وعزز هذه الدلالة استخدام كلمة (حداثة) التي أضفت على القصيدة شيئاً من الجدية والحدة.
أما الجواهري فيقول في قصيدته الغربة:
فهنا يتحدث عن بلوغه الستين ومضي العمر كما لو أنه عبارة عن لحظة ويتحسر على الأيام التي قضاها وهو يصارع الشيخوخة وكبر السن.
ويقول في قصيدته يا آنية الفراتين:
القصيدة هنا تجمع بين الغربة والتشتت فهو يقصد بالعامين مؤتمر الأدباء العرب الذي كان يقام كل عامين ويشير (بالأسبوع) إلى مدة المؤتمر التي كانت تستمر سبعة أيام.
أما الشاعر رشدي العامل فيقول في قصيدته:
لا تركع يا ولدي
حتى الموت
يقولون بأن العالم يحكمه إثنان
الذهب الاصفر
والسوط الأسود في قبضة سجان
فالشاعر هنا يخاطب ولده في رفض الذل وعدم الركوع للحاكم حتى لو كلفه حياته لأنه عالم غريب تحكمه قوتان هما المال والظلم.
وتقول نازك الملائكة في قصيدتها أنشودة الرياح:
تزرعون الذرى
تقطفون القفار
تحت سمع الدجى
وعيون النهار
تطمعون الرؤى
بالدموع الغزار
إن دون المنى
ألف ألف ستار
إشراف: أ. د. صدام فهد الاسدي