يتفق كثير من الأطباء والعلماء أن مجلة (لانست The Lancet) هي من الأكثر انتشاراً والأكثر إنجازاً، وسجلها في النشر العلمي يحفل بمحطات بارزة حققت خلالها أكثر من سبق صحي أذكر منها: مبادئ ليستر للتعقيم عام 1867، متلازمة ما بعد الرض PTSD عام 1918، اكتشاف تأثير البنسلين عام 1940، اكتشاف التشوهات الولادية الناجمة عن عقار التاليدوميد Thalidomide عام 1961، معالم مرض كرتزفلت جاكوب Creutzfeldt-Jakob disease عام 1996، أسباب مرض الالتهاب الرئوي الحاد اللا نمطي السارز SARS عام 2003.
إنها تسعى منذ ظهور عددها الأول في الخامس من تشرين الأول / أكتوبر عام 1823 إلى نشر أفضل العلوم الصحية في العالم، وتغطية أهم أحداثها، ورغم أن مقرها في المملكة المتحدة، فقد ظلت مستقلة لا تتبع أي مؤسسة طبية أو علمية، صوتها مسموع في عالم الصحة، والمنظمات الدولية بشكل عام، وخلال العقود القليلة الماضية سبقت (لانسيت) أقرانها في تسليط الضوء على مواضيع وملفات جريئة في الصحة العامة منها: الحرب ووفيات الأطفال، الألغام المضادة للأفراد والصحة، التقرير العالمي حول العنف والصحة، صناعة الدواء، بعض القضايا الصحية في منطقتنا، مثل ملف الصحة في (فلسطين)، ملف الحرب والصحة في (غزة) ولاسيما الرسالة المفتوحة لرئيس تحريرها الموجهة إلى (غزة) إبان الحرب عليها في عام 2014، والتي وقّعها عشرون ألفاً وثلاثة وستون طبيباً وباحثاً علمياً من مختلف أرجاء العالم، وكذلك الآثار الكارثية للحرب على الصحة في (سورية) وغيرها مما يتعلق بالإنسان والمجتمع.
في 23 يونيو / حزيران الماضي نشرت مجلة (لانست The Lancet) مقالاً عن (رزان النجار) المسعفة الفلسطينية المتطوعة لإسعاف الجرحى في احتجاجات (غزة) الحدودية 2018، والناشطة المدافعة عن القضية الفلسطينية ضد القوات الإسرائيلية، والتي قُتلت رمياً برصاصة متفجرة لقناص إسرائيلي اخترقت صدرها وخرجت من ظهرها، ففارقت الحياة عن عمر بالكاد تجاوز العشرين عاماً، في جريمة نكراء ضد المدنيين الأبرياء والعاملين الصحيين.
إن نشر (لانست) لهذا الموضوع الذي تغافلت عنه وللأسف الكثير من الجمعيات الطبية العربية ووسائل الإعلام المختلفة، ذكرني بمقال كنت قد كتبته منذ عدة سنوات عن موقف فريد اتخذته هيئة تحرير هذه المجلة. لقد جاء ذلك في افتتاحية تحرير عددها الصادر في 10 سبتمبر / أيلول 2005 حيث أعربت هيئة التحرير عن ذهولها لعلاقة الدار الناشرة والمالكة لها، وهي شركة (ريد إلسفييرReed Elsevier)، أكبر دور النشر العالمية، في تنظيم أكبر معرض عالمي للأسلحة يقام في لندن، وأكد المحررون أن هذا يجعل مجلتهم متصلة بأرباح السوق العالمي للأسلحة، وهذا الارتباط مهما كان شكله، ودرجته، لا يتوافق مع المبادئ التي أرستها المجلة خلال مسيرتها الطويلة، وقد سارعت هيئة تحرير المجلة في افتتاحيتها إلى نفي ارتباطها بأي شكل من الأشكال مع هذا النوع من التجارة.
وتتابع هيئة تحرير (لانست) انتقادها: سوف يكون صعباً أن يتقبل القراء دور شركتنا الناشرة في مثل هذه التجارة التي تتناقض وأبسط قواعد الصحة والسلامة العامة والأمن الإنساني. إننا نتفهم أهمية الأمن والاستقرار في تطوير النظم الصحية والحاجة إلى الأسلحة أحياناً من أجل تحقيق ذلك، لكننا وفي نفس الوقت لا يمكن أن نتغاضى عن خطورة الترويج للأسلحة وانتشارها بكل ما يحمله ذلك من آثار ضارة على الإنسان والمجتمع، خاصة إذا ما علمنا أن صناعة الأسلحة وأسواقها يستهلك الكثير والكثير من موارد البلدان النامية، ويكون ذلك دائما على حساب ما يمكن أن يخصص للخدمات الصحية والاجتماعية، ففي عام 2004، على سبيل المثال، كانت مبيعات الدول النامية نحو 59% من تجارة السلاح في العالم، الأمر الذي كبد اقتصادها خسائر تقدر بنحو 22 مليار دولار.
اختتمت هيئة التحرير افتتاحيتها بالقول: (إن دار النشر “ريد إلسفيير” قدمت دعماً كبيراً لهيئة مجلتنا، خلال العقد الماضي، لا يمكننا إنكاره، أو تجاهله، لكننا وفي الوقت نفسه لا نستطيع أن نصدق أن دار النشر الكبيرة هذه تسعى للمخاطرة بالخدمات الكبيرة التي قدمتها لنا في مسيرتنا العلمية والطبية، من خلال وجودها وارتباطها بهذا العمل التجاري الذي ودون أدنى شك يسيء إلى سمعتها كدار كبرى لنشر العلوم الصحية، ونحن نيابة عنا ومجلسنا الاستشاري وقرائنا نناشد هذه الدار أن تنأى بنفسها عن أي عمل تجاري يحمل في طياته تهديداً للإنسان لا سيما المدنيين منهم ويعرض للخطر صحة المجتمع ورفاهه.
نعم، لقد شكلت الموضوعية والنزاهة والمهنية التي تحلت بهم مجلة (لانست) إضافة جديدة من نوع آخر نضعها أمام هيئات تحرير الصحف والمجلات العلمية والاجتماعية والإنسانية وغيرها، ونذكر بها أصحاب الأقلام من كتّاب ومحررين، وغيرهم دون أي تعليق.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/