بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.. النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأشهد أنه قد بلغ الرسالة، وأدى الامانة، ونصح الأمة..
سلام الله عليك ورحمة الله وبركاته
سلام الله أبعثه إلى أخي الطيب..
سلام الله أبعثه إلى أخي المسلم..
أخي في الله..
لقد بلغتني شكوى والديك وتذمرهما منك.. ولم يلجآ لي إلا لمعرفتهما بمكانتي عندك.. فأنا كأخيك الأكبر ـ إن شاء الله..
رحمني وإياك..
ما بال من رزقه الله السمع والبصر واللمس.. واللسان لا يشكر الله حق الشكر على نعمه الجليلة؟
ما بال من يعيش في ضيق الصدور.. لا يتذكر ضيق القلوب حتى يلين قلبه..
ايه أخي الصغير..
هل فكرت في كيفية شكر العبد لربه الذي هو رازقه السمع والبصر.. واللمس واللسان.. والعافية؟!
لتقف دقائق معدودة قبل إكمال الرسالة، ولو لدقيقة للتفكر في ماهية هذه الكيفية، ضع الرسالة من يديك الآن.. نعم الآن، ولا تنس أن تفكر أيضاً لماذا نشكر الله؟ والآن.. هل فكرت.. هل تمعنت.. هل تذكرت.. هل ارتاح قلبك.. هل تيقنت؟
نعم..
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. مآ أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) (الذاريات ـ 75).
إذاً لم نخلق عبثاً.. بل لهدف ظاهر مبين لمن ألقى السمع وهو شهيد.. ورحمة الله تعم عبيده وهم غافلون عن ذلك، إذ من وجوه الرحمة أن تنوعت وجوه العبادة.. طبعاً فإن هذه العبادة يؤجر عليها فاعلها..
أتعلم أنه حتى في طعامك وشرابك إن كان حلالاً وقصدت به مرضاة الله فإنه عبادة تؤجر عليها..
في كل عمل كان خيراً وحلالاً فإنك تؤجر عليه..
انظر وتمعن في رحمة الله ملياً..
عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: «يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم». قال عليه الصلاة والسلام: «أو ليس جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن لكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة». قالوا: «يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟». قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» (رواه مسلم).
أرأيت عظم رحمة الله في تنويع الطاعات والعبادات.. ألم تتعجب من عظيم فضل الله كما تعجب الصحابة في نهاية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
سبحان الله.. والحمد لله.. ولا إله إلا الله.. والله أكبر.
عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم يصلي وخطاياه مرفوعة على رأسه، كلما سجد تحات عنه فيفرغ من صلاته، وقد تحاتت عنه خطاياه» (رواه الطبراني).
فانظر لمن تعلق قلبه بالمساجد والصلوات..
كانت تصلي القيام في بيتها، وفاجأها ملك الموت بأخذ روحها في تلك اللحظات النيرة وهي ساجدة لله تعالى..
وانظر لحال من ترك الصلاة والتجأ لما لا يرضي الله.. وضاق صدره.. وهانت عليه نفسه.. فعندما وضع في قبره ووجه وجهه إلى جهة القبلة.. مال وجهه عن القبلة.. وبان السواد عليه..
فأياً منهما تريد أن تكون؟!
نعم.. تمعن معي.. ودقق النظر في العبارات الصادقة:
يقول عمر بن عبد العزيز: «قبور خرقت الأبدان، ومزقت الأبدان، ومصت الدم، وأكلت اللحم، ترى ما صنعت بهم الديدان؟ محت الألوان، وعصرت الوجوه، وكسرت الفقار، وأبانت الأعضاء، ومزقت الأشلاء، ترى الليل والنهار عليهم سواء؟».
نعم.. أليس الليل والنهار عليهم سواء؟ فكيف من ضاق صدره في هذه الدنيا لتركه الصلاة؟ أليس الليل والنهار عليه سواء؟
أيها الغالي:
عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من أمرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤتِ كبيرة، وذلك الدهر كله» (رواه مسلم).
أيها الحبيب:
عن جندب بن سفيان ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله» (رواه مسلم).
في ذمة الله: أي في حفظه.
فيا أيها الحبيب:
هل تحب أن تكون ممن ضاق صدره وتاه عن سواء السبيل! أم تريد أن تكون ممن أحبهم الله، وتعلقت قلوبهم في المساجد والصلاة؟ وقد ذكر الرسول المربي الجليل صلى الله عليه وسلم في حديث له: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..»، وذكر منهم رجلاً قلبه معلق بالمساجد.
إيه أخي الحبيب:
عفا الله عنك..
كان له أبناء فكلف الأكبر منهم بمتابعة جميع أملاكه عندما كان مريضاً.. فأخذ الابن جميع أموال والده، فلم يحزن الأب على المال بل على ابنه الذي قطعه، ولم يسأل عنه، أو حتى يتصل للسؤال عنه.. وعندما مات الأب أخذ الابن الأكبر الإرث له، ولم يترك شيئاً لإخوته.. ولكن الله.. يمهل ولا يهمل.. {وأملي لهم إن كيدي متين} (الأعراف ـ 381). فكان عقابه أن تركه بنوه، ولم يبروه، وزوجته أخذت جميع ماله.. ونظره أخذ يضعف رويداً رويداً..
عفا الله عنك..
كان له ابناً محباً لقراءة القرآن، والذهاب إلى المساجد، وكان يحب أن يجلس في مجالس الذكر التي في المسجد القريب من منزلهم، ويتعرف على معلم حلقة القرآن والذكر.. فهو عارف بصميم قلبه الحكمة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة» (رواه البخاري ومسلم). (يحذيك: يعطيك).
فمنعه أبوه من الجلوس معهم، لأنه يكره مجالسة الصالحين. وكان الفتى ينال ضرباً مبرحاً لمجالسته لهم، ومن ضيق الفتى من أفعال والده وضربه له وركله، كان يتوعده في نفسه بالضرب والركل إن كبر في سنه، وشد عضده، وبالتالي هو (أبيه) سيكون ضعيفاً وواهن العظم.
وبعد سنوات متتالية.. أصبح الفتى الطيب فتىً فاسداً لتعرفه على صحبة فاسدة، ويضرب أبيه ويركله مثلما توعد بفعل ذلك به عند كبره.. وبهذا أصبح ابناً عاقاً..
أي بني:
تفكر ملياً في عاقبة من عق والديه، فعقته ذريته، فكيف بمن لا يؤدي حقوق الله عليه! أليس جديراً أن تعقه ذريته؟
عفا الله عنك:
أخذ يضرب أبيه ضرباً مبرحاً، أمام الناس، وكأن ليست هناك صلة قرابة بينهما.. فاتجه الناس إليه ليمنعوه ولكن.. نطق الأب بصوت ضعيف قائلاً: اتركوه فقد كنت افعل ذلك مع أبي!
فسبحان الله كما تدين تدان..
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عفوا عن نساء الناس تعيف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم». (رواه الحاكم).
ايه أيها العزيز..
تأمل قليلاً في أمر الوالدين، وعظم عطائهما وتحملهما لتربيتك طوال السنين الماضية، راجين من الله الصلاح لك وحسن الثواب في الجنان، راجين من الله أن تكون لهم خير سند عند كبر سنهم.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين». (رواه البخاري ومسلم).
وسبحان الله..
لقد أبدع الرسول صلى الله عليه وسلم في كيفية تربية الصحابة الكرام على الخلق الحسن القويم، وبالتالي تنشئة مجتمع مثالي تميز بين أعز ما تحبه الفطرة البشرية من طول عمر، وزيادة رزق، سبيلهما متصلان ببر الوالدين.. فها هو ذا يقول: «من سره أن يُمد له في عمره، ويزداد في رزقه، فليبر والديه، وليصل رحمه» (رواه أحمد).
فيا أيها الحبيب:
لا تنس بكل عمل تعمله مع والديك ولو بهمسة، هل تقبل أن يعاملك أبناؤك بمثل ذلك؟
فهل عرفت الآن كيف يكون شكر الله على نعمه الجليلة؟
رحمك الله وهداك لما يرضيه عنك في الدنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
(سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك).
وسامحني على الإطالة..
أخوك المحب..
وأنت أيها القارئ العزيز.. ضع القراءة جانباً، وفكر كيف يكون شكر الله على نعمه الجليلة؟
نعم الآن لا تؤجل..