جلسة عائلية حميمة حول جهاز التلفاز أعطتها الكثير، حركت فيها حنيناً دائماً، وشوقاً لملامسة صفحة المياه اللامتناهية.. تلك المياه المالحة المنعشة.. البحر.. كان التلفاز يعرض برنامجاً ثقافياً تضمن جزء منه رياضة السباحة لدى المعاقين.. لقد شد انتباه الجميع ذلك المشهد؛ متعة السباحة في البحر.
كان البحر متعتها الحقيقية سواء بالسباحة أو المشي على شاطئه الجميل.. صور عديدة افتقدتها.. صورة الموجة التي تتلاشى سرعتها ويتراجع حجمها عندما تصل إلى الساحل وصورتها عندما تنحسر إلى الداخل بخجل.. صوت استنجاد القواقع عندما تدوسها الأقدام.. أو حتى عندما تصطدم ببعضها.. رائحة ذاك الغموض المسمى البحر.. ذلك النسيم البحري الرطب..
خوف ورهبة الطفل عندما تلامس قدماه المياه الباردة لأول مرة فيرفع قدماً وينزل الأخرى ويستمد ثقته ممن حوله.. ترقب الوالدين وملاحظتهما لذلك الغالي الذي يحاول السباحة.. القلعة الترابية التي تبنيها براءة الطفولة ويهدمها أحدهم بعفوية.. سراب الغضب من مرافقه الذي تعب حتى أكملها.. عذوبة ماء الشرب البارد الحلو أمام ماء البحر المالح.. والكثير الكثير..
اليوم جاد عليهم ذلك الجهاز بالحلم المخفي.. نعم لقد آن الأوان للمتعة العائلية.. سوف يكون تتويج ذلك الانتباه الجماعي على يديها.. نعم لماذا لا يكون آخر الأسبوع يوم الشاطئ!
يوم الشاطئ.. لم لا.. الحياة محاولة.. والمحاولة قالت إن البحر ليس مستحيلاً.. يمكنني أن أستمتع كما يستمتعون.. كانت تدرك أنهم يريدون ذلك لكن مراعاة لها لا أحد يطرح الموضوع.
كان البحر ـ وهي الآن أمامه؛ على شاطئه ـ صورة المخيلة.. تجسدت للتو.. هي الآن تستمتع بكل شيء.. التراب الذي يلتصق بقدميها.. رائحة التراب المغتسل بماء البحر.. الهواء المشبع بالرطوبة.. ارتطام القواقع.. المتعة هنا وهناك بين الجميع.. عذوبة الماء البارد أمام وهج شمس البحر.. دلال القوارب المطاطية على صفحة الماء..
والآن دور متعتها.. لبست سترة النجاة كإجراء احترازي وكنوع من التوازن.. أخذها أشقاؤها إلى داخل القارب المطاطي.. نعم، إنه البحر.. وضعت يدها داخل ماء البحر.. لامسته بعد طول غياب.. قبّلت يدها.. بل قبّلت ملوحة يدها.. إنني هنا!!
أنزلها إخوتها إلى البحر.. ها هو جسدها يرتعش عندما انغمس في الماء.. شهقة صغيرة صدرت منها كانت الإعلان عن بداية المتعة.. هي الآن كورقة الشجر عندما يلامسها الندى.. بكل ما فيها من أحاسيس.. تركت رأسها يغوص في المياه المالحة.. فتحت عينيها لتمتلئ بكل تلك الملوحة.. ليست هناك مشكلة حتى لو استنشقت بعض ماء البحر.. لن يقف أمام الحياة شيء.. أجفانها ملؤها الحياة.. الحياة التي استمدتها من البحر.
حمدت الله.. إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه.. وهي الآن مغمورة بالحب من الخالق ومن عباده.. حتى من البحر الذي يقال أن لا أمان له.. هي بأمان الخالق الذي أعطاها الحلم وحققه لها.. الحمد لله فهناك نعم كثيرة من الخالق لعباده.