اللون:
عرف ابن منظور اللون في لسان العرب بـ: الهيئة كالسواد والحمرة (لسان العرب مادة لون). أما في الموسوعات الحديثة قضية تفضيل في ضوء تطور العلم (خاصية ضوئية تعتمد على طول الموجة) ويتوقف اللون الظاهري لجسم ما على طول موجة الضوء الذي يعكسه.
وبكل تواضع يمكنني أن أعرف اللون في الشعر دلالياً: خاصية دلالية تعتمد على طول الموجة الشعورية في نفس الشاعر تعبيراً عن ذوقه وذاته وسبغته على موقف لرمز معين.
تقسيم الألوان:
يمكن تقسيم الألوان إلى أساسية بسيطة وثنائية مركبة أو ألوان صريحة وأخرى رمز لها كالظلمة أو النور وغيرها فالأساسية عند العالم الامريكي فرانكلين هي: الأحمر والأزرق والأصفر (مبادئ الرسم واللون ص 252).
ما يهمنا من هذا استخدام الشاعر لهذه الألوان وما يريد بها من دلالة وهذه الدلالة لا يمكن أن تكون ثابتة عند شاعر وشاعر آخر يماثله بها لأن لكل حالة شعورية ولكل رمز ولكل حب وميل للون معين.
اختلاف الدلالة اللونية:
إذا كان اللون الأسود في موضع يدل على الحزن فهو يدل على الأناقة والاحترام والرزانة، وإذا كان اللون الأبيض يدل على الصفاء والبراءة والنقاء لكنه يدل على السطحية وعدم الملاحظة. وإذا كان اللون الأحمر يدل على الحرب والدم والقوة لكن الوردة بل أجمل الورود هي الحمراء.
وإذا كان الأصفر يدل على النرجسية والكذب لكنه يدل في القرآن الكريم على السرور أو في قول ابن عباس (من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها). وفي مواضع أخرى أنه يرفع ضغط الدم المنخفض المرتبط بالأنيميا والإنهاك العصبي والوهن العام في الجسم ولكن على خلاف دلالة السرور والنشاط له دلالته على الازعاج والكآبة (حسب طلب جماعة إلى صاحب إحدى البنايات الشاهقة أن يطليها بغير اللون الأصفر لأنه يزعجهم ويجلب لهم المرض ورفعوا عريضة للمجلس البلدي لكنه لم يفعل، وعرف المجلس بالفعل أن الذين أصيبوا بالتقيؤ هم خمسون بالمائة من السكان، ذلك أن دلالة الأصفر متأتية من الذبول.
وإذا كان العرب لا يحبذون اللون الأزرق لأن العين عندما تعمى تصبح زرقاء لكن البياتي يرى في اللون الأزرق جمالاً وانجذاباً فيقول:
أنا صريع الأعين الزرقاء
صريع النار في الأفران صهباء
وهناك شعراء وضعوا الألوان في دلالاتها المباشرة وآخرون وضعوها في غير المعنى المباشر فالشاعر محفوظ البصري يقول:
أغرق في الصدف البحري
وفي ذاكرة الموج الأزرق تلتم نوارسه البيضاء
تترك للريح جدايلها السوداء
دلالة مباشرة لأن الموج من البديهي أن يميل إلى الأزرق والجدائل سوداء والنوارس حتماً بيضاء فلم يأت بشيء جديد فقط رسم صورة فيها نوارس بيضاء وجدائل سوداء قد تركت للريح وكل هذا غارق في ذاكرة الموج الأزرق.
في حين نرى سيد مجيد الموسوي يرسم صورة رائعة محلقة بخيال عال:
يا لتلك الزهور الغريبة سوداء كالفهم
كنت أدري ارتباكي
أما الشاعر البصري أ. عبد الله عباس خضير فقد خالف ما هو معروف باخضرار النخلة التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بها بقوله: (أكرموا عمتكم النخلة) فيقول:
أطلال القرنة دارسة
والنخلة تلبس ثوب الحزن
في حين يضفي البياتي الاخضرار على السحابة ولربما يكون السحاب أبيض أو أسود ولكنه أراد بها تفاؤلاً وأنها تعني له موقفاً مريحاً خصباُ في روحه فيقول:
أبحث عن سحابة
خضراء عني تمسح الكآبة
تحملني
إلى براري وطني
فهل عرفت لماذا هي خضراء؟ نعم لأنها تمسح الكآبة ولأنها تحمله إلى براري وطنه العراق.
يخالفه في هذا التفاؤل والأريحية عبد الرزاق الربيعي إذ يقول:
مررت على قلق الماء
مرور نيزكة
ولم تترك سوى
لون الحداد
علامة استفهام
كيف نيزكة وتترك لون حداد لا بل حداد برسم أكثر غموضاً هو علامة استفهام فاللون الأسود هنا أصبح يدل على لون الإبهام.
وإليك يا من تقول إن اللون ثابت وبعض الباحثين أو العلماء أرادوا حصر الألوان بصفات نفسية كما يفعل قدامة بن جعفر في كتابه (مروج الذهب).
هذا جواد الخطاب يقول:
علي أن أتربص بالعقول
وأزرع في عروة جاكيتها الغامق
فزاعة بيضاء
فهذا الشاعر قد جعل اللون الابيض الذي هو أكثر دفئاً وجمالاً وراحة للنفس (فزاعة) وهذه الدلالة لأنه فزاعة فيجب أن يكون رمزاً إلى شيء غيبي وإلى الجن والأساطير، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن جاكيتها (غامق) فيكون واضحاً.
وخاطبها السياب:
والسؤال: لماذا كل هذه القساوة على العراق؟
في غدٍ تمضين صفراء اليد
لا هوى أو غنم نحو العراق
وتحسين بأسلاك العراق
شائكات حول سهل أجرد
هل صفراء اليد؟ من اللون الأصفر أم الرقم صفر فهو يغالط أفكارنا ويحيرنا ولكنه يريد الصدر تعلمون لماذا لأنه يصدر ما فقد منها ولم يبق بيدها شيء إذا فقد منها (الهوى، والغنم، واللقاء) ولكن تمهلوا إنه يريد اللون الأصفر لأنه يقول حول سهل أجرد والجرد يعني أنه يابس والصفار من دلالاته الذبول واليباس، والبياتي يسكب دلالة الزيف على اللون الأصفر عندما رسمه في الجرائد إذ يقول:
زماننا بلا شعر وكأن الأحدب الأمير والأوثان
والصحف الصفراء والأقزام والذؤبان
تعوي وتعوي..
جماليات إبداعية للون واستخدامه:
من الجميل أن يعد الأستاذ عبد الله عباس خضير الألوان شيئاً له علاقة بحضارته:
وألوان الطيور
إنه سر الحضارات..
كما عنده تتخذك الألوان
اللحظة
ذات اللحظة
إذ
تختلط الالوان
الأسود والأبيض
والبني
وصوت الجان…
وهل لصوت الجان لون؟ لربما عند الشاعر كل لا يتجرأ في الميزان…
والشاعر كمال عبد الرحمن في (عجب) يقول:
أوقفني السراق بليل ٍ
فلما لم يجدوا فيّ غنيمتهم
تسرقوا لوني
…. ومضوا
عجب قالها الشاعر ونقولها نحن لأنهم لماذا تسرقوا؟ أو كيف تسرقوا لونه؟ لم أجد له مخرجاً إلا بعد أن قرنتها بمقولة نقولها للخائف: (انخطف لونه).
أما الشاعر عبد الإمام حسن البصري فقد رفض الألوان وأصر على ذلك لكنه استخدمها في قصيدته ورفض لحبيبته أن تستخدمها لكي تتجمل بينما هو استخدمها في تجميل قصيدته فيقول:
أنا لا أهوى جمالاً تصنعينه
لا ولا أهوي بياضاً فوق خديك طحينه
أو سواداً برموش تضعينه
وعلى كتفيك ليل قد تدلى
أشقراً لا تحملينه
هل هو مستبد على حبيبته ام هو أقنعها كلا الشعراء دائما يؤثرون بالناس فكيف بحبيباتهم فهو أقنعها وأقنعنا إذ يقول:
إنها الوردة فلا تطلى الورود.