اللغة كائن حي تتوالد وتنمو تباعاً بفعل ما يختزن فيها من مفردات ومواد لغوية تضمن بشكل مستمر الإبقاء على هذه اللغة ومدها بالحيوية والنبض ومن ثم الدفع بها إلى التطور والنماء، واللغة العربية استوعبت كثيراً من مستجدات العصور تباعاً ودخلت هذه اللغة مفردات ومصطلحات كانت بمثابة الغذاء الحيوي الحقيقي لهذه اللغة.
فنمت بذلك كله وتطورت وكانت مؤشرات ذلك قدرتها على استيعاب متغيرات العصر ولغته. وأعني بالعصر هنا الفترات المتلاحقة التي انحصرت في زمن ما وكان هذا مجمله علامة واضحة على أن اللغة العربية لديها القدرة والإمكانات والاتساع في محاور نطقها وصوتياتها ودلالاتها ومعانيها على أن تستلهم من هذا كله ما يمدها بالحياة ويحقق لها التطور المستمر.
ولعل من يطلع على تراثنا اللغوي ومصادره المتعددة ويحاول استشراف العلاقة بين نتاج البيئة العربية الفكرية وفي المجالات المعرفية المتعددة، وبين اللغة من حيث أصولها الراسخة ومن حيث ما دخلها من مستجدات لغوية، (مفردات، مصطلحات، تراكيب) لا شك أنه سيدرك أن ثمة علاقة توحدية وشاملة وعميقة بين الجانبين وقد تبناها لغويونا الأفذاذ فدونوا الظواهر اللغوية المعنية في مؤلفاتهم ومعاجمهم الرائدة وكان تسجيلهم لما دخل اللغة العربية مما توالد في عصورهم من المفردات والتراكيب والدلالات اللغوية برهاناً ناصعاً على قدرة اللغة العربية وسلاستها ومطاوعتها لاستيعاب ذلك كله.
في عصور متأخرة بدأت اللغة تواجه كثيراً من التحديات من أبرزها تلك الدعوات المتواصلة إلى استخدام بعض اللهجات العامية ما شكل ملامح لخطورة قد تؤثر على اللغة الأم وبخاصة ما كان عن ذلك كله خارج حدود قاعدية اللغة وصرفها وتراكيبها، وما كان مناقضاً لقاعدية الضبط اللغوي كذلك.
من هذا المنطلق كان على القائمين على اللغة مسؤولية الحفاظ على أصالتها وحمايتها من الضياع والاندثار كما كان عليهم التصدي لهذه التحديات، فاللغة كالكائن الحي، وهي تنمو وتتعاظم بالاستخدام الصحيح والمتتابع لها لأن ذلك معلم حيوية هذه اللغة، وعكس ذلك لا بد من التنبه له، فاستخدام اللغة استخداماً خاطئاً على مستوى المفردة الواحدة أو على مستوى التركيب اللغوي، إنما يبقى مع الزمن قاعدة متبعة، ويصبح خطأ اللغة صحيحها، وصحيحها خطأ.
في العام 1984 أصدر مجمع اللغة العربية بالقاهرة قراراته في خمسين سنة، وقد أصدر المجمع تلك القرارات بمناسبة عيده الخمسين، وفي أجزاء تلاثة على قدر كبير من القيمة والأهمية، ومن يقرأ هذه القرارات يشعر بأن هناك متابعة لما يجري في الشارع اللغوي العربي، وأن هناك تسهيلاً أو تيسيراً على الناطق باللغة العربية إضافة إلى وعي بوجوب استلهام الجديد واستيعابه بشكل واع ودقيق، وإن بدا أن هناك تسهيلاً لبعض القواعد في النطق اللغوي أو الصرفي وإمكانية أو جواز الأخذ به، مع الإبقاء على أسس القواعد الثابتة لتلك الجوانب.
وإذا كان الأمر يتعلق بإتاحة المجال جوازاً لاستخدام كلمة ما، أو تعبير ما بطريقة محددة، فإن قاعدة هذه الكلمة أو ذلك التعبير الثابتة إنما هي التي تبقى الأصح في الاستخدام.