إن المتصفح لتاريخنا الإسلامي يجد أمثلة كثيرة يفخر بها الإسلام في العمل الخيري، فقد تدافع المسلمون منذ القدم وتنافسوا نحو إنشاء المؤسسات الخيرية والمشافي والمساجد والمدارس واستراحات المسافرين والأوقاف الخيرية… وغيرها الكثير في هذا المجال،
وكل هذا من منطلق الوازع الديني، حيث أن ديننا الحنيف قد قام بتقديم الكثير من الحلول لمشكلات المجتمعات الإنسانية، إذ فرض الزكاة وحث على الصدقات والوقف ليصرف من ريعه على أوجه الخير.
كما أن موروثنا الثقافي والاجتماعي والخلقي نحن كعرب حتى قبل الإسلام كان يتميز بنصرة الضعيف وقرى الضيف ومساعدة المحتاج.
فالعمل الخيري أصيل في أمتنا ـ ولله الحمد ـ وجذوره ممتدة عبر تاريخها وثقافتها وحضارتها الإسلامية العريقة، ووجود الجمعيات والمؤسسات الخيرية في وقتنا الحالي وبهذه الصورة الحديثة جاء كمتطلب ضروري لتطورات العصر، نتيجة لتنامي عدد السكان وتباعد المسافات وكثرة الاحتياجات وتطور الأحداث وتعقد الأمور.
كما يعتبر العمل الخيري في صورته المؤسسية سمة حضارية وإنسانية في الوقت ذاته، حيث أن هذه الجمعيات والمؤسسات تستوعب العديد من الأنشطة التي ترقى بالمستوى الاجتماعي والحضاري للإنسان، وتعمل على تأمين ضمان الرعاية الاجتماعية لأفراد المجتمع، وهي بالتالي مظهر من مظاهر التساند الاجتماعي والتكافل الإنساني الذي دعا إليه الإسلام من خلال مبادئه السمحة وحث عليه.
ففعل الخير وبذل المعروف جعل الله له نفعاً يعود على صاحبه خاصة وعلى المجتمع الإسلامي بشكل عام بخير كثير، نستوحي هذا النفع من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسيرة سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
ولقد ربى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه على هذا المبدأ الكريم، وبيّن لهم بالمثال الحي نتائج صنائع المعروف، ولعل أبلغ دليل على ذلك المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وما حصل فيها من صور التلاحم والتعاون وفعل الخير إنما هو سير على طريق الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، الذين أوحى لهم الله عز وجل بفعلها فقد أخبر عنهم بقوله: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوصينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) (سورة الأنبياء ـ آية 37).
وقد قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) (سورة الزلزلة ـ آية 6)، فهذه الأعمال التي هي بسيطة في عيون بعض الناس لن تترك بل ستضاف إلى رصيد حسنات من قدمها، فالخير الذي يفعله العبد في الحياةالدنيا سيبقى ذخراً له عند الله عز وجل، قال تعالى: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير) (سورة البقرة ـ آية 11).
وقد حذّر نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ـ من زمان يأتي لا يوجد فيه من يقبل ما يعطى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدّقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها» (أخرجه البخاري)، ومن صور هذا النفع كذلك أن الله تبارك وتعالى قد تكفل بالإنفاق على من أنفق ماله في سبيله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال تبارك وتعالى: »أنفق يا ابن آدم أنفق عليك» (أخرجه البخاري). وكذلك تتهذب نفس فاعل الخير وتتطهر من الصفات الذميمة، قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها…) (سورة التوبة ـ آية 103).
وأعظم ثمرة ينالها فاعل الخير مغفرة الذنوب ودخول الجنة، قال تعالى: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) (سورة الإنسان ـ آية 11، 12).
كما أن بركة الإنفاق تدعوا الملائكة بالخلف لباذله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم اعط ممسكاً تلفاً».
ومن الضروري أن نذكر أن كل عمل مرتبط بنية فاعله، وحري بالمؤمن أن ينوي نية كلية شاملة لأموره كلها مقصود بها وجه الله والتقرب إليه وطلب ثوابه واحتساب أجره ثم يستصحب هذه النية في جميع أعماله وأقواله وأحواله.