بقلم د. روحي عبدات
سوداء طفلته ناعمة بريئة، يدس أنفه قريباً من وجهها ليجد فيها رائحة معبّقة تختزل كل ذكرياته، يُخرجها برفق من لفافتها الصغيرة، حرصاً على أطرافها اللينة من التساقط من يديه، يعاملها بعناية ولطف، وهي الطفلة، التي جمعت بين نعومة الصغار، ومحبة الكبار.
يأخذها إلى غرفة الألعاب، هذا المكان الذي يستهويه، وتشعر فيه بانطلاقتها نحو عالمٍ أرحب، ترى فيه النور، بدلاً من عتمتها المستمرة، التي تقضي فيها وقتها الطويل. يستهويها اللعب بالماء، فيلقيها في بركة دائرية صغيرة، لتسبح في المياه الدافئة مطولاً، وتغرق كل خلاياها في مهدها الجديد، وكأنها تتحرر من سجنها، لتسبح في فضاءٍ رحب واسع.
وسط هذا الانتعاش، تبقى عيناه شاخصتان نحوها، يراقبها بصمت، وأصداءٌ موسيقية تدور في ذهنه، تنسجم مع دوران طفلته في حوضها. كلما ابتعدت طفلته اللعوب ارتفع صوت ترانيمه، وكلما اقتربت رائحتها منه استقبلها بابتسامة فيروزية، منبعثة مع شعاع صباحي، قد بدأ يخترق نافذة قلبه ويدغدغ عينيه.
هو لا يجيد السباحة في حوضها الساخن، كل ما يجيده هو النظر إليها بشغف، وانتظار فراغها من لعبتها المفضلة، وكلما احتاجت إليه، مد لها عصاه كي تمسك بها وتساعدها على الدوران أكثر فأكثر، والهروب من حرارة الماء التي بدأت بالتصاعد شيئاً فشيئاً، تاركة جسدها النحيل يذوب في بخار حمامها التركي، ويواصل لعبة الدوران.
هي الطفلة في حديقة الألعاب، يدفعها برفقٍ ويلفّها أكثر فأكثر، فتنتشي من رائحة الهواء الذي يضرب وجهها المائل إلى البياض، نعم أصبح أبيضاً مع تدفق الدم إلى عروقها، ومع ارتفاع حرارة جسدها كلما دارت في لعبتها التي تستهويها.
ها هو الآن يمسك راحتها الصغيرة بيد، ويتأمل الأمواج تُراقص جسدها بحركة دائرية بهلوانية، يراقب طفلته اللعوب عن كثب وعن قربٍ أكثر فأكثر، حرصاً على سلامتها وكي لا تُغويها لحظاتٌ انفعالية مغموسة بالفرح، خاصةً كلما حركها الموج أكثر فأكثر، وكلما أحاطها بمزيد من الدفء، ولكي لا تقفز فجأة عن حصانها المعدني، وتتسبب في الضرر لوجهها الأبيض، فتُفسد عليه متعة اللحظة، هو الأب الحنون الذي يتحين تلك اللحظة التي يستشعر فيها ملل حبيبته من لعبتها المفضلة، فيدرك أنها لم تعد تستأنس ذلك المكان الحار وتريد القفز إلى حضنه.
في تلك اللحظة المصيرية، يضم يدها النحيلة بحرصٍ شديد، مراقباً وجهها الذي يرتفع إلى الأعلى أكثر وأكثر، تنبؤه بإيماءاتها وصوتها الذي بدأ يهدر أكثر فأكثر بأن الملل يداهمها من السباحة، هو الوحيد الذي يفهمها دون أن تتكلم، ويخاطبها دون أن ينبس بكلمة، في تلك اللحظة التي لا تحتمل الانتظار، يأخذ يدها النحيلة نحوه بسرعة. هو الآن يعلم بما سيشعر به من مرارة، وبما قد يلسعه من حرارة.. وعلى الرغم من كل ذلك، يُسرع إلى نجدتها، يختطفها إليه برفقٍ أكثر فأكثر ليسكبها في فنجانه ويحتسيها كل صباح.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011