إعداد الفريق البحثي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية : نوره عبد الله الزرعوني
“موكوساتسو” كلمة يابانية لها معانٍ كثيرة، من ضمنها “نتعامل مع الأمر بصمت” أو “نتناقش بصمت”، ولكن لم يكن هذا هو المعنى الذي نقله المترجمون ووسائل الإعلام ردًّا من اليابان على مؤتمر “بوتسدام”، الذي يدعوها إلى الاستسلام من دون شروط، وفي حالة رفضها ستتعرض لدمار غير مسبوق. المعنى الوحيد الذي نقل عن المؤتمر هو “لا يستحق التعليق”، فاستغل الرئيس الأمريكي رفض اليابان للإنذار، ومن ثم بدأ قصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية! خطأ الترجمة هذا لم يكن السبب الوحيد لاستخدام القنابل النووية، لكنه كان من ضمن الأسباب.
لو عدنا إلى حياتنا سنجد مواقف مشابهة (مجازياً)، سنجد أن علاقات دُمِّرَت بسبب كلمة، وبيوتًا خُرِبَت، وقلوبًا انكسرت، وربما فقدتَ فرصة عمل لأنك لم تستطع أن تعبر عن نفسك.
لذا يعلمنا كتاب/فن الكلام أربعة محاور تساعدنا على بناء علاقات دائمة والاحتفاظ بها قدر المستطاع،
المحور الأول لفن الكلام : اسمع أولاً
إذا لم تسمع الآخر فلن يوجد حوار بينكما أصلًا، كما يجب أن تفهم قصده بشكل صحيح لترد عليه كذلك بشكل صحيح، وهذا لن يحدث إلا عندما تعطي له فرصة ليتكلم وتسمعه.
والاستماع نوعان:
- الاستماع السلبي:
هو أن تسمع الآخر فقط، ولا تتكلم نهائيًّا خوف أن تقول رأيًا خاطئاً أو يسخر منك أحد، وهذا دليل على قلة الثقة والانعزال، غير ذلك فهذا الاستماع يُقلق الشخص الذي يتكلم ويجعله غير مرتاح.
- الاستماع الإيجابي:
أن تركز على كلام الشخص وتتفاعل معه بشكل بسيط (تعيد كلامه بأسلوبك، أو تعيد كلامه بالضبط لكن بنبرة صوت مختلفة)
كما أن هناك نقطة مهمة جداً تجب مراعاتها (كي نستمع إلى الطرف الآخر لا يعني أن يكون الحديث مهماً، فقد يكون الموضوع مكرراً، لكن الأهم هو الطرف الآخر ومشاعره، فلا مانع أن تجاري كلامه وتمثل أنك متفاجئ وهو يحكي لك، خصوصًا إن كان كبيرًا في السن، أو طفلًا يسرد على مسامعك جدول الضرب للمرة العاشرة)
المحور الثاني لفن الكلام : المقاطعة
- المقاطعة لتغيير الموضوع:
تقول لصديقك “أوشكت الإجازة على الانتهاء ولم نتنزّه معًا”، فيرد: هل عرفت نتيجة المباراة الأخيرة؟
نفهم أن الصديق لم يعجبه الموضوع الذي كنت تكلمه فيه أو ربما ليس مهمًّا بالنسبة إليه وعليه وجب تغيير الموضوع.
- المقاطعة بكلمة “أنا أيضًا” أو “حدث معي”
تقول لصاحبك: “حدث لي أمس موقف غريب جدًّا!”، فتجده يقاطعك بسرعة ويقول لك: “وأنا أيضًا! ليس أغرب مما حدث لي، لقد حدث كذا وكذا..
- المعارضة:
إما (اختلاف في الرأي، أو معلومة مهمة غير واضحة بالنسبة للطرف الآخر، أو في مواضيع العقائد والأديان).
وفي كل الحالات، أن تستمع وتنتظر من يتكلم كي ينهي كلامه، يمنحك فرصة لتفهم الموضوع من كل جوانبه، وربما تقتنع برأيه، وتكتشف أنه لا يوجد اختلاف من الأساس.
- الموافقة:
في الغالب يصيب هذا الشكلُ المتحمسين، ولكنه مع الأسف يُشعر المتحدث بعدم الاهتمام أو بالتنافس.
- الفكاهة:
هي مقاطعة الشخص بتعليق على شكل دعابة أو مزاح، ربما يكون المزاح مفيدًا لنقاش فيه حِدّة أو يجعل الجو مرحًا، لكن يجب ألا نستخدمه في حالة أن المتحدث يتكلم عن شيء جاد ومهم، وألا نقاطعه لأن هذا يقلل تركيزه.
المحور الثالث لفن الكلام: جدل أم نقاش؟
أحيانًا نتكلم في موضوع ما وقد نصل إلى نهايته متشاجرين ويخسر بعضنا بعضًا، على الرغم من أن هذا لم يكن هدفنا من البداية، فماذا حدث؟ تحول النقاش إلى جدل..
وللتوضيح أكثر:
- النقاش يتشارك فيه أطراف الحوار ليصلوا إلى الحقيقة أو حل المشكلة، ولا يخرج أحد منه وهو متضايق من الآخر.
- أما الجدل فتظهر فيه مهاجمة أطراف الحوار بعضهم لبعض، وهدف كل شخص أن ينتصر لنفسه وليس للحقيقة أو لقضية الموضوع. ولتفادي الجدل يجب أن نؤمن بـ (تقبل اختلاف الآراء، فهم دوافع الطرف الآخر، نقد الموضوع وليس الشخص).
المحور الرابع لفن الكلام: دائرة “العشم”:
هي منطقة الأمان في علاقاتنا الإنسانية، التي يكون فيها الأشخاص المقربون إلينا من الأهل والأقارب والأصدقاء. والمفارقة هنا أننا ربما نعامل أعزّ الناس بجفاء وقلة ذوق، وهذا بسبب “العشم”، لأننا نضمن أنهم سيبقون دائمًا بجانبنا، رغم أنهم أولى الناس باللطف والاحترام.
بتصرف/كتاب فن الكلام
تأليف/إيهاب فكري