بقلم : محمد النابلسي
ظهر في ستينات القرن الماضي مصطلح التسويق الاجتماعي والذي يعبر عن نهج تسويقي يستخدم لتطوير الأنشطة التي تهدف إلى تغيير سلوك الناس أو الحفاظ عليه لصالح الأفراد والمجتمع ككل من خلال الجمع بين الأفكار من التسويق التجاري والعلوم الاجتماعية، ويعد التسويق الاجتماعي أداة مثبتة للتأثير على السلوك بطريقة مستدامة وفعالة من حيث التكلفة.
وقد خاض المنتسبون لمركز عون، وهو منظمة غير ربحية تتخذ من مدينة جدة مقراً لها، تجربة سينمائية مميزة تطرح نموذجاً مهماً في التسويق الاجتماعي، من خلال فيلم “أبطال”، كنسخة عربية من الفيلم الإسباني “Campeones، من إنتاج الحائز جائزة الأوسكار أنديس فيسينتي غوميز، وإخراج مانويل كالفو، في أول تجربة إخراجية له لفيلم روائي طويل، بعد أن عمل مساعد مخرج في عدة أفلام، ومخرجاً لأربعة أفلام قصيرة.
تدور قصة الفيلم الذي تم تصويره خلال فترة جائحة كوفيد 19، حول المدرب خالد والذي يعمل مساعد مدرب فريق كرة قدم من الدرجة الممتازة، ولكن بسبب طابعه المزاجي وغروره، افتعل عدداً من المشاكل التي أدت إلى اتخاذ إدارة النادي قرارات تأديبية بحقه، كما تم حرمانه من وظيفته الأساسية. وكنوع من التخفيف لعقوبته تم طرح خيار تدريب فريق مكون من مجموعة لاعبين ذوي إعاقة ذهنية. وخلال مدة الفيلم 90 دقيقة تشهد الأحداث تحول نمط الشخصية الرئيسية، وطبيعة نظرته للأشخاص ذوي الإعاقة، وخوفه من الارتباط بفتاة لديها أخ من ذوي متلازمة دوان، ومواجهة كل تلك الأحداث بطريقة كوميدية خفيفة، بالإضافة إلى بعض المشاهد الدرامية.
بطريقة غير تقليدية، أظهر الفيلم تبايناً في مستويات الشخصيات من ذوي الإعاقة، ولم يظهرهم كلهم بطريقة مثالية أو مميزة، كانت الفروقات واضحة وتعود لأسباب مختلفة مرتبطة بشدة الإعاقة وبعضها الآخر مرتبط بسلوكيات خاصة بكل شخص، فمنهم من يعمل بوظيفة مشرف مواقف، ومنهم من يعيش حالة مستمرة من الخجل فيتحدث مع المدرب من خلال أصدقائه في الفريق، ونموذج ثالث لشخص يدعي المرض طوال الوقت.
وضمن الصيغة الجاهزة للأفلام الرياضية بنقل فريق أو بطل رياضي من فئة الهواية إلى فئة الفوز، اتبع الفيلم نفس الطريقة إلا أنه لم يفز بالبطولة في نهاية الفيلم، وهو أمر غير مألوف في الأفلام الرياضية، ولكنه اتبع القاعدة المتبعة في الأولمبياد الخاص وهي “المهم المشاركة وليس الفوز”.
وخلال تلك الرحلة اتبع المدرب عدة محاولات لرفع مستوى أداء لاعبي الفريق، وساعدته في ذلك خطيبته مدرسة الموسيقى التي استخدمت مهاراتها في ضبط إيقاع الفريق لتمرين معين.
وعلى الرغم من مبالغة الفيلم أحياناً في بعض المواقف الكوميدية، إلا أنه قدم صورة واقعية للتدرج الذي يصيب العاملين مع الأشخاص من ذوي الإعاقة، سواءً من متطوعين أو اختصاصيين، فعند البدء في العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية تحديداً يمر الاختصاصي أو المتطوع بعدة مراحل تبدأ بالصدمة من قدرات الأشخاص ذوي الإعاقة، وبعدها تتوالى المشاعر المختلفة حتى يصل إلى مرحلة التقبل والإيمان بقدراتهم، ومناصرة حقوقهم بالمشاركة والدفاع عنها، وقد يكون الموضوع مرتبطاً بدفاع الاختصاصي أو المتطوع عن منجزه الشخصي الذي حققه من خلال التغيير الذي أثر من خلاله على حياة هؤلاء الأشخاص.
من جهة أخرى فإن بنية الفيلم الفنية جاءت خفيفة متماسكة، ونجح في تصوير المجتمع السعودي، وأكسب الفيلم صبغة محلية خاصة به، على الرغم من أنه نسخة عن فيلم إسباني، رغم ذلك تمثل مشاركة خطيبة المدرب في تدريب الفريق خطوة متقدمة للمجتمع السعودي الذي يسعى إلى تعزيز مشاركة المرأة بشكل فاعل، ويكسر الصورة النمطية التي تقدمها الأعمال الدرامية الخليجية عن المرأة الخليجية.
الفيلم كان بديعاً في اختيار المواقع ويكسر مرة أخرى الصورة النمطية للمجتمع الخليجي الذي يعيش في منازل فارهة.
وعلى الرغم من أنها التجربة التمثيلية الأولى للمذيع السعودي ياسر السقاف إلا أنه قدم شخصية المدرب بشكل مميز، ولعب على تحولات الشخصية النفسية بشكل واضح.
من جهة أخرى قدم الممثل خالد الحربي صورة مثالية جداً للموظف الذي رهن حياته للعمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي تبدو صورة غير منصفة للعاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث تعتبر هذه المهنة من المهن الصعبة التي تؤثر على الصحة النفسية للعاملين بها، والصورة النمطية أن الأشخاص العاملين في قطاع التربية الخاصة هم أشخاص عليهم التمتع بشخصية تصل إلى حد الرهبنة هو توقع مبالغ فيه، يؤثر على نظرة العاملين لأنفسهم، ويثقل كاهلهم بتوقعات غير منطقية.
أما الممثلون من ذوي الإعاقة فقد قدموا أيضاً شخصياتهم باقتدار، حيث لم يتم التعامل مع شخصياتهم الحقيقية كما هي، ويبدو أنه قد تم العمل مع الممثلين بشكل جيد لإعدادهم، وتقديمهم لشخصياتهم بشكل محترف، الأمر الذي عكس تنوعاً حقيقياً وتفاعلاً جميلاً بين أعضاء فريق العمل على الشاشة.
وبشكل عام الفيلم الذي تم تصويره خلال فترة جائحة كوفيد 19، يعتبر إضافة لمكتبة السينما العربية، فقائمة الأفلام العربية التي تحدثت عن الإعاقة بشكل حقوقي تكاد تكون محدودة جداً، فهو فيلم مكتمل العناصر ويحمل صيغة فرجة ممتعة، ومحمل في نفس الوقت برسائل حقوقية، أما اللافت فهو استخدام المصطلحات الحقوقية في معظم حوارات الفيلم، والتي يبدو فيها أنه قد تم الاستماع لفريق العمل في مركز العون، وهذا يقودنا إلى أهمية الشراكة مع مؤسسات المجتمع المحلي وأصحاب الاختصاص عند تقديم القضايا المجتمعية.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”