قال أبو تمام:
ما معنى الجدلية:
الجدل ذو مكانة في المعرفة والإطلاع، وهو نوعان: جدل الفكر والرياضيات (أنساق ـ ترتيب – معقولية)، وجدل القلب (الحب ـ الولع بالصور ـ التجاوز إلى المعاني الكلية ـ التأمل المحض).
إذن، الجدلية:
من خصائص الفكر الإنساني فلا بد أن تظهر في طبيعة لغة أصيلة كالعربية وقد انتبه اللغويون وهو جذر الأضداد في الألفاظ العربية وأشاروا إليها وسعوا لجمعها وتفسير جدواها.
ذكر السيوطي (قطرب ـ الأنباري ـ ابن الدهان) القوافي الأضداد.
ما أسباب انتباه أبي تمام إلى التضاد والتقابل؟
أسفاره الكثيرة واتصالاته بشتى المعارف واطلاعه على ألوان العيش المتباينة، اطلع على تأمل اللغويين لذا نجد في شعره ثقافة لغوية واسعة يأتي التضاد من التحرر من أصلين مختلفين (أخفى ـ كتم ـ أخفى ـ أظهر) وقد يأتي لغاية بلاغية ـ السليم تفاؤلاً بالسلامة (المفازة من الفوز ـ الصريم لليل والنهار ـ العاقل للأحمق ـ الصارخ للمغيث).
جدل أبي تمام:
في الشعر وطبيعة توليده للأفكار، أنه أكثر الشعراء اطلاعاً على أشعار العرب القدماء وكتابه الحماسة شاهد على ذلك.
فهل ورد الجدل في الشعر الجاهلي؟
عند لبيد:
فالشيء الآتي يكون الإنسان في غفلة عنه لا ينتبه له فكأنه خلقه.
الإشارة الإلهية في القرآن:
السفينة التي ركب فيها الخضر وموسى، ولفظة أمد في قوله: (وأمددناهم بمال وبنين)، ولفظ أمر المستعمل في غيره: (نمدهم في طغيانهم يعمهون).
هل يحتمل الكلام أكثر من معنى؟
نعم، قال النبي (صل الله عليه وسلم): (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
- اذا لم تفعل فعلا تستحي منه فافعل ما شئت.
- اذا لم يكن لك حياء يردعك عن فعل ما تستحي منه فافعل ما شئت.
وقول المتنبي يؤدي إلى معنيين مدحا وذما:
وقوله:
أشبه بالذم منه بالمدح ـ لم تبلغ ما بلغته بسعيك واهتمامك بل غير سعادة وهذا الأفضل فيه لأن السعادة تنال الخامل والجاهد ومن لا يستحقها.
الجدلية: أوضح المظاهر للمقابلات الفكرية التي هي من خصائص الفكر الجدلي.
مدرسة أبي تمام رد فعل لمدرسة سبقتها هي مدرسة أبي نواس ـ التي اعتمدت على سهولة الألفاظ ويسرها وقرب المعاني وحداثتها وبساطة البيان وعلى وصف الحضارة وتجنب موضوعات الجاهلية (الوقوف على الطلل ـ وصف الناقة والخيل) واستهزاءً بهذه الموضوعات قول أبي نواس:
أبو تمام يعتمد اللفظ الغريب والعبارة النادرة وذكر مواطن الأحبة في البادية والصحراء، فاللفظ في مدرسة أبي نواس كان رقيقا يراد به ما وضع له وهكذا تبدو معاني الشعر واضحة لا لبس فيها ولا غموض.
عند أبي تمام اصبحت الألفاظ والكلمات لا تؤدي دلالتها ومعانيها بالضبط، إنها لا تستعمل لمعانيها الموضوعة لها بالتدقيق بل لتناسبها ومراعاة نظائرها، إن ألفاظ أبي تمام تبدو فيها العنجهية البدوية وإزاء المعنى الغامض الذي يتطلب إمعان النظر لتظفر بالمراد ـ التعبير القائم على الاستعارة والمجاز والجناس والكناية ومختلف المحسنات:
اختلف المطلع عنده عما ألفناه في تعبير الشعراء: السيف رمز القوة والحرب والكتب رمز التنجيم والحد الثاني معناه الفصل بين شيئين.
يؤكد البيت الأول بتشكيل مزخرف متألق خطابي جاء بألفاظه الطباق بين البيض والسود وتجنيس القلب في الصحائف
يؤكد الفكرة نفسها، يخدع العلم في الحرب لا ما استدللتم عليه بالنجوم ولكنه يختار للدلالة على النجوم لفظ الشهب التي هي أخص منها ويستعير اللفظ نفسه لأسنة الرماح زخرفا وتزويقا ومجانسة.
قول أبي تمام على التلميح والاشارة إلى أيام العرب وحوادث التاريخ والقصص المأثورة وضرب الأمثال:
الملاحظ أيضاً أنه يعتمد التضاد أو تغاير الحدود:
السيف يقابل الكتب، الجد نقيض اللعب، البياض ضده السواد، الشك يبده الجلاء، أسنة الرماح تقابل (سناء النجوم)، التضاد بين المتزوج والأعزب.
إشارة إلى الربوع والمواطن البالية فربع قومه أصبح عامراً حين طاف به ذو الرمة ورغم ذلك كان أقل دمارا من دمار عمورية.
وقوله في المقارنة بين الحسن في العواقب
كيف جدد أبو تمام في الشعر العربي؟
تناول بيئة الشعر وتركيبه أو عموده، تناول الأغراض الفنية القديمة فدقق بالطلول وبكاها وشبب ومدح ورعى واستعمل الكثير من الألفاظ الغريبة وبعض الكلمات القليلة الشيوع.
إن الاتجاه الديالكتيكي الذي اتجه إليه أبو تمام استطاع أن يولد كثيراً من المعاني (كم ترك الأول للآخر). قال أبو العلاء في رسالة الغفران: (أبو تمام صاحب طريقة مبتدعة ومعان كاللؤلؤ متتبعة يستخرجها من غامض بحار).
لقد التزم أبو تمام النهج هذا في جميع شعره:
ويصف الربيع ويجلب انتباهه ختام الشتاء ومقدمة الصيف فهو يعرفه بالتضاد (إن الشتاء لما احتوى من أمطار هيأ ثمرات الصيف فالشتاء محمود رغم برده، أما الربيع فهو صحو في مطر ومطر في صحو).
يرى أبو تمام أن الحركة هي الأصل في حسن الطبيعة وجمال الأرض على خلاف الأشياء المصنوعة الثابتة، كان أبو تمام ـ أباً للجدل المريث المستند إلى التغيير والى الحركة وكان مذهبه مبكراً شمل الفلسفة وإن الشعر العربي لم يخل من المقابلات المتضادة ولكن الفرق كبير بين إبرازها حين تشف عن حركة طبيعية دون أن يتجاوز التعبير هذه الحركة وبين اعتماد التضاد وتصالب الأفكار وتقاطعها في أغلب الأحيان، فالشاعر الجاهلي الحصين بن حمام يقول:
رسم حركة نفسية بعبارات رقيقة متقنة وبقي كلاسيكياً لأنه كان وثيقا بعاطفته لم يصورها بعنف ولا باستعارات متعمدة كما يصنع أبو تمام.
شواهد من جدلية أبي تمام:
في مدح المعتصم:
في البيت مراحل تكلف في اثبات ونفي النفي.
في وصف الطلول:
فاللفظ عنده يحتمل أحياناً أكثر من معناه المخصص له.
وصف الجمل:
الجمل نشأ وسمن من رعية الفيافي ثم نحل وضعف من جوبه تلك القفار فكأنما رعته بعدما رعى بنتها.
وصف الشيب:
يصف شعلة الشيب في المفارق، الهموم تستشيرها وهي في المقابل تستشير الهموم.
إن شعره قائم على صراع الحدود في ذلك العصر العباسي القائم على التمايز بين الطبقات والفئات مع وجود الطبقات العرقية التي تتنافس ظاهراً وباطناً مع الحكم كالفرس والترك.
لابد وأن يظهر في العصر المعقد تلوح صوره نضارة متشابكة مع فن صناع وأدرك أبو تمام رسالة الشعر في ذلك المجتمع المعقد وفهم غايته السامية فالشعر ليس مجرد فن كملت عناصره وأتقنت أداته وبلغ الأول في الإبداع والصناعة إنما هو وسيلة للقفز على المعاني وحث على تحقيق القيم الرفيعة.
فالرئيس لا ترقيه الرئاسة لأنه مهيأ للمعالي في الأمور فلم ترتفع شخصيته بهذا النص الجديد كما يرتفع قليل الواهب:
لقد سما بممدوحه على ان يكون من هؤلاء إذ كانت مزاياه النفسية أصلية لا جدلية بالإشارة والنصب.
من اكتشف جدلية أبي تمام؟
- أبو الفرج الأصفهاني: (شاعر مطبوع لطيف الفطنة دقيق المعاني غواص على ما يستصعب منها ويعسر متناوله على غيره).
- الصولي: (رأس في الشعر مبتدىء المذهب ـ سلكه كل محسن بعده).
- أبو العلاء: (إنما ينكر عليه المستعار وقد جاءت الرماية في أشعار كثير من المتقدمين إلا أنها لا تجتمع كاجتماعها فيما نظمه حبيب = أبو تمام).
(الفن البراق)
إن شعره قائم على الصناعة والتركيب والزخرفة اللفظية والمعنوية كأنه هندسة فنية متشابكة العناصر غنية الأوصاف (الفن البراق).
تأثر البحتري والمتنبي بفنه وتقبلاه بادئ بدء، لقد فاقه البحتري في موسيقى اللفظ وغنائيته ذات الجرس الحلو، وفاقه المتنبي في قوة بيانه وروعته وايجازه في إعجازه، وكل من جاء بعدهم تأثر بابي تمام.
نماذج من بديعياته:
يطابق بين أسماء الإشارة:
المطابقة في الألوان والكناية عن القتل بالدم والكناية عن الجنة بلون أخضر:
المقابلة على الترتيب قوله تعالى: (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً).
ويقول المتنبي بخمسة أشياء:
وقول عنترة يقابل بين ستة أشياء:
الأستاذ الدكتور صدام فهد طاهر شريف الحمد الأسدي
تولد قضاء القرنة 1/7/1953
حصل على شهادة أستاذ مساعد في 27/3/2005 وفي البحوث الآتية:
- مسارات الجدل في شعر الجواهري درجة أصيل، نشر في كلية التربية، مجلة أبحاث البصرة، العدد 39 سنة 2003.
- تشكيل المشهد الأسطوري في الشعر العراقي، مجلة كلية التربية، العدد 28 سنة 2002.
- الألوان ودلالاتها في الشعر العراقي، مجلة كلية التربية، العدد 38 سنة 2003.
- الحديد ودلالاته في القرآن الكريم والأدب، بحث مشترك مع الدكتور نبيل العبيدي، قسم الكيمياء، مجلة كلية التربية العدد 38 سنة 2003.
- القدس ودلالاتها في الشعر العراقي، نشر في مؤتمر تكريت العلمي الرابع، سنة 2002.
البحوث المقدمة لدرجة الأستاذية:
- قدم لمرتبة الأستاذية في 27/12/2009 وحصل عليها بتاريخ 17/6/2008.
- تشظيات القلق في شعر السياب، مجلة كلية التربية، أبحاث البصرة العدد 102 في 3/2/2009.
- تجذرات الظمأ في شجرة القمر لنازك الملائكة / دراسة تحليلية، مركز دراسات الخليج العربي، العدد 260 في 6/4/2009.
- الوسائل المادية ودلالاتها في شعر الرواد / السياب، البياتي ونازك، مجلة آداب البصرة العدد 354 في 8/11/2009.
- الفكر الجغرافي في القرآن الكريم / بحث مشترك مع الدكتور عبد الإمام نصار، قسم الجغرافية، كلية التربية / نشر في مجلة آداب البصرة العدد 42 سنة 2007.
الإشراف على الدراسات العليا
أشرف على طلبة الماجستير والدكتوراه:
- عبد الحسين برغش سلمان في رسالته (كربلاء ورموزها في الشعر العراقي الحديث) 2005.
- هيثم كاظم صالح، الشاعر مجيد الموسوي دراسة موضوعية فنية، 2007.
- نائل عبد الحسين عبد السيد / القراءة الممكنة للنص الابداعي، عبدالفتاح كليطو، 2008.
- خلدون كاظم هاشم شعر قصي الشيخ عسكر، دراسة موضوعية فنية، 2009.
- عبدالهادي طعان جاسم، أطروحة دكتوراه، الصراع القيمي في شعر الرواد، 2009.
- جواد سالم محسن، رسالة ماجستير، شعر شاكر العاشور، دراسة فنية موضوعية، 2010.
- صباح عيدي عطية، أطروحة دكتوراه، الخطاب النقدي عند عبدالله إبراهيم، 2011.
- باسم حساب راشد، رسالة ماجستير، السخرية في شعر عبد الوهاب البياتي، دراسة نقدية، 2010.
الرسائل العلمية التي ناقشها عضواً
- نجاة علوان حسين، رسالة ماجستير، الشكوى في الشعر العراقي، إشراف الدكتورة نضال ابراهيم، 2005.
- نجلاء جاسم الرديني، رموز الغزل في شعر عمر بن ابي ربيعة، رسالة ماجستير، إشراف الدكتور حسن جبار وفالح حمد 2006.
- فيحاء عبد الكريم جابر الخزاعي، رسالة ماجستير، الفضاء الشعري عند الشاعرة بشرى البستاني، إشراف الدكتورة نضال والدكتورة نهلة.
- صباح عيدي عطية، رسالة ماجستير، شعر محمد بسيم الذويب، إشراف الدكتور سوادي فرج مكلف، 2005.
- حازم منخي عبد السيد، رسالة ماجستير، التناص في شعر محمود درويش، إشراف الدكتور سوادي فرج مكلف، 2005.
- حيدر محمود شاكر، رسالة ماجستير، التلقي للصحيفة السجادية، إشراف الدكتور حسن جبار محمد، 2008.
- أشواق غازي سفيح الياسري، رسالة دكتوراه الفضاء الروائي عند محمد عبد الحليم عبد الله، إشراف الدكتور قصي سالم علوان، 2009.
- مولود محمد زايد البيضاني، رسالة دكتوراه، 2009.
- مازن مالك المازني، أطروحة دكتوراه المتلقي للقرآن الكريم بعد عصر الرسالة، إشراف الدكتور حسين الهلالي، 2009.
- شيماء هاتو فعل البهادلي، أطروحة دكتوراه المائيات في الشعر الأندلسي، إشراف الدكتور سوادي فرج والدكتور صيوان خضير خلف، 2009.
- محمود كاظم موات، رسالة ماجستير، أساليب الإستفهام في شعر الجواهري، إشراف الدكتور قصي سالم علوان، 2009.
- المطولات في الشعر العربي الحديث، رسالة دكتوراه، وليد جميل خفي العقيلي، إشراف الدكتور سوادي فرج مكلف، 2010.
النشاطات الأدبية
- عضو إتحاد الأدباء في العراق، 1972.
- عضو نقابة الفنانين في البصرة، 1982.
له سبعة دواوين شعرية مطبوعة هي:
- محاجر الغسق، 2005.
- خيمة من غبار، 2006.
- لا شي غير الكلام، 2007.
- أوساخ على رصيف التعب، 2008.
- ترهلات غيمة ذابلة، 2008.
- أنهار ظمأى 2009.
- سأعلن أمنيتي أخيراً، 2010.
له أربعة كتب نقدية:
- نحت في ضباب شعر رشدي، 2007.
- قلائد نقدية في شعر البصريين، 2008.
- البصرة في الشعر العراقي، 2009.
- قوافل بلا هوادج، دراسة نقدية في شعر البصريين وشعراء ميسان، .2010
نشر الشاعر أعماله النقدية الشعرية في:
- مجلات الخليج، ومنها المجالس والنهضة واليقظة.
- صحف العراق والمنارة والمرفأ البصرية والكويت والمدى وفلسطين.
- نشر في مواقع الانترنيت (الناس، المثقف، النور، شمس العراق وأورنينا)
- أصدر أعماله النثرية من لبنان، مطبعة جيكور، في 15/3/2016.