لقد تأكد لدينا مدى أهمية أدب الأطفال لكل من المدرسة والبيت لذا يتعين على كل من المعلمين وأولياء الأمور التمييز بين الأدب الغث والسمين
إن اطلاع الأطفال على أشكال الأدب المختلفة يسهم إلى حد كبير في تنمية قدراتهم وعليه يتعين على التربويين والأسر وأفراد المجتمع تقديم العون للطلبة لزرع حب القراءة في نفوسهم والاهتمام الكبير بها. ولا تقتصر أهمية الأدب على تنمية المهارات المعرفية فحسب بهدف تحقيق النجاح في المدرسة أو العمل إنما تتعدى أهميته إلى مجالات اخرى أيضاً. ورغم تعدد القيم الناجمة عن قراءة الأطفال للأدب فإن دونا نورتن (2010) Donna Norton تحدد قيمة الأدب وأهميته للشباب في كتابها الموسوم (رؤية طفل) Through the Eyes of a Child وتتضح أهمية الأدب من خلال الفرص التي يتيحها للطلبة لإبداء آرائهم وتقييم تراثهم الثقافي إضافة إلى تراث الآخرين وكذلك مساعدة الطلبة على تنمية الذكاء العاطفي والإبداع وتنمية شخصية الطالب وتطوير مهاراته الاجتماعية فضلاً عن نقل الأدب الرفيع ومواضيعه البارزة من جيل إلى آخر.
تشير القيمة الأولى إلى أن أدب الأطفال يتيح للطلبة الفرصة للتفاعل مع مادته وبلورة آرائهم الخاصة حول المواضيع ذات الصلة وهذا الأمر يعزز الجانب التطويري المعرفي لأنه يشجع التفكير العميق وأبداء الرأي. تجدر الأشارة إلى أن الأدب الرفيع لا يفصح عن كل شيء للقارئ لذا لا مهرب من اختلاف الآراء حول النص الأدبي. وقد تتباين الآراء جوهرياً استناداً إلى وجهات النظر والخبرات. وبمقدور الطلبة أن يتعلموا كيفية تقييم الأدب وتحليله فضلاً عن تلخيص بعض النصوص وإبداء الفرضيات بشأنها. في هذا السياق يشير نورتن إلى أن (الكتب المصوّرة الصامتة تمثل حافزاً أساسياً للغة الشفهية واللغة المكتوبة). وبإمكان الطلبة الذين يقرؤون كتباً صامتة مثل (كرة لديزي) A Ball for Daisy و(المظلة الصفراء) The Yellow Umbrella و(الكتاب الأحمر) The Red Book أن يحللوا الصور الإيضاحية ويطوروا حواراتهم حول القصة. ومثل هذا التوجه يقوي وظائف الطلبة المعرفية من خلال تشكيل الآراء الخاصة بهم والتعبير عن أنفسهم من خلال اللغة في إيجاز حبكة كتاب صامت معين.
وثانياً يحفز أدب الأطفال الطلبة لدراسة تراثهم الثقافي وثقافات الشعوب الأخرى. ويتعين على الأطفال التعرف على مثل تلك القيم لأن (تطوير مواقف إيجابية حول ثقافتنا وثقافة الآخرين يعتبر أمراً هاماً للتطور الاجتماعي والشخصي) (نورتن، 2010 ص 3). ولدى تدريس الطلبة التراث الشعبي للشعوب الأخرى لابد من الاهتمام الفائق في اختيار المادة المناسبة للقراء اليافعين حيث أن هناك الكثير من القصص وبعض الحكايات التي تضم في ثناياها نماذج سمجة ومعلومات تفتقر للدقة حول بعض الجماعات الثقافية ومنها كتب مثل (الأخ العُقاب) Brother Eagle و(الشقيقة السماء) Sister Sky و(الفتاة ذات الوجه الصارم) The Rough-Face Girl. وهذه الأمثلة من القصص تشوه صورة السكان الأصليين في أمريكا وتقدم معلومات خاطئة عن المجريات التاريخية. فعلى سبيل المثال عاشت قبيلة الأروكيوس Iroquois في ضوء ما ورد في قصة (الفتاة ذات الوجه الصارم) في بيوت طويلة لكن الرسام صور أولئك السكان وهم يقطنون في خيام جلدية مخروطية الشكل! وهذه نظرة متواترة أثرت سلباً على تخليد الأشكال النمطية الأمر الذي يقتضي الحيطة والحذر من جانبنا نحن الذين توكل إلينا مهمة اختيار الكتب لطلبتنا في مدارسهم وكذلك إثراء المكتبات الخاصة. وهناك بالفعل بعض كتب الأطفال التي تتسم بالدقة الأكبر في تدريس الاختلافات الثقافية للقوميات الأخرى فالقصة القصيرة الموسومة (أيريك) Eric وهي واحدة من (حكايات من ضواحي المدينة البعيدة) قصة مؤثرة تدور حول عائلة تقوم بإيواء طالب أجنبي يتعين عليها أن تتعرف على هذا الضيف شيئاً فشيئاً وتتقبل فيما بعد الاختلافات الثقافية بينهما.
هذه القصة تحمل رسالة إيجابية تتمثل بقبول الاختلافات الثقافية بين الناس، وهو الأمر الذي نرغب في زراعته في نفوس طلبتنا. والكتاب المعنون (الذهاب إلى البيت) Going Home يتناول الجانب الثقافي أيضاً حيث تدور القصة حول عائلة مكسيكية مهاجرة استقرت في الولايات المتحدة وولد لها عدد من الأولاد هناك. في هذه القصة نلاحظ اختلافات في مفهوم (الوطن) بالنسبة للأب والأم من ناحية وأولادهم من ناحية أخرى. وحين تذهب العائلة في رحلة إلى المكسيك يدرك الأطفال مدى أهمية ثقافة ذويهم ووطنهم بالنسبة إليهم. وهناك الكثير من الكتب المتيسرة التي تتناول الثقافة باعتبارها جزءاً هاماً من المجتمع ولابد من تبجيلها وتقييمها وهي تشكل قيمة كبرى للطلبة.
وثالثاً يعين أدب الأطفال الطلبة على تطوير ذكائهم العاطفي فالقصص تتصف بالقوة بحيث تدعم التطوير العاطفي والأخلاقي. إن أدب الأطفال (يحتضن لحظات لا حصر لها حيث تعمد الشخصيات إلى اتخاذ قرارات أخلاقية والتفكير ملياً بالدوافع وراء مثل تلك القرارات) وهي مهارة مهمة للطلبة في تطبيقها. ونورد هنا قصة (كوجي كوجي) Guji Guji التي تدور حول تمساح تتبناه عائلة من البط. في نهاية المطاف كان يتعين على هذا التمساح أن يختار بين خيانة العائلة التي تبنته والعودة إلى (بيئته) المعتادة لذا يقرر الوفاء لمبادئه وينأى عن خيانة عائلته. ولكتاب (الندب) The Scar أهمية خاصة تحتم قراءته مع الطلبة ليتعلموا كيفية التعاطي مع الحزن لكونه يدور حول صبي تموت والدته. ومثل هذا التوجه يتطلب مستوى معقداً من الذكاء العاطفي حيث أن الكثير من الأطفال لا يفهمون الموت. ورغم أن موضوع الموت يناسب مستوى دراسياً أعلى فإن الموضوع مع ذلك يتسم بالأهمية بحيث يقتضي الأمر مناقشته مع أولئك الطلبة. والكتاب الآخر الذي يشجع الذكاء العاطفي هو الكتاب الموسوم (سلمى) Selma الذي يناقش مفهوم (السعادة) لخروف صغير، وهذه قصة فلسفية في إطار كتاب مصور تحث الأطفال على التفكير بمعنى السعادة. أما قصة (الصندوق الكبير) The Big Box فتتناول أطفالاً جردوا من حريتهم من خلال وضعهم في صندوق وما يثيره ذلك من مشاكل ناجمة عن فقدان الحرية. وهنا ينبري أدب الأطفال لتشجيع القراء من الطلبة على التفكير ملياً بمشاعرهم.
كما أن أدب الأطفال يشجع الطلبة على الإبداع حيث يشدد نورتن (على الدور الذي يؤديه الأدب في تنمية الخيال وتوسيعه). في قصة عنوانها (بيت في المساء) House in the Night (سوانسن 2008) يصور الكاتب الإبداع الذي يجول في ذهن فتاة شابة في خيالاتها المسائية وهي تحلق في الجوار المظلم على جناحي طائر. وتتصف كتب مثل (موسيقى البوب المدهشة) The Amazing Pop-up Music (1999) و(زن! زن! زن! آلة الكمان) (1995) و(انظر ملياً) Look Closer و(التحف الفنية عبر العصور) Art Masterpieces Through the Ages (2006) بكونها كتب خيالية وأصيلة وهي تحفز الطلبة على تعلم الموسيقى والفن فضلاً عن جاذبيتها من حيث التصميم والتفاعلية.
أدب الأطفال باختصار ينمي أخيلة الطلبة الداخلية.
ويعمل أدب الأطفال على تعزيز الشخصية والتطور الاجتماعي حيث تتسم شخصية الطلبة بالحساسية أثناء السنوات التقويمية، والأدب في هذا الشأن يعينهم من خلال جعلهم أشخاصا عاطفيين وأذكياء وودودين. في هذا الشأن يشير عالم النفس جين بياجيه Jean Piaget إلى أن انتقال الطلبة من المرحلة ما قبل العملية إلى المرحلة العملية من التطور المعرفي يجعلهم أقل أنانية، ففي حين يركز الطلبة في المرحلة التي تسبق المدرسة وكذلك في رياض الأطفال على أنفسهم بشكل مطلق فإنهم بعد سنين لاحقة يبدؤون بمراعاة مشاعر الآخرين ووجهات نظرهم. إن تفهم آراء الآخرين والابتعاد عن الأنانية يمثلان مهارات مهمة لابد من غرسها في نفوس الطلبة. أما التطور الاجتماعي فيمكن دعمه من خلال تحفيزهم على قبول الآخرين واحترام الاختلافات معهم.
وتضم كتب مثل (رقصة التانغو) And Tango Makes Three (باريل وريتشاردسون 2005) و(عائلة مولي) Molly Family (غاردن 2004) و(لهيثر اثنتان من الأمهات) Heather has Two Mommies و(نيومان وساوزا 1989) و(رفيق أبي) Daddy’s Roommate و(لهويت 2000) تضم مواقف حياتية تشجع الطلبة على أن يكونوا أكثر انفتاحاً لمختلف العوائل وأن أهم شيء في العائلة هو الحب. وأدب الأطفال يشجع الطلبة ايضا على تنمية علاقاتهم مع الناس الآخرين من خلال تشجيع التواصل الاجتماعي. وقد جسدت القصة الموسومة (أعقد الأنشوطة) Loop the Loop (دوغان 1992) علاقة غير عادية حيث يرتبط صبي بشخص كبير السن بعلاقة صداقة وثيقة يستمتعان خلالها بلعبة القرص (اليويو)، وهي قصة (طفلان ينعمان بأسبوع رائع) (فريزي 2008). يتعلم الصبيان كيفية التفكير بحاجات الآخرين حين يرسمان صورة شفافة للجد المغرم بطيور البطريق. والأدب يشجع الطلبة على مراعاة شؤون الآخرين والصداقة معهم، وإن مثل هذه الصفات يجب أن تتناسب مع نمو أولئك الطلبة إلى مواطنين متميزين.
وأخيراً تبرز قيمة أدب الأطفال بكونه يمثل تقليداً خالداً (تعتبر فيه الكتب الوسيلة الأساسية لنقل تراثنا الأدبي من جيل إلى جيل (نورتن 2010 ص 3). وتمثل قصص تقليدية مثل (الدكتور سيوس) Dr Seuss و(تظن أنني سمعتها في شارع ملبوري) To Think That I Heard it on Mulberry Street و(غيسل Geisel 1989) و(القطة في داخل القبعة) The Cat in the Hat (غيسل 1957) أهمية خاصة تقتضي اطلاع الأطفال عليها بسبب تراثها الأدبي. وبمقدور الأطفال أيضاً أن ينموا مهاراتهم المعرفية واللغوية من خلال اطلاعهم على قصائد الوزة الأم المقفاة.
ونورد هنا مجموعة من القصائد المقفاة المعنونة (أهلاً ديدل ديدل وقصائد أخرى للوزة الأم) Hey Diddle Diddle and Other Goose Rhymes. مثال على هذه القصص المتميزة (دي بولا de Paola 1998) أما الأطفال في المراحل الأكثر تقدماً فيمكن أن يقيّموا مسرحيات وليم شيكسبير والأفكار التي انطوت عليها من خلال الكتب المصورة التي تجعل التعليم أمراً ميسوراً. وتوجد الكثير من طبعات أعمال شيكسبير بكتب مختصرة مزدانة بالصور من ضمنها (روميو وجولييت) و(العاصفة). ولأن عمر الطفولة يستغرق فترة قصيرة إلى حد ما فإن من الضرورة تزويد الطلبة بالتراث الأدبي الأساسي للكتب الخالدة لأن أدب الأطفال المتميز يمتلك القدرة على اجتذاب الناس لأجيال كثيرة.
لقد تأكد لدينا مدى أهمية أدب الأطفال لكل من المدرسة والبيت لذا يتعين على كل من المعلمين وأولياء الأمور التمييز بين الأدب الغث والسمين ليتاح للطلبة قراءة أفضل الكتب لتشجيعهم على تبيّن قيم الأدب المهمة بالنسبة إليهم وبالتالي تحقيق التطور المرجو.
المصدر:
https://www.luther.edu/oneota-reading-journal/archive/2012/the-value-of-childrens-literature/
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.