ماهي نظرية العقل وما شروط اكتمالها لدى الطفل، ما مدى ارتباط اضطراب طيف التوحد ونظرية العقل وهل هل يمكن تدريس القدرة على قراءة العقل وهل تعرفتم سابقا على اختبار سالي أن. عزيزي القارئ الإجابات حول هذه التساؤلات العديدة حول النظرية وعن برنامج قراءة العقل ووحداته وأهم أجزائه ستجدون الردود الوافية عنها في هذا المقال.
أولاً – نظرية العقل:
كان أول من أطلق مصطلح Theory of Mind، وباختصار ToM، هما العالمان (بريماك Premack وودروف Woodreff) سنة 1978، تعني النظرية القدرة على استنتاج الحالات العقلية للآخرين (الأفكار، المعتقدات، الرغبات والنوايا) والقدرة على استخدام هذه المعلومات لتفسير الكلام والفعل الصادر منهم والتنبؤ بسلوكهم في المستقبل.
تبدأ مهارات نظرية العقل بالتشكل منذ بداية سنين الطفولة الباكرة وتستمر بالتطور عبر الحياة، حيث أنها تبدأ مثلاً عندما يتعلم الطفل الصغير اللغة وقد يكون الطفل الذي لم يتجاوز عمره الخمس سنوات بات يفهم ويحسن استخدام نظرية العقل بشكل عفوي وتلقائي مما يساعده بشكل أساسي على التعامل، التعاون، أو حتى الخداع والتلاعب مع الآخرين.
أمثلة مبسطة:
على سبيل المثال نظرية العقل تشمل أن يكون الطفل الصغير قادر على أن يفهم:
- أن الأشياء التي يحبها أو يكرها قد لا تكون نفس الأشياء عند الآخرين وأنهم قد يفضلون أو يحبون أشياء مختلفة تماماً.
- أنه إذا شاهد بأعينه شيءً ما ولم يشهده الآخرين معه، فإنه يعرف شيء لا يعرفه الآخرين.
- أنه إذا كان يفكر أو يحس بشيء ما في داخله، فإن تلك الفكرة أو الإحساس لن يعرفه الآخرون.
- ويذكر أيضا أن هناك مرحلة أولية قبل 4 أعوام ينتبه فيها الطفل ويقلد الغير ويميز عواطفهم ويعبر عن عاطفته ويدرك عواطف وأفكار الآخرين ويتصرف استناداً إلى ذلك. بعد عمر 4 أعوام يفهم الطفل ماذا يريد وماذا يفكر وما هي عواطفه السرية الخاصة به وما هي المعتقدات غير الصحيحة.
ثانياً ـ تكتمل نظرية العقل في الطفل عند هذه الشروط:
- يفهم الرغبة أو ما يريد: مختلف الناس تريد أشياءً مختلفة ولكي تحصل على ما تريد فعليك أن تتصرف بطرق مختلفة بين الحين والآخر.
- فهم التفكير وهو أن الناس لهم معتقدات مختلفة ويحتمل أن تكون صحيحة وعن نفس الشيء الذي تعتقد به. نشاط البشر يعتمد على تفكيرهم بنتائج فعلهم.
- الرؤية تؤدي إلى المعرفة. إذا لم ترَ شيئاً ما فأنت لا تعرف عنه شيئا ولكي تفهم ما لا تراه فعليك بمعلومات إضافية. من هناك يأتي قول الإمام علي كرم الله وجهه بأن هناك 4 أصابع تفصل بين الحقيقة والكذب في شهادته(تقول رأيت أو سمعت). الحقيقة هي أن تقول رأيت شيئا ما والكذب أن تقول سمعت شيئا ما.
- فهم المعتقدات الخاطئة وأن سلوك الإنسان قد ينتج عن هذه المعتقدات وليس بالضرورة أن سلوك الإنسان يعتمد على ما هو صحيح.
- فهم المشاعر الخفية وهي أن العاطفة التي تعبر عنها ليس بالضرورة التي تشعر بها. بعد ذلك بدأت البحوث العلمية تكشف بأن فعالية نظرية عقل الإنسان تبدأ في عمر 15 شهراً ولكن الآن نعرف بأن هذه العملية تبدأ في عمر 7 أشهر حين يبدأ الطفل بمعرفة ما هي المعتقدات الخاطئة. من هنا ندرك أهمية التفاعل مع الطفل من عمر مبكر والحديث واللعب معه من قبل الأبوين.
ثالثاً – اضطراب طيف التوحد ونظرية العقل Autism and Theory of Mind
لوحظ أن الأفراد الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد يجدون صعوبة في إدراك الحالة العقلية للآخرين، اقترح بارون كوهين أن الخاصية الأساسية في اضطراب طيف التوحد هي عدم القدرة على استنتاج الحالة العقلية للشخص الآخر. يجد الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد صعوبة في تصور أو تخيل الإحساس والشعور لدى الآخرين أو ما قد يدور في ذهن الآخرين من التفكير، وهذا بدوره يقود إلى ضعف مهارات التقمص العاطفي وصعوبة التكهن بما قد يفعله الآخرون، وقد يعتقدون بأنك تعرف تماما ما يعرفونه هم ويفكرون فيه، وعلى الرغم من معرفة الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد لما ينظر إليه الآخرون إلا إنهم يعانون من صعوبة كبيرة في القدرة على إدراك ما يدور في عقول الآخرين من أفكار، في حالة المعاناة من اضطراب طيف التوحد الشديد، قد لا يمتلك الأطفال مفهوم العقل إطلاقا، وقد أطلق على هذا العجز (نقص نظرية العقل) أو (عمى العقل).
لذلك تعتبر نظرية العقل مناقضة تماماً للعمى العقلي، حيث أن العمى العقلي هو اضطراب إدراكي يحدث عندما يكون الفرد غير قادر على إرجاع الحالات العقلية إلى الذات والآخر. وكنتيجةٍ لهذا الاضطراب، لا يعي الفرد حالات الآخرين العقلية. ولا يستطيع الفرد إسناد المعتقدات والرغبات للآخرين.
قد لوحظت حالات العمي العقلي لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد والفصام واضطراب التعلم غير اللفظي، واضطراب نقص الانتباه.
ولفهم أعمق لنظرية العقل والتي تضمن مفهوم الاعتقاد الخاطئ قام كل من ويمر وبارنر (Wimmer and Perne) بتقديم اختبار للكشف عما إذا كان الطفل لديه القدرة على قراءة العقل في المواقف التي تنطوي على الاعتقاد الخاطئ وعلى أن الطفل ذا عمر الأربعة أعوام قادر علي اجتياز هذا الاختبار الذي يطلق عليه اسم (اختبار سالي آن).
رابعاً – اختبار سالي آن:
يرى الطفل دمية اسمها (سالي) تراقب دمية أخرى اسمها (آن) وهي تضع كرة في السلة، تغادر (آن) الغرفة وتقوم (سالي) بنقل الكرة من السلة إلى الصندوق وعندما تعود (آن) يطرح على الطفل سؤال: أين ستبحث (آن) عن الكرة؟ في السلة أم في الصندوق؟ يستنتج معظم الأطفال أن (آن) ستبحث في السلة لأنها لا تعرف أن الكرة الزجاجية قد تم إخفاؤها، لكن الطفل ذوي اضطراب طيف التوحد سيبحث في المكان المخبأ فيه الكرة مع إجابات مختلفة كما أنهم يستطيعون تفسير ما حدث بإجابات عفوية وبشكل صحيح على خلاف الأطفال العاديين. يرى (كوهن (Cohan أن نظرية العقل تتطلب نظاما تمثيليا يساعد على إعداد رسم بياني أو خريطة للحالة العاطفية للآخرين، بطريقة مختلفة عن طريقة التقاط مشاعرهم مباشرة. حيث يمكن رسم النوايا من خلال خريطة للتمثيل العاطفي تمثل 05 أبعاد -كأن الحالة العاطفية تشبه الكرة الأرضية مترابطة يبرز جانبها من موقف ناظرها، إلا أن الناظر لا يستطيع أن يرى بعض الأبعاد الـ 05 المتمثلة في (الهدف الموجه، النية، الدافع، الشعور، الهدف المحدد) تؤدي مثل هذه المشاركات الدافعية والعواطف إلى حالة الإدراك الحسي بالنسبة للآخرين وهذا يعتبر العلامة الدالة في (نظرية العقل)، ورغم من أن نقص نظرية العقل يمكن أن يكون مسؤولاً عن بعض الإعاقات الاجتماعية النمطية في اضطراب طيف التوحد إلا أنه لا يسبب هذه السلوكيات.
خامساُ – هل يمكن تدريس القدرة على قراءة العقل؟!
الطفل ذوي اضطراب طيف التوحد لديه خلل معرفي مركزي في قدرته على قراءة العقل.. إذن المهمة التالية هي محاولة تدريسه القدرة على قراءة العقل..
وبما أنه يمكن في الأصل تغيير القدرة على الفهم.. إذن من الواضح أنه يمكن للطفل ذوي اضطراب طيف التوحد تعلم القدرة على تفسير الحالات العقلية للآخرين.
مثل هذا النوع من التدريس يقدم طرق أكثر فاعلية لمساعدة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد لتحسين المهارات الاجتماعية والقدرة على التواصل.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يمكن تعليمهم القدرة على فهم الاعتقاد الخاطئ والقدرة على التمييز بين الظاهر والحقيقي.
سادساً – برنامج قراءة العقل:
- هو برنامج لتدريس مفاهيم نظرية العقل للأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد وذوي التأخر المعرفي يعد هذا البرنامج من أوائل البرامج التي فصلت لغرض تدريب الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد على قراءة العقل.
- أعد البرنامج سيمون كوهين Simon Cohen، هادوين Julie Hadwin، وهاولين Patricia Howlin
- إعداد وترجمة مريم عبد اللطيف وتقديم د / منال عمر
- الفئة العمرية المستهدفة من 4: 13 عاما على أن يكون الطفل ذو عمر لفظي 5 سنوات.
- يسهل على الأبناء أو معلمين التربية الخاصة أو إخصائيين التخاطب استخدامه.
- والهدف الرئيسي من هذا البرنامج يرتكز على تطور عقل الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في تعرفهم على مشاعر من حوله من حزن وسعادة وغضب وخوف ثم يربط الانفعال الوجداني الظاهر علي وجه الشخص بالموقف ثم يتطور ويستطيع إدراك أن المشاعر الظاهرة لها علاقة برغبة الإنسان وعدم رغبته الداخلية ثم يتطور أكثر وأكثر ليدرك أن المشاعر الظاهرة علي وجه الشخص تكون مرتبطة باعتقاده.
سابعاً – وحدات البرنامج:
تم تقسيم مفاهيم الحالات العقلية إلى ثلاثة أجزاء منفصلة:
- فهم الانفعال
- تحليل المعلومات
- فهم القدرة على التظاهر
ينقسم كل مفهوم منهم إلى خمس مستويات متتالية من التدريس حيث أن المستوى الأول أبسط مستوي والمستوى الخامس الأكثر صعوبة واستندت مراحل التدريس على ما هو معروف عن تطور القدرة على فهم الحالات العقلية عند الطفل الطبيعي.
لذلك تم تقسيم البرنامج لثلاثة أجزاء لكل مفهوم من مفاهيم الحالات العقلية جزء خاص لتدريسه
- جزء خاص لتدريس الانفعال
- جزء خاص لتدريس فهم المعلومات
- جزء خاص لتدريس اللعب
حيث يقدم كل جزء التفاصيل الخاصة به والمتمثلة فيما يلي:
- كيف يمكن تقييم مستوي المهارة لدي الطفل؟
- كيف يمكن تحديد المستوي الذي ينبغي أن يبدأ منه التدريس؟
- الوسائل التعليمية المستخدمة في كل مرحلة.
- إجراءات التدريس الواجب إتباعها.
ولقياس مدى التقدم ملحق بالبرنامج ” نماذج تسجيل الاستجابات ” لكلا من الأجزاء الثلاثة.
الجزء الأول: تدريس الانفعالات:
وفي هذا الجزء يتم تدريس الانفعالات التي يمكن تدريسها من خلال الخمس مستويات التالية:
- التعرف على الانفعال من خلال الصور الفوتوغرافية
- التعرف على الإنفعال من خلال رسومات لتعبيرات الوجه
- التعرف على الإنفعال من خلال الموقف
- التعرف على الإنفعال القائم على الرغبة
- التعرف على الإنفعال القائم على الاعتقاد
الجزء الثاني: تحليل المعلومات:
وفي هذا الجزء يتم تدريس تحليل المعلومات من خلال الخمس مستويات التالية:
- فهم المنظور المرئي البسيط
- فهم المنظور المرئي المركب
- فهم مبدأ (رؤية الشيء تؤدي إلى معرفته)
- التنبؤ بالفعل من خلال مدي المعرفة
- إدراك الاعتقاد الخاطئ
الجزء الثالث والأخير: تطور اللعب التخيلي:
وفي هذا الجزء يتم تدريس مفهوم القدرة على التظاهر من خلال المستويات التالية:
- اللعب الحس حركي
- نشأة اللعب الوظيفي
- تأسيس اللعب الوظيفي
- نشأة اللعب التخيلي
- تمييز الشيء غير الحقيقي
المراجع:
- محمد صالح الإمام وفؤاد عبد الخوالدة: التوحد ونظرية العقل، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2010.
- بارون كوهين وبات هاولين: برنامج قراءة العقل لتدريس مفاهيم نظرية العقل للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وذوي التأخر المعرفي، مقدمة الدليل العملي، ترجمة مريم عبد اللطيف، تقديم منال عمر، جمهورية مصر العربية، مكتبة الأنجلو المصرية، 2015.