(حكايات كوندروشكين – لبنان قبل قرن بريشة روسية)، للصحافي عماد الدين رائف، نوع متميز من الأدب المترجم، بمضمونه وأسلوبه، فالكتاب ينقل تفاصيل حياة الناس اليومية في بلاد الشام، من وجهة نظر ستبيان كوندروشكين، الأستاذ الروسي الذي عمل في المدارس الروسية التابعة للجمعية الإمبراطورية الفلسطينية الأرثوذكسية.
الكتاب عبارة عن مجموعة قصصية صدرت قبل أكثر من مئة عام في روسيا، عمل الصحافي عماد الدين رائف على ترجمتها وشرحها والتعقيب عليها، نظراً لما تقدمه من مادة توثيقية لحياة الناس في منطقة بلاد الشام، من حيث العادات والمشاغل اليومية، والتي كانت مثار إهتمام للكثير من السياح والحجاج والكتاب الأجانب.
إن إعادة إحياء هذه المجموعة القصصية المهتمة بمنطقتنا وناسنا وتفاصيل حياتنا سابقاً، ونقلها إلى اللغة العربية، لهو أمر مثير لكثير من القراء نظراً للتداخل السياسي الذي تشهده المنطقة العربية مع التوجه القديم والحديث للخارجية الروسية في التعامل مع الأحداث في بلادنا، وتحديدا الأزمة السورية والتدخل العسكري الروسي المباشر، ما يعكس تكرار الأحداث السياسية ولو بأشكال مختلفة بين القديم والحاضر.
جمع كتاب حكايات كوندروشكين بين الأسلوب العلمي والسرد الروائي، فقدم المعلومات والأحداث موثقة بمصادر ومراجع ودوريات وصحف، بأسلوب قصصي سلس يشوق القارئ لمعرفة المزيد من التفاصيل، وقلب صفحات الكتاب الواحدة بعد الأخرى…
قصة راشيا عكست تداخل الوضع السياسي العالمي وتأثيره الكبير على يوميات وهموم المواطن الذي سرعان ما يؤيد ويعارض ويصدق ويدحض فكرة ما، قد لا تقدم أو تؤخر في حقيقة مسار حياته.
أما قصة بنت البيدر فتميزت بوصفها الجميل لتضاريس لبنان ـ وهو ما نجده في كل الكتاب ـ مع المعاني الفلسفية التي حملها الكاتب بأسلوب شيق يتميز بسلاسة الأحداث والمفردات الشفافة المنتقاة بعناية، ما يدل على دقة المترجم في تقديمها وإعطائها معاني إيجابية تدل على تعلقه وحبه لجمال وطنه لبنان.
من خلال قصة أبو رشيد يحكي الكاتب بساطة الناس في القرى، وداعتهم وطيبتهم وبراءتهم، فالرجل الذي وصل إلى بيته وزوجته وأطفاله، ظنّ أنه في بيت عند إمراة غريبة، فتسمر على عتبة المنزل ونام في زاوية منه، وتصرف تصرف الغرباء، الذي لم تسأله عنه زوجته أو تناقشه فيه، بل نامت هي أيضاً… إنما يبرز الهوة بين الماضي واليوم خصوصاً مع التطور التكنولوجي الذي نعيشه، فرجل اليوم هو غير أبو رشيد وزوجة اليوم غير أم رشيد.
في قصة شاهين هدلا يعيد الكاتب كتابة حاضرنا ليؤكد أن ما نراه اليوم من تعصب طائفي ومذهبي، ليس وليد اللحظة إنما عاش وترعرع مع أجدادنا قبل آبائنا، وها نحن نورثه لأولادنا…
أبدع الكاتب في وصف الطبيعة الجميلة لبلاد الشام من خلال قصة كوكوكو، فيرى القارئ مشهد البحر أمام عينيه، وتحمله الكلمات السحرية لعيش التفاصيل بكل مشاعرها وانفعالاتها، وتحديداً قسوة الأطفال في التعامل مع الحيوانات التي كانت مرتكزاً لتسليتهم في ظل غياب تام لأي نوع من الألعاب والأنشطة.
في قصة جبال الثلج يظهر الكتاب تعلق الشرقي بالحيوان والصلة الوثيقة بينهما، فشكري تألم لموت حصانه ونادى مراراً وتكراراً، قائلاً: إنه ابني…
مفيد هذا الكتاب، ما يقدمه يعيد الزمن إلى الوارء… الوصف الجميل، التفاصيل البسيطة والعبارات السلسلة كفيلة بأن يعيش القارئ في بلاد الشام قبل مائة عام.