يقول المثل الروسي: (من الأفضل أن تشاهد مرة من أن تسمع مائة مرة). ويقابله في المعنى، المثل الإنجليزي (A picture paints a thousand words) أي أن (صورة واحدة تساوي ألف كلمة).
الصورة في الصحافة الورقية
الصورة في الصحيفة ليست مجرد صورة، بل طريقة أخرى لسرد النص المصاحب لها وتأكيده.. لذا على الصحيفة الإهتمام بجودة الصور واختيار الأفضل منها والتي التقطت بذوق فني رفيع ومهارة حرفية.
الصورة وسيلة رائعة لجذب الإنتباه، ولكن هذا لا يعني أن تكون لأي نص منشور صورة مصاحبة له، بل تكون مصاحبة للمواضيع الساخنة أو المواد التي تعالج قضايا مهمة.
الصور التي تظهر الحركة هي دائما مثيرة للإهتمام أكثر بكثير من اللقطات الساكنة المملة، لذا فإن صور الناس على خلفية الأحداث أفضل دائما. وينبغي على المصور الصحفي أن يظهر تداعيات الحدث أو الظاهرة أو المشكلة التي يغطيها وتاثيرها على الناس العاديين.
هكذا كان الأمر منذ نشر أول صورة فوتوغرافية بدائية في الصحافة الورقية التقليدية وحتى يومنا هذا، التي بلغت فيه تكنولوجيا التصوير درجة عالية من الدقة والإتقان والجمال. ومنذ ظهورالصحافة الشعبية وصحافة التابلويد وصحافة الإثارة، أخذت الصورة تحتل مكان الصدارة فيها، فهي تعتمد ـ إلى حد كبير ـ على الصور المثيرة الجذابة، المليئة بالحركة والحيوية للفت الأنظار، لأن القارىء، يطالع أول ما يطالع من صحيفته العناوين والصور.
إن العنوان المصاحب للصورة يؤدي دوره كاملا إذا كان لا يكرر المعلومات التي يمكن استخلاصها من الصورة وحدها، بل يضيف إليها معلومات جديدة أو تعليقات ذكية لماحة.. وعلى أية حال فإن على المراسل أو المحرر المسؤول، أن يضمن العنوان أقصى ما يمكن من المعلومات المركزة.
أما الصورة المصاحبة لأي تغطية إخبارية أو مقال فإنها تكون غامضة من دون وجود عنوان لها ومن دون الإجابة على الأسئلة التي قد تطرأ في ذهن القارىء ـ المشاهد: من؟، أين؟، متى؟، كيف؟، ولماذا؟. لأي سبب؟ وغيرها، والتي تعجز حتى أكثر من صورة عن الإجابة عنها.
إن طبيعة العلاقة بين الصورة والنص والمساحة التي يشغلانها في الصحيفة تعتمد بطبيعة الحال على نوع المطبوع والهدف من النشر..
إن صورة بعينها يمكن تأويلها على نحو مختلف حسب النص المصاحب لها و تصميمها الجرافيكي أو طريقة نشرها في هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك.
الصورة في الصحافة الإلكترونية:
وبظهور الصحافة الإلكترونية اكتسبت الصورة أهمية متزايدة وتلعب دوراً لا يقل عن دور المعالجة الصحفية النصية في توضيح المحتوى وإغنائه. فالمتصفح يمر بعينيه على المقال أو الخبر محاولا إدراك إن كان يسنحق القراءة. لذا من الضروري للصحيفة الإلكترونية اجتذاب انتباه المتصفح على الفور بشيء ما، وأكثر الوسائل فعالية هي الصورة الجذابة المثيرة للإنتباه.
والصورة أشد وقعا وأكثر فعالية من مقطع (الفيديو)، لأن المتصفح يصرف في العادة حوالي 15 – 20 ثانية في الأقل قبل أن يتمكن من مشاهدة بداية المقطع، ثم ليقرر إن كان سيستمر في مشاهدته حتى النهاية. هذا إذا كانت سرعة الأنترنت كافية لمواصلة المشاهدة دون انقطاع أو عدم الإنتظار لتحميله. ولكي يتحمل المتصفح كل ذلك يجب أن يكون مقطع الفيديو مهما وممتعا، أما الصورة فإنها تتحدث عن نفسها بنفسها ولا تحتاج من المتصفح بذل أي جهد يذكر.
ولدى مقارنة الصورة بالنص، نرى أن كتابة النص الجيد تتطلب موهبة وخبرة متراكمة على المدى الطويل ومعرفة بدقائق اللغة وأسرارها أو معرفة القواعد اللغوية والإملائية في الأقل، فى حين أن التقاط الصور أمر في غاية البساطة والسهولة. وفي وقتنا الراهن أصبح من الممكن التقاط الصور ذات النوعية الممتازة بواسطة الهواتف الذكية، التي تسهل أيضاً عملية إرسال أو تبادل الصور، فهي دائمة الإتصال بالشبكة التي توفر هذه الخدمة.
كما أن شبكة الأنترنت خلقت فرصا كثيرة للتفاعل ولنشر الصور فمواقع التواصل الإجتماعي وبضمنها موقع (تويتر) كانت في بداية تطورها تعتمد في المقام الأول على النص. وأصبحت الصورة ركنا من أركان اقتصاد هذه المواقع بعد ظهور الهواتف الذكية وانتشارها والتي تتوافر فيها امكانية التقاط صور ذات نوعية ممتازة.
وثمة اليوم مواقع للتواصل الإجتماعي متخصصة في نشر وتبادل الصور مثل موقع (Instagram)
الصورة أكثر الوسائل بساطة وشمولية لنقل رسالة معينة على الفور إلى أكبر عدد ممكن من الناس، في حين يتطلب إرسال رسالة نصية معرفة اللغة وأحيانا حتى الترجمة. ولهذا فإن الصورة هي الأنسب للأنترنت المفتوح على العالم بأسره، والصورة مفهومة دون الحاجة إلى معرفة أي لغة. والمواقع التي تعتمد على الصورة والتطبيقات المتعلقة بها مربحة اقتصادياً أيضاً.
قراءة النص المكتوب على الشاشة عملية متعبة أحيانً وتتطلب الإنتباه من قبل المستخدم. أما الصور فيمكن تقليبها ومشاهدتها الواحدة بعد الأخرى لساعات من دول ملل أو كلل. ومن دون التفكير طويلا حولها. كما أن المستخدمين يرسلون للمواقع صورا لنشرها من دون أي مقابل مادي.
لغة التصوير
الصور التي يرسلها المستخدمون من كافة أنحاء العالم إلى المواقع الإلكترونية المختلفة وفي مقدمتها موقع (الفيسبوك) تشكل صورة عالمنا اليوم بكل ما فيه من أنماط الحياة في لحظة معينة. وثمة ظاهرة جديدة تمتاز بها عصرنا وهي ظاهرة الـ (سيلف – self) التي تعكس إحدى سمات عصرنا الأناني. فعندما يلتقط الشخص لنفسه صورة بالكاميرا الخاصة به فإنه يود تقديم نفسه وشخصيته المختلفة عن الآخرين إلى العالم.
ونظراً للدور المتعاظم الذي تلعبه الصورة في العمل الصحفي، يتساءل العديد من خبراء الإعلام عما إذا كان من الواجب على الصحفي أن يتقن مهارة التصوير أيضاً ولا يكتفي بالمعالجة الصحفية النصية.
وخلافا للوصف النصي أو الكلامي الداخل إلى الوعي الإنساني بتسلسل منطقي متتابع وببطء نسبي فإن المعلومة المرئية (الصورة) بفضل وضوحها وخصوصيتها تنطبع في الذهن على الفور، فهي قادرة على التأثير بقوة عاطفية كبيرة في القارىء ـ المشاهد وعلاوة على ذلك من المعروف جيدا أن الصورة الستاتيكية (المستقرة، الثابتة) تمتلك خاصية الإنطباع على نحو عميق ولزمن طويل في الذاكرة البشرية.
ويبدو أن هذه المميزات وغيرها دفع البعض من منظري الإعلام إلى القول إن لغة التصوير لغة عالمية لجميع الشعوب والبلدان.
وثمة مقولة مشهورة للمصور الأميركي المشهورEdward Steichen (1879- 1973( ادوارد ستيجين يؤكد فيها (أن صورة واحدة يمكن أن تحل محل عشرة آلاف كلمة بشرط أن تكون مصحوبة بعشر كلمات).
إن وجود نص إلى جانب الصورة يساعد على قراءة الموضوع واستيعابه على نحو أعمق وأفضل. باستثناء الصور الفنية المعبرة الملتقطة من قبل مصورين محترفين على درجة عالية من المهارة والإتقان والتي تعبر عن الفكرة من دون الحاجة إلى أي نص تفسيري.
انتهاك وحدة المعنى بين النص والصورة
تاريخ الصحافة زاخر بأمثلة عن اللبس والغموض وسوء الفهم الناجم عن انتهاك وحدة المعنى بين الصورة والنص المصاحب لها. وبتعبير آخر، بين ما توحي به الصورة من معنى وبين محتوى النص المصاحب لها، والأسوأ من ذلك تزوير معنى الصورة على نحو متعمد عن طريق نص مصاحب لها يختلف في معناه عما توحي به الصورة.
ولدينا مثل صارخ على هذا الإنتهاك: يقول المفكر الراحل ادوارد سعيد في كتابه (تغطية الإسلام): (خصصت مجلة (تايم) موضوعها الرئيسي للإسلام بتاريخ 16 أبريل 1979 وزينت غلافها بلوحة للفنان الفرنسي جيروم تصور مؤذناُ ملتحياً يقف على مئذنة ويدعو المؤمنين بوقار إلى الصلاة، وكانت اللوحة تتميز بالتنميق الشديد والمبالغة الصارخة مثل جميع فنون الإستشراق التي شهدها القرن التاسع عشر، ومن دلائل التناقض الزمني أن تكون هذه اللوحة الوقورة مزينة بكلمات لا علاقة لها بها وهي (إحياء الإسلام) ولم أجد أفضل من هذا الغلاف للدلالة على الفرق بين موقف أوروبا وموقف أمريكا تجاه موضوع الإسلام، إذ حولت المجلة لوحة هادئة زخرفية، كانت تعتبر في أوروبا جزءاً من الثقافة العامة لا أكثر، إلى صورة قادرة ـ بفضل الكلمتين المضافتين ـ على الدلالة على ما يشغل العقل الأمريكي لحد الهوس).
لذا فإن النص المصاحب للصورة يمكن أن يؤدي إلى تغيير أو حتى قلب معنى الصورة الحقيقية التي لا تشوبها شائبة.
وإلى جانب التضليل المتـعمد، ثمة التحيز النـاجم عن كيفية اختيار لـحظة وزاويـة التصوير أو تحريف الصورة بالرتوش أو المونتاج عن طريق الفوتو شوب.
صحف بلا صور
قبل بضع سنوات اعتقلت السلطات الجورجية ثلاثة مصورين مشهورين بتهمة التجسس لحساب الإستخبارات الروسية، بينهم المصور الشخصي للرئيس الجورجي السابق سكاشفيلي. واحتجاجا على هذا الإعتقال صدرت صحف المعارضة في اليوم التالي وهي خالية من الصور، وظلت المساحات المخصصة لها خالية، على غير العادة، وأدرك القراء أهمية الصور في الصحافة، لأن تلك الصحف بدت غريبة الشكل وكأن شيئا ما ينقصها، وغياب الصور قلل حتى من أهمية النصوص المنشورة فيها.
وقد تكررت هذه التجربة في صحيفة (ليبارسيون) الفرنسية التي حجبت كل الصور من عددها الصادر في 14 اكتوبر سنة 2013 احتجاجا على هضم حقوق المصورين وعدم تقييم جهودهم على النحو المنشود. وكما كان الأمر في جورجيا أظهرت الإطارات الفارغة مدى أهمية الصور في الصحافة، سواء كانت صحافة ورقية أم إلكترونية.
جودت هوشيار، مهندس وباحث وكاتب عراقي معروف، أصدر العديد من الكتب الفكرية والأدبية القيمة، منها (ذخائر التراث الكردي في خزائن بطرسبورغ) وبموازاة نشاطه الهندسي، كتب مئات الدراسات الفكرية في الصحف والمجلات الرصينة في العراق والعالم العربي. متفرغ حالياً للدراسات الفكرية. نتاجاته تنشر في الصحف والمجلات العربية والعراقية والكردية ومنها (الإتحاد) و(التآخي) و(كل العراق) و(صوت الآخر) وغيرها.. يتقن اللغات العربية والكردية والتركية والروسية والإنجليزية.