إعداد الاختصاصية الاجتماعية / إسراء بني يونس
مجلس الاختصاصيين الاجتماعيين في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
قد تمثل العناية بالأطفال الذين يعانون من أثر صدمة، مهمة شاقة نظراً لأن الشعور بالألم يسيطر عليهم، إلا أن ظهور العلامات الواضحة على الشفاء والتعافي تمثل أيضاً نقطة تحول في حياة الطفل، سنقوم باكتشاف مفهوم الصدمة وكيف تؤثر علينا من ناحية الانفعالات والسلوك والتعلم والعلاقات، ويجب مساعدة الأطفال على التعافي من الخبرات المؤلمة التي يمرون بها من أثر صدمات الماضي.
اقرأ ايضا: اضطراب كرب ما بعد الصدمة
أولاً : الصدمة : تؤدي إلى غياب الشعور بالأمان والاستقرار والثقة، وهي ضغط نفسي “سام” حين تستمر الصدمة لفترة طويلة من الزمن، فيشعر الطفل بالعجز مع عدم القدرة على تغيير الخبرة المخيفة المستمرة ، وإذا لم يتم تلقين الطفل استجابة مناسبة تساعده على التعافي، ويمكن للصدمة أن تؤثر بشكل مباشر على الطفل سواء على المدى القريب أو البعيد ، وحين يتعرض الطفل للحرمان من الرعاية أو التواصل العاطفي اللذين يمكنانه من النمو والازدهار فيمكن أن يقع فريسة للحزن العميق والخوف والوحدة، ولا يمكن أن يتخلص من هذه الانفعالات القوية إلا حين يتلقى الرعاية اللازمة.
يستطيع الأطفال إدراك وجود المناخ المتبلد عاطفياً، حيث لا يشعر الكبار بالارتياح إزاء التعبير عن المشاعر، وينتهي بهم المطاف من ابتكار أساليب للتأقلم مع الحاجة إلى التواصل العاطفي وكذلك يستطيعون إدراك أجواء الغضب والعدوانية حتى إن لم يشاهدوا أي سلوك يتسم بالعنف أو الغضب، إنهم يشعرون بما حولهم ويختزنونه، ثم يمكن بعد ذلك أن يتسرب عبر سلوكهم بطريقة ما.
ثانياً: أثر الصدمة: من الجدير بالذكر أننا حين نواجه خطراً، فإننا جميعاً نستجيب على نحو تلقائي وفق آليات (واجه أو اهرب أو تجمد)، من دون ملاحظة ذلك في أغلب الأحوال، والآن نفكك هذه الاستجابات بحيث نتبين كي تؤثر علينا وعلى الأطفال ما يدعى آلية (واجه أو اهرب أو تجمد) بــــــــ (استجابة التهديد) والمسؤول عنها هو جذع الدماغ وهي المسؤولة عن استجاباتنا الأكثر أهمية مثل التنفس وضربات القلب، إن هذه هي المنطقة الوحيدة من الدماغ التي تكون كاملة النمو الصغير لحظة الولادة.
من هنا ، حين يواجه أحدهم خطراً أو ما يعتقد العقل اللاوعي لديه أنه خطر ، فإن جذع الدماغ لديه يستجيب وفق آليات الاستجابة لتهديد البقاء ( واجه – اهرب – تجمد) ويتسبب في إطلاق العقل الانفعالي – الجهاز الحوفي – لهرمونات الاستعداد للاستجابة، ويقوم جزء من الدماغ الانفعالي – اللوزة الدماغية- بوضعه في حالة الانتباه للاستجابة للهلع ، إننا نخبر الطفل – على سبيل التبسيط – أن الأمر أشبه باشتعال حريق في جذع الدماغ نتيجة لمواجهة تهديد، وأن الدماغ الحوفي لديه نظام إنذار للحريق ( اللوزة الدماغية) يطلق إشاراته ويتسبب في ضوضاء عارمة حتى يطمئن إلى وجود استجابة مناسبه للتهديد !!
عملية التعافي: يمكنك أن تتحدث مع طفلك عن الاستجابة للتهديد، وبوسعكما أن تتعلما معاً بعض المعلومات عن عمل الأجزاء المختلفة من الدماغ، ويمكنكما أن تبحثا معاً عن الدماغ الثلاثي (Triune brain) كما يمكنكما أن تشاهدا أفلاماً توعوية عنه.
الدماغ الثلاثي : هو نموذج لتطور الفقاريات الدماغية الأمامية وسلوكيات الفقاريات، التي اقترحها الطبيب الأمريكي وعالم الأعصاب بول ماكلين.
ثالثاً: أساليب رئيسية لمساعدة الأطفال على التعافي:
المشاركة الوجدانية: تساعدهم على التعافي حيث أنها لا تتمثل في مجرد إبداء التعاطف، ولكنها تتمثل في الجهد الذي يستهدف التواصل العاطفي مع الآخر عبر وضع المرء نفسه في موضع آخر ومحاولة فهم مشاعره.
العطف: حين نستجيب بإظهار العطف بدلاً من إظهار الضيق أو الغضب أو التعب أو المرض، يشعر الطفل بالأمان الكافي للتحدث ولاستكشاف استجاباته.
الصبر: يكون أصعب الأمور على الأبوين أو القائمين بالرعاية، كثيراً ما يحتاج الأمر إلى أخذ نفس عميق، والتفكير في العواقب بعيدة الأمد لإظهار نفاذ الصبر مثل نوبات الغضب والصراخ بصوت عالٍ، والتحلِي بالشجاعة.
فكر في الأفضل ولا تأخذ الأمور على نحو شخصي: من السهل أن تتعامل مع الأمور على نحو شخصي حين يصرخ الطفل في وجهك (أكرهك) أو (لن آكل هذا لأنه مقزز)، يستدعي الأمر التحلي بالحكمة لإدراك أن الكلمات لا تعبر عن الحقيقة ولكنها عادةً ما تمثل تعبيراً قوياً عن الانفعالات التي يشعر بها الطفل بقدر كافٍ من الأمان ليقولها.
كثيراً ما ندرك الصواب على نحو نظري، ولكن من الصعب أن نذكر أنفسنا باتباعه، أليس كذلك؟ ولكن حين نحتفظ بمسافة كافية، ونحافظ على إبداء الهدوء والعطف والمشاركة الوجدانية، يمكننا أن نستجيب بعبارات هادئة من قبيل: (يبدو أن مشاعرك ثائرة الآن، أعلم أنك لا تكرهني، أود أن تعلم أنني أهتم بك حقاً).
الاهتمام بالذات: قضاء بعض الوقت في التنفس العميق والتأمل والتفكير في استجاباتك واحتياجاتك يساعدك بالفعل على تخفيف حدة الضيق والألم، ويمكن أن يساعدك على الشعور بقدر كافٍ من الطاقة الانفعالية التي تساعدك على التأقلم مع السلوك العنيد، ويمكن للتدريبات البدنية أن تساعد على التخفيف من شعور جسدك بالضغوط والحصول على القوة الكافية للاستمرار في أداء دور البالغ الذي يمكن الاعتماد عليه.
قضاء بعض الوقت المميز مع الطفل: حدد نشاطاً تشترك مع الطفل في الاستمتاع به، وحدد أوقاتاً منتظمة للقيام بالنشاط معاً، قد يتمثل في الصيد أو ركوب الدراجات الهوائية أو بناء الأكواخ الصغيرة، يمكن أن يجمعكما أيضاً حب تناول الحليب المخفوق أو مشروب الكاكاو، أو تصفيف الشعر، أو أياً كان نوع النشاط، فالمهم هو أن يمثل وقتاً للمرح وأن يشترك كلاكما في الاهتمام.
الحصول على المساعدة متى كانت متاحه: من علامات القوة أن تطلب المساعدة حين تحتاج إليها، إذ لا يعبر ذلك عن أي ضعف على الإطلاق، ومن المهم أن تحاول تكوين صداقات مع آباء الأطفال الذين يعانون من الصدمة أو من يعملون معهم، حيث يمكنكما ذلك من المشاركة الأفكار ودعم بعضكما في الأوقات العصيبة.
رابعاً: فهم أشكال العلاج المتاحة:
العلاج الفردي: علاج مخصص على نحو فردي لتعزيز القدرة على التعافي والصمود النفسي.
العلاج الجماعي: يمكن أن يساعد على تكوين مجموعات متجانسة من الأطفال يمتلك أصحابها خبرات متشابهة مع إعطائهم الفرصة لتلقي الدعم والتعلم من بعضهم البعض، ويمكن أن يحد من أثر الوحدة التي يمكن للصدمة أن تؤدي للشعور بها.
العلاج الأسري: يمكن أن يساعد على توطيد عُرى التعلق الإيجابي بأفراد الأسرة بعد المرور بالكرب.
وتمثل المجتمعات العلاجية أسلوباً علاجياً يمكن أن ييسر من عملية التعافي عبر تقديم بيئة حاضنة تستطيع إتاحة الفرصة للطفل للنمو والتعافي من الأذى الذي لحق به، ورغم أن أنشطة العلاج والإرشاد تمثل البداية والنهاية لطيف واسع من الأنشطة، إلا أنها تشترك في قدرتها على مساعدة الطفل على الوصول إلى التعافي الكامل، بينما يكون استمرار تلقي الدعم النفسي ضرورياً لاستكشاف الاستجابات اللا واعية التي قد تكون عسيرة على الاستيعاب.
الخلاصة: يمكن للأطفال أن يتعافوا من أثر الصدمة، ومن المهم للغاية أن يدرك البالغون أنماط السلوك والاستجابات الانفعالية التي تمثل أعراضاً للصدمة، حيث يؤدي ذلك إلى تناقص الشعور السلبي، إضافة إلى تمكين الفرد من فهم نفسه على نحو أفضل والتخلص من الكثير من التوتر.
يمكننا أن نترك اثراً كبيراً لدى كثير من الأسر والمجتمعات حين نعمل بجد من أجل دعم من تعرضوا للصدمة، بما يعزز من قدرتهم على النمو واكتساب الذكاء الانفعالي والثقة، عادةً ما يتمتع صغار السن المسلحين بمثل هذه الأمور بحياة أفضل!
المراجع:
- Bowlby, J. (1988) A Secure Base: Clinical Applications of Attachment Theory. London: Routledge.
- Institute of Recovery from Childhood trauma (CT) (2015) Our Theoretical Underpinnings, Available at www.irct.org.uk, accessed on 25
- July 2016.
- Levine, P. and Kline, M. (2007) Trauma through a Child’s Byes: Awakening the Ordinary Miracle of Healing. Berkeley, CA: North Atlantic Books.
- Oaklander, V. (2001) Gestalt play therapy? International Journal of Play Therapy 10, 2, 44-55.
- Perry, B. and Szalavitz, M. (2011) Born for Love: Why Empathy Is Essential and Endangered. New York: HarperCollins.
- de Thierry, B. (2015) Teaching the Child on the Trauma Continuum. Guildford: Grosvenor Publishing.
- Walsh, M. (2016) Definition of recovery given in a discussion with Institute of Recovery from Childhood Trauma (IRCT) trustees.