رواية (الأيام) لعميد الأدب العربي (طه حسين) التي روى فيها سيرته الذاتية، وشرح فيها حكايته المليئة بالصعوبات والتحديات حتى وصل إلى مكانته الرفيعة، فتحت الباب على مصراعيه لكل من أراد أن يكتب حكاية عن شخص من ذوي الإعاقة البصرية ليتخذ من طه نموذجا يستنسخ عنه.
فالصورة النمطية التي يرسمها الكتاب والأدباء حول الأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية هي صورة مثالية لشخص متفائل ناجح بالضرورة، صورة مستنسخة عن رواية الأيام ونجاح طه حسين.
ولا نستثني هنا كتب الأطفال من هذا التوجه، اذ صدرت في المكتبة العربية الكثير من كتب الأطفال التي تحمل هذا التوجه، وما بين عنوانين لافتين لكتابين من كتب الأطفال (عيون جميلة) و(عيون بسمة) نجد أنفسنا متورطين في النموذج المثالي من بداية العنوان.
عيون جميلة
صدر كتاب (عيون جميلة) عن الدار المصرية اللبنانية من تأليف نجلاء علام ورسوم سحر عبدالله في العام 2013، قدمت قصة الكتاب نموذجاً مثالياً لفتاة كفيفة سرعان ما تفهمت اختلافها عن المحيط، بالإضافة إلى أسرة متفهمة وأصدقاء داعمين، وعلى الرغم من صغر سن بطلة القصة (حبيبة) فقد استطاعت تفهم أن هناك أساليب مختلفة للتعامل مع المحيط، واكتشاف حاسة اللمس التي تعوضها عن حاسة البصر التي استطاعت أن تدركها من خلال محيطها، كما أنها بسهولة استطاعت أن تنسجم مع البيئة المدرسية، وتدرك الطريق أيضاً لتذهب إلى المدرسة وحدها.
كل تلك الإيجابية تحمل في طياتها قراءة غير حقيقية لواقع الأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية، فتلك السهولة التي تحيط ببطلة القصة (حبيبة) سواء من التقبل المجتمعي أو المعينات البيئية أو حتى من الكتب المدرسية المسموعة، إلى حد كبير لا تتوفر في مجتمعاتنا العربية أو في الواقع الذي يقرؤه الأطفال، فإن أردنا توجيه هذه القصة للأطفال من ذوي الإعاقة البصرية سيصيبهم الإحباط للعالم الخيالي الذي لا يتحقق بسهولة.
لا شك أن ما قدمته القصة هو أبسط حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية لكنها غير متوفرة فعلاً، ولا بد من إرشاد الطفل من ذوي الإعاقة على كيفية تحصيل هذه الحقوق والتعامل مع الظروف المحيطة في سبيل تحسينها، أما أن نقنع الطفل بوجود عالم مثالي ومتفهم من أسرة ومدرسة ومجتمع ليصدم فيما بعد بوجود عالم مضاد تماماً فهي نقطة تحسب على الكتاب، فإقناع الطفل من غير ذوي الإعاقة بوجود هذا العالم سيعفيه من مسؤولية المساهمة في تحسين البيئة المحيطة لافتراض وجودها.
ولكن تلك النقطة الأساسية رغم جوهريتها، لا تنفي قدرة الكاتبة على خلق نص جميل بكلمات سهلة وتمرير مجموعة من المفاهيم الحقوقية، بداية من استخدام المصلحات، والتركيز على حق التعليم والترفيه والحصول على المعرفة بوسائل مختلفة، وشرح مفهوم لغة (برايل) بطريقة مبسطة، وفي النهاية ركزت على مفهوم أساسي بالتخلص من ثقافة الوصم والعيب بالتخلي عن النظارة السوداء والتي رافقت صورة الشخص ذي الإعاقة البصرية في الأذهان العربية، وهي جزء من صورة (طه حسين) النمطية.
أما الرسومات فقد جاءت مفعمة بالروح والحلول الذكية والبسيطة لإيصال الفكرة، وقد تكون الصور إلى حد كبير أكثر واقعية وانصافاً لواقع (حبيبة) من القصة، رغم أن الابتسامة المرسومة على وجه (حبيبة) جعلت منها بطلة خارقة، وهذا ليس حقيقاً فالأشخاص من ذوي الإعاقة بشكل عام ليسوا أبطالا خارقين أو مثاليين.
عيون بسمة
صدرت عن دار (نهضة مصر) في العام 2007 للكاتبة فاطمة المعدول ورسوم رشا منير. ويقع الكتاب في نفس فخ الصورة النمطية للشخص من ذوي الإعاقة البصرية ابتداء من عنوانه: (بسمة)! فالصورة النمطية تفترض في كتب الأطفال أن يكون الشخص من ذوي الإعاقة البصرية هو الشخص الأكثر إيجابية والمبتسم دائماً، من خلال قصة الكتاب التي تدور حول فتاة نزلت من بطن أمها مبتسمة وليس كمعظم الأطفال؛.. مبتسمة وكفيفة.
ويصف الكتاب كيف تستطيع بطلة القصة (بسمة) استخدام حواسها الأخرى لممارسة الحياة، وهو إلى حد كبير وصف واقعي لتعامل المكفوفين مع البيئة المحيطة، بالإضافة إلى حالة الانتظار الدائمة التي كانت تعيشها بطلة القصة لأفراد أسرتها بهدف التنقل أو الذهاب لقضاء حوائجها في السوق أو الحديقة وغيرها،.. وكل ذلك يبدو واقعيا، حتى تلتقي بكلب صغير تبحث عن صاحبه فلا تجده، فتحرص على تربيته ليكون الكلب المرشد لها ولتصبح أكثر استقلالية.
قلة البحث هو الأمر الذي يقع فيه معظم الكتاب الذين يكتبون حول الاشخاص من ذوي الإعاقة، فالكلاب المرشدة تنتمي عادة إلى نوع معين من السلالات، وتحتاج إلى تدريب خاص ومكثف يبدأ منذ سنتها الاولى، بالإضافة إلى أن الحيوانات الأليفة غير مرحب بها في معظم الأماكن العامة كالمدارس والمراكز التجارية والحدائق والمواصلات العامة في مجتمعاتنا العربية.
وما جاء في القصة حول الكلب (سالم) نسج صورة غير حقيقية للكلاب المرشدة، وهو الأمر الذي سيواجهه ويدركه الطفل الكفيف إن أراد تربية أي كلب باعتباره كلبا مرشداً، وبالتالي تفقد تلك الوسيلة أهميتها كأحد المعينات الخاصة بالأشخاص من ذوي الاعاقة البصرية، بالإضافة إلى الفهم السطحي للكلاب المرشدة والمقدم للأطفال بشكل عام.
وعلى الرغم من الأسلوب البسيط والسلس الذي تستخدمه فاطمة المعدول في كتاباتها للأطفال، فهي لم تضف مفهوماً أو مصلحا جديدا يثري الطفل القارئ حول قضايا وحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة، فهي لم تذكر مصطلح (الكلاب المرشدة) ولم تقم بشرحه، فقط خلقت علاقة صداقة بين الطفلة (بسمة) والكلب (سالم) والتي اعتبرتها المعدول كافية ليؤدي دور الكلب المرشد والاستغناء عن الآخرين ومرافقتهم إلى السوق أو اللعب أو غيرها من النشاطات اليومية.
والرسومات جاءت بسيطة مفعمة بالألوان، لتتعامل مع الاحتمالات الأولى للحكاية فجاءت الصورة متطابقة مع النص المكتوب دون إضافة، إلا في بعض الأجزاء التي جاءت متداخلة مع النص وتروي حكاية مرافقة، كرحلة البحث عن الكلب أو معاكسة (بسمة) من قبل بعض الأشخاص في الشارع وهكذا…
الخلاصة:
على الرغم من وقوع الكتابين في أخطاء أساسية في فهم عالم الشخص الكفيف، وتقديم صورة لبيئته المحيطة، إلا أنه يحسب للكتابين النية الحسنة التي رافقت الحكايتين، ومحاولة الكاتبتين اثراء مكتبة الطفل العربية بكتب حول الاشخاص من ذوي الاعاقة البصرية.
وهنا نعود إلى نفس الخانة التي تجعلنا في كل مرة نسأل أنفسنا عن تقاعس الكتاب في البحث والتعايش الحقيقي مع الإشخاص من ذوي الإعاقة قبل الكتابة عنهم وعن عوالمهم المختلفة.
فالنية الحسنة وحدها لا تكفي لصناعة كتاب يؤثر في قضية حقوق الأشخاص من ذوي الاعاقة.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”